ثقافة الحوار في مواجهة الفتنة المذهبية

بقلم: عباس الجمعة


امام ما يجري في المنطقة من حالة غموض افرزتها الظروف والمعطيات والتي بدأت تظهر إفرازاتها السلبية بما يعرف بنشر الفتن المذهبية التي فرضتها الأحداث الاجتماعية التي تشهدها مجموعة البلدان العربية في الآونة الأخيرة ، ولازالت مستمرة ، وما يعد لها من تأجيج فكري وسياسي وتاريخي في آن واحد ، للتغطية على المشاريع المناهضة للسياسات الأمريكية في العالم العربي ، وتلجأ ايضاً إلى تسعير الخلافات في فلسطين حيث لا يوجد تعدد مذهبي ، من خلال الانقسام الداخلي، تتطلب من الجميع التنبه لهذه المخاطر .
المتتبع لأوضاع الثورات العربية ، سيرى بأن الثورات في تلك البلدن قد اتخدت مسارا مختلفا وخاصة ان الشعوب العربية انتفضت من اجل التغيير والديمقراطية والعدالة والاجتماعية وانهاء الفساد والاستبداد ، ولكن للاسف بدأت تخيم على ثورات الشعوب الغيوم والضباب بسبب ما يجري اليوم.
أن الثورات العربية اتخدت منعطفا آخر وهذا ما لاشك فيه، يستدعي من كافة القوى والاحزاب العربية والحركات الإحتجاجية تغيير خططها وإعادة قراءة ما يجري حولها على أرض الواقع لإعادة ترتيب أوراقهم بناء على المعطيات الجديدة التي تشهدها الوقائع الجديدة للثورات لتفادي مآزق تطرحها استراتيجية الثورة وآليات الثورة المضادة والتي تحول اليوم البلدان إلى حالة حرب حقيقية لا ينتج عنها سوى تدمير بلدانهم واقتصادهم وسيطرة القوى الامبريالية والاستعمارية على المنطقة وثرواتها .
لهذا نرى ان وتيرة حصاد الإسلاميين لنتائج الثورات الجماهيرية في البلدان العربية , ربما لا تنتهي المهمة عند البلدان المذكورة فقط , ستتعداها إلى بلدان أخرى , ولا ندري في أي مكان آخر أيضا , ويبدو إن أسلمة الثورات العربية هي عاقبة كل ثورة تطالب بالتغيير الاجتماعي والحريات الديمقراطية .
ان ما نبرهن عليه هي وصول الإسلاميون للسلطة بأقصى سرعة بعد أن فتحت لهم أمريكا الضوء الأخضر , فالقاطرة الإسلامية بالرغم من صدئها هي الممثل المناسب للمصالح الرأسمالية الغربية , فالحب بين الرأسمال العالمي والإسلامية ( المصون ) له تاريخه منذ عدة عقود وبلغ الآن مرحلة الزواج , كان الاختيار موفقا جدا وناجحا لمصلحة الرأسمال , وخير بديل يرجع بالمجتمعات الرُّجوعُ إِلى الخلف . ويعود بها إلى أزمنة الظلام بدلا كل أمل ثوري يطمح بالتغيير بعالم غير هذا العالم المغترب والراكد , وأن تشتعل المنطقة بحروب داخلية طائفية شهدنا منها الكثير , بدلا من توجه الناس إلى حل أزمتها الاجتماعية والمعيشية .

امام ذلك نرى ان بوصلة الثورات العربية بعيدة عن فلسطين ، وبعيدة عن العدو الرئيسي للشعوب ، حيث للاسف يتمشى البعض مع المشروع الامريكي الاستعماري الهادف الى تقسيم المنطقة العربية إلى كانتونات مقطعة وشرق أوسط جديد ، تنتهك تحت أتون الحروب الداخلية ، وهذا يتطلب من جميع القوى الحية استنهاض طاقاتها لمواجهة ما تخطط له الإدارة الأمريكية بموضوعي الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة ، وتسعير الخلافات الداخلية في فلسطين بسبب الانقسام لإضعاف المشروع الوطني الفلسطيني .
ان تجدد معادلة الصراع في الإستراتيجية الأمريكية من اجل استعادة دورها بعد هزائمها ، هو اشعال خط المقاومة بتلك الصراعات المذهبية وكافة إشكال صور الاقتتال الداخلي ، فتتحول استراتيجياتها نحو تلك الزواريب الداخلية وأزمات الشارع ، وبالتالي تستنزف جهود خط المقاومة ، في تلك الزواريب الداخلية والصراعات المذهبية ، وتخلو الساحة للمشروع الأمريكي الصهيوني ، ليلعب في الساحة العربية كما يريد ، و بالتالي يحفظ مستقبل الكيان الاسرائيلي من المساس به من خلال إنهاك جميع القوى ، واستنزاف كافة إشكال المقاومة في تلك البؤر المذهبية الضيقة وبالتالي يصبح الأفق فارعاً أمام التدخل الأمريكي نحو تعزيز مصالحها النفطية والإستراتيجية في عالمنا العربي الإسلامي ، وهنا يجب التنبيه إلى دور السياسة الأمريكية وأدواتها في توجيه الأنظار نحو عدو وهمي اي دور إيران ، بهدف تأجيج الرأي العام ، مما يوجب التنبيه الجدي لتلك المخططات الأمريكية وأخذها بعين الاعتبار.
ولا بد من القول ان تعزيز ثقافة الحوار ووحدة القوى اليسارية والقومية والديمقراطية العربية تشكل في معطياتها القومية والإنسانية ، التنوع الثقافي والتعددية الحزبية السياسية تحت مشروع موحدا يستند الى ثوابت نهضوية وقومية عربية مشتركة ، واستكمال النضال الوطني الديمقراطي في كل بلد من البلدان العربية من اجل التغيير والديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية ، ورفض مسميات متعددة للاقتتال الداخلي لانه لا يأتيا بخير ، بل يصنع الحواجز النفسية وهذه الحواجز النفسية تعزز صور من الاختراق، وتشويه صورة شعوبنا ، والعمل توجيه الأنظار نحو عدو واحد يتشكل في المشروع الأمريكي الصهيوني في العالم العربي الإسلامي .
امام ما سبق نؤكد أهمية أن نبني للتعايش والتعارف والتعاون في تعزيز وحدة الموقف ، بحيث تحول دون الحروب والمواجهة حتى نحقق رسالة حضارية امام العالم اجمع ،من خلال تعميق بناء المشترك الإنساني والارتقاء بالإنسان، وتحقيق كرامته واسترداد إنسانيته ، لذلك فإن الحوار هو الأساس والمرتكز ، ففاقد الشئ لايعطيه ، وان اختيار موضوعات الحوار وتقدير أهميتها، وطرحها للمحاورة والمناقشة والمراجعة مهم لدى احزاب وقوى وهيئات كل بلد عربي، للوصول إلى تفاهم ، ومن ثم التعاون، فإن لذلك كله له دور كبير في إثراء الحوار والوصول به إلى تحقيق أهدافه ، أما تصاعد وتيرة الخلافات يستنزف الطاقات .
أن الخلافات المذهبية الذاتية ا طائفيا ومذهبيا وحزبياً مسلكها خطر وعر ، وهي مهلكة للجميع ، والعقلانية تنادي إلى تأكيد الوعي بما يجري ، وتجنب الوقوع في الصراعات المذهبية والطائفية والعرقية والحزبية ، وكذلك تجنيب الوقوع في دسائس تلك المواجهات وحبالها الخفية ، لأنها تأكل الأخضر واليابس ، ويخسر فيها الجميع ، والفائز الوحيد في تلك المعارك السوداء هو العدو لامحالة ، فلا بد من الوعي الكافي لتلك الفتن السوداء التي عرفت قديما في السياسة البريطانية " فرق تسد " ، والأيام خير كاشف عنها ، في دسائس السياسة ومنتديات القرارات لانما تريده القوى المتأمرة هو تغيير اقليمي ودولي وسياسي يتحرك بسرعة كاسحة على جبهة عريضة ويحدث اثارا عميقة .
ان القضية الفلسطينية يجب ان تبقى بوصلة الجميع ،ولعل الحصار الظالم على قطاع غزة من قبل قوات الاحتلال الغاشمة واستمرار العدوان والاستيطان في الضفة الفلسطينية وتهويد المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس ، يفرز المزيد من المواقف الدولية ويعريها من أي مصداقية تحاول أن تستر بها عورة مواقفها، فقيام الاحتلال الصهيوني بالقرصنة والعربدة على سفينة (إيستيل) واختطاف المتضامنين الأوروبيين من على متنها، حيث لم نسمع من ما تسمى بقوى المجتمع الدولي يفضح مصداقيتها تجاه ما ترفعه من شعارات مزعومة تحمل اسم مبادئ إنسانية قيِّمة وهي "حقوق الإنسان، والحرية، وحماية المدنيين"، حيث الكلمات المشفوعة بالإجراءات العقابية التي تنطلق في مواجهة الدول العربية والإسلامية وتدبيج القرارات في مجلس الأمن الدولي لتبرير الاحتلال، واستخدام القوة لإسقاط الأنظمة وضرب استقرار الدول العربية والإسلامية وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية.
ما من شك أن الكيان الصهيوني يشعر بارتياح عميق بالنظر للمواقف الدولية الموالية والمدافعة، وللصمت العربي المطبق المكتفي بالتفرج على جرائم الحرب الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني لأن هذا يخدم مخطط الصهاينة المعلن لالتهام الأرض الفلسطينية، وبسط نفوذ منفرد على كامل الشرق الأوسط باعتبار أن هذا الكيان المسخ هو الكيان النووي الوحيد في المنطقة، بالإضافة إلى الردع الدبلوماسي الذي يوفره لهم الوسطاء المخلصون للمبادئ الصهيونية، فالخوف من أي إدانة أو خطوة عقابية بحق المحتل الصهيوني على جرائم حربه المتوالية، قد ولَّى إلى غير رجعة، ما دام المرشحون الأميركيون يتزلفون رضا الكيان الصهيوني وصوت اللوبي الصهيوني، وما دام العرب يتزلفون للأميركيين لمساعدة بعضهم على بعض وتدمير بلدانهم الواحد تلو الآخر. وغني عن القول ان ما يجري في الساحة الفلسطينية من تمترس خلف المواقف واستمرار الحملات الإعلامية المتبادلة والتجريح والقدح على الهواء والتهرب من تنفيذ التفاهمات الداخلية وأهمها اتفاق المصالحة، وتدخل الاحتلال والضغوط الإقليمية والعربية، يتطلب وقفة جادة من كافة القوى والفصائل وذلك من خلال اعادة الحوار الفلسطيني في الداخل ليكون الجميع بمنأى عن أية ضغوطات، خاصة مع فشل المفاوضات التي تجري في ظل تزايد وتيرة الاستيطان والاعتقالات وتهويد الارض والمقدسات، وخاصة ان هذا الحوار اصبح حاجة ملحة ، والعمل على تحريك الشارع الفلسطيني برفع الصوت عاليا من اجل انهاء الانقسام الداخلي ، وتعزيز الوحدة الوطنية في اطار منظمة التحرير ، والتمسك بالثقافة الوحدوية كجزء أساسي من الوصول الى بوابة الامان التي تحمي القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني من المخططات المعادية .
ختاما : نبارك للشعب الفلسطيني العظيم نجاح عرسه الديمقراطي في الانتخابات المحلية التي جرت في محافظات الضفة الفلسطينية ، ونحيي كل الجهود التي صنعت هذا العرس الديمقراطي بطريقة حضارية وديمقراطية ، عكست روح التنافس بين مختلف القوائم ، انتصارا جديدا للديمقراطية الفلسطينية.
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت