لماذا الانتخابات العامة؟

بقلم: لؤي زهير المدهون


عكست حالة الانقسام الناتجة عن سيطرة حركة حماس على السلطة في قطاع غزة ؛ ومماطلتها في تنفيذ اتفاق المصالحة من اجل استمرار سيطرتها وإحكامها على قطاع غزة، واستغلالها للوقت لفرض وقائع سياسية وإدارية في قطاع غزة ، وانسداد الأفق السياسي، الناتج عن توقف عملية المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بفعل سياسة التعنت الإسرائيلي واستمرارها ببناء مزيدا من المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م؛ نفسها على كافة مناحي الحياة للشعب الفلسطيني وخلفت أثارا مدمرة على أداء السلطة ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية، بما فيها الوزارات والأجهزة الأمنية؛ أحدثت حراكا شعبيا ضاغط على القيادة الفلسطينية بإجراء إصلاحات في مؤسسات السلطة، ودعم السلع الأساسية، ووقف امتيازات كبار موظفي السلطة، والمناداة بتعديل أو إلغاء بعض الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي خاصة اتفاقية باريس الاقتصادية... في خضم ذلك برز موضوع الانتخابات الرئاسية والتشريعية مجددا بشكل لم يسبق له مثيل؛ وعاد ليطفو على السطح مجددا ليصبح الموضوع الأهم على جدول أعمال القيادة الفلسطينية، والقوى الفلسطينية .
لا شك بأن موضوع الانتخابات العامة هو موضوع مصيري للشعب الفلسطيني في ظل حالة انقسام مرير أساء للشعب والقضية الفلسطينية، كونها ستُخرِج نتائج بتقديري ستكون أكثر انسجاماً مع تطلعات الشعب الفلسطيني بعد سنوات عجاف على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي ... الخ، وستكون مخرجاً وحلاً لتوحد أجهزة ومؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، وتوحيد عناوينها وسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، والكف عن الحديث عن مؤسسات منتهية الولاية.
مؤكدا هنالك تخوفات لدى القيادة الفلسطينية وبعضاً من قيادات العمل الوطني من الإعلان عن إجراء الانتخابات العامة في مناطق السلطة الفلسطينية، في ظل وجود مؤشرات ونوايا لدى حركة حماس وان أنكرت عن الإعلان عن قطاع غزة ككيان مستقل بذاته، خاصة وان هنالك حديث عن تسهيلات من الجانب المصري لقطاع غزة، والحديث عن إنشاء منطقة تجارية مشتركة بين غزة ومصر وتوفير المال اللازم لانجاز هذا المشروع وإن أجل مؤقتا، لكن بتقديري سيصبح هذا المشروع أمرٌ واقع، وبعيدا عن التكهنات والتخوفات بالفعل قطاع غزة هو كيان مستقل الآن، وبتقديري أيضا أن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية لن يؤثر كثيراً ولن يساهم في إنماء حالة الانقسام القائم، بل بالعكس من الممكن أن تكون نتائج الانتخابات هي الفيصل والمرجع الأساس الذي سيحدد علاقة السلطة الفلسطينية مع الدول العربية والإسلامية، والنواب الغربيين الذين اتخذوا من حالة الانقسام ونتائجه الذريعة للتعاطي مع حكومة غزة المقالة كون بعضا من أركانها نوابا في المجلس التشريعي نتاج اتفاق أوسلو .
بالتأكيد ستواجه العملية الانتخابية العديد من التحديات التي تحول دون إنجاز عملية انتخابية حرة، بعضها داخلي متعلق بالشأن الفلسطيني والمتمثل بحالة الانقسام، والثاني متعلق بحكومة الاحتلال، وهنا سنبرز أهم التحديات والمعيقات والممارسات المفروضة أمام انجاز العملية الانتخابية في حالة إقرارها، مبتدئين بما تفرضه حكومة الاحتلال ويحيل دول إجراء انتخابات حرة نزيهة والمتمثلة بإغلاق الطرق وإقامة الحواجز العسكرية التي تحيل دون حرية التنقل خارج حدود مناطق السكن، وجدار الفصل العنصري والذي يساهم أيضا في تعطيل حركة المواصلات، إضافة لتشكيله عقبة في بعض المناطق أمام انجاز عملية انتخابية حرة، كما متوقع أن تقوم حكومة الاحتلال بإغلاق بعضا من مراكز الاقتراع خاصة في مدينة القدس وتمنع التجوال للمواطنين العرب داخل المدينة ومنع طواقم لجنة الانتخابات من العمل، معيقات بتقديري من الممكن التغلب عليها بالضغط على حكومة الاحتلال من خلال المجتمع الدول بإجبارها على الالتزام بالاتفاقيات الموقعة والمتعلقة بالانتخابات، خاصة المادة (6) من الملحق الخاص والمتعلقة بترتيبات الانتخابات في مدينة القدس الشرقية .
أما المعيقات المتعلقة بالشأن الداخلي الفلسطيني والمتمثلة بحالة الانقسام تكمن ببعض الإجراءات التي قامت بها فعلا حركة حماس وأخرى متوقع أن تقوم بها، هذه الإجراءات بتقديري من شأنها بالفعل أن تعيق العملية الانتخابية وتكون حائلا دون انجاز انتخابات حرة ونزيهة، حيث قامت حركة حماس وحكومتها بغزة بإغلاق مكاتب لجنة الانتخابات المركزية ومنع طواقمها من العمل للحيلولة دون تحديث سجل الناخبين والتجهيز لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في قطاع غزة، بتقديري من الممكن معالجة هذه المعضلة باعتماد سجل الأحوال المدنية بجانب سجل الناخبين لغايات إعداد السجل الانتخابي النهائي، بهدف تحديد من لهم الحق في التصويت والترشيح في الانتخابات العامة، ليس هذا هو العائق الوحيد ولكن هنالك العديد من المعيقات المتوقعة والتي تكمن في عملية اعتقال وملاحقة المرشحين والتي من الممكن التغلب عليها بالصبر والحلم، كما يتوقع أن تشن حملة إعلامية ودعائية مناهضة للعملية الانتخابية، ولكن من الممكن مجابهة هكذا حملة بحملة إعلامية ودعائية موجهة لصالح العملية الانتخابية وبتقديري أنها ستنجح خاصة وأن السلوك الانتخابي يتأثر بالعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية بقدر ما يتأثر بالتنشئة السياسية والثقافة السياسية في الحالة الفلسطينية الآنية تلعب البيئة السياسية دورا أساسيا ومباشرا في تحديد توجهات المواطنين إزاء مسألة الانتخابات، ولكن العائق الأكبر هو كيفية الاقتراع في ظل عدم وجود مراكز اقتراع في قطاع غزة، لاشك بأن هنالك وسائل كثيرة في ظل التكنولوجيا، من الممكن أن توجد آليات للاقتراع عبر الانترنت، أو عبر الهاتف الجوال والأرضي، ولكن المعضلة تكمن في حالة إيقاف عمل شبكة الانترنت في قطاع غزة، وتعطيل شبكات الاتصال ( الهاتف، والجوال )، حقا أنها معضلة ولا حل لها إلا الاستمرار بالعملية الانتخابية انه التحدي الأعظم .
إن تنصل حركة حماس من الاتفاقيات الموقعة مع حركة فتح تحت رعاية مصرية، وتنصلها لما تم الاتفاق عليه بين الرئيس عباس ورئيس المكتب السياسي لحماس في الدوحة فيما عرف باتفاق الدوحة، يتطلب من الرئاسة الفلسطينية أن تعيد تقييمها لمجمل القضايا محل الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بإجراء الانتخابات العامة في مناطق السلطة الفلسطينية، وإعادة العمل وفق القرارات التي كان قد أصدرها الرئيس وفقا لصلاحياته الدستورية التي كفلها له القانون الأساسي في المادة (43) منه لسد الفراغ التشريعي الذي يخلفه غياب المجلس التشريعي والتي تعطي للرئيس الحق في إصدار قرارات لها قوة القانون في حالات الضرورة في غير ادوار انعقاد المجس التشريعي، والعمل بالقرار بقانون رقم(1) لسنة 2007 بشأن الانتخابات العامة والذي يعتمد مبدأ التمثيل النسبي الكامل في انتخابات المجلس التشريعي (نظام القوائم) باعتبار الأراضي الفلسطينية دائرة انتخابية واحدة، والصادر من قبل الرئيس محمود عباس في الثاني من أيلول/ سبتمبر 2007 ، والذي يقضي بإلغاء قانون الانتخابات الفلسطيني رقم (9) 2005، وإصدار مرسوم من قبل الرئيس محمود عباس بتحديد مواعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية يحدد فيه موعد الانتخابات، وذلك انسجاما مع القانون الأساسي وقانون الانتخابات .
إن موقفنا الداعم لإجراء الانتخابات العامة في ظل بيئة سياسية غاية في التعقيد وفي ظل عدم توفر الأجواء اللازمة لإجرائها؛ ينبع من حرصنا الشديد على استقرار الوضع السياسي في مناطق السلطة الفلسطينية في ظل تعثر العملية السياسية وانسداد الأفق، ولإنهاء مواصلة المجلس التشريعي المنتهية ولايته عمله بدون تفويض شعبي من خلال انتخابات حرة، وإنهاء الجدل القانوني حول شرعية مؤسسات السلطة الفلسطينية والقائمين عليها، وترك معالجة المجلس القادم لمجمل القوانين والقرارات الرئاسية حيث سيكون لديه متسعا من الوقت لدراسة وتعديل وإصدار القوانين، وموقفنا هذا بالتأكيد لا يتعارض مع حرصنا الشديد أيضا على طي صفحة مريرة من الانقسام وتجريمنا للخطاب الغير مسئول، والتصدي للغة التخوين والتشكيك، ودعوتنا باستعجال إتمام المصالحة الوطنية بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه تحت الرعاية المصرية .
انتهى ،
بقلم الكاتب المحامي / لؤي زهير المدهون
عضو المكتب السياسي – حزب فدا*

رئيس دائرة الحريات العامة والمجتمع المدني – حزب فدا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت