تثير زيارة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لقطاع غزة , الكثير من التساؤلات في الساحة السياسية الفلسطينية , وكذلك في الساحات العربية والإقليمية والدولية , ولدى المحللين السياسيين والمراقبين وكتاب الرأي , لما تحمله الزيارة من معان غامضة , عنوانها كما يروج البعض أنها تأتي لكسر الحصار عن قطاع غزة المحاصر منذ استيلاء حركة حماس على مقاليد السلطة في القطاع , بينما تعتبرها إمارة النفط القطرية , مساهمة منها في إعمار ما دمره الاحتلال في عدوان 2008- 2009 , وتقديم الدعم لأهالي القطاع من خلال دعم البنية التحتية في بناء الطرق والمستشفيات , حيث يحضر سمو الأمير برفقة زوجته الشيخة موزة , لوضع أحجار الأساس لعدة مشاريع , لكن المشروع الحقيقي للزيارة هو المشروع السياسي الذي تضطلع به الأمارة الخليجية في المنطقة , من خلال دورها العربي والإقليمي , وذلك من خلال ما شاهدناه في ثورات الربيع العربي , في تونس وليبيا ومصر وسوريا , وما جره ذلك من تفرقة عربية , وتدمير لدول عربية كبيرة , كانت تلعب الدر السياسي الكبير في المنطقة والإقليم , وباتت اليوم تابعا , تقودها الإمارة , بفضل أموال النفط , وبفضل إعلام " الجزيرة " التي قادت ثورات الربيع العربي بكل براعة .
في القضية الفلسطينية , حاولت قطر انتزاع الدور الأول , من خلال تدخلها في شؤون الفلسطينيين الداخلية , وخاصة في إعلان الدوحة للمصالحة وإنهاء الانقسام , رغم وجود اتفاق القاهرة والراعي المصري للمصالحة منذ بداية الانقسام , وهو الإعلان الذي لم يكتب له النجاح حتى الآن , بسبب تعنت حركة حماس , ورفضها تطبيق أبسط بنود الاتفاق , بالسماح للجنة الانتخابات بالعمل في قطاع غزة , وتجديد سجل الناخبين , تمهيدا لإجراء الانتخابات المحلية التشريعية والرئاسية وانتخاب المجلس الوطني , تمهيد لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية , وتطبيق باقي بنود الاتفاق , ولم تتخذ قطر أي خطوة في اتجاه الضغط على حركة حماس , لتنفيذ إعلان الدوحة , على الرغم أنها باتت تحتضن قيادة حركة حماس في الخارج , بقيادة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الدكتور خالد مشعل .
ونأتي إلى لب القضية في الزيارة , كما يروج لها البعض , بأنها تأتي لكسر الحصار عن غزة , وهنا نقول لسمو الأمير إنك أخطأت العنوان , فالحصار الحقيقي في القدس وليس في غزة , وليتك تسمع وتقرأ ما قاله عدد من الكتاب والإعلاميين المصريين بعد أن قاموا بزيارات للقطاع المحاصر : " ليتنا نحاصر في مصر كما تحاصر غزة " !! .
نحن لا ننكر أن على قطاع غزة يوجد شيء من الحصار , لكن الحصار الحقيقي هو ما يحصل لمدينة القدس , ولأهلنا المقدسيين , الذين يعانون الأمرين من الحصار والجدار , الذي يقطع المدينة المقدسة , بينما يصادر الاستيطان أراضيهم وعقاراتهم وهوياتهم , فالمدينة المقدسة كما تصفها فيروز " زهرة المدائن " , وكما يصفها مظفر النواب " عروس عروبتكم " , ولا أظن يا سمو الأمير أنه يخفى عليكم ما يجري لمدينة القدس من حصار واعتداء على المقدسات , ومن ممارسات عنصرية ضد أهلها الصامدين , فكان المطلوب دعم صمودهم , وكسر الحصار عنهم , من خلال إعادة بناء عقاراته المهددة بالانهيار والمصادرة , وتقديم الدعم المالي لترميم بيوتهم الأثرية , وما تحويه المدينة من مساجد وكنائس تفرض اسرائيل عليها الحصار , وتمنع المؤمنين من الوصول إليها لأداء عباداتهم , وقسما بالله إن الزائر للقدس , لا يمتلك أن يحبس دموعه ومشاعره , وهو يشاهد ما يحصل للقدس وضواحيها , وهو يشاهد الجدار العنصري يتلوى في أحشائها مقسما ومحاصرا لأحيائها , مصادرا أرضها وجوفها , ومهددا مسجدها الأقصى بالتدمير , ومهددا أهلها بالويل والثبور وعظائم الأمور .. فهل للقدس يا سمو الأمير من مجيب للنداء " واعرباه .. وإسلاماه " لإنقاذ ما تبقى من القدس , ورفع الضيم والحصار عن أهلها .
قيل إن الأمير حمد اتصل بالرئيس محمود عباس , يخبره بأنه يتوجه إلى قطاع غزة , في مكالمة على ما يبدو لرفع العتب , بعدما سمع الأمير ما وقع في رام الله من غضب , وكنا نتمنى أن يحمل سمو الأمير معه وسائل تطبيق اتفاق المصالحة , إلى جانب مشاريع إعمار غزة , فالعمار الحقيقي , هو إعادة الوحدة لشطري الوطن الفلسطيني , وإعادة الاعتبار للشرعية الفلسطينية , التي تمثلها منظمة التحرير الفلسطينية , برئاسة الرئيس أبو مازن , الذي تناول البعض الأنباء التي تحدثت عند دعوة سمو الأمير للرئيس عباس لمرافقته في زيارة غزة , وأن الرئيس عباس رغم الترحيب الخجول بجهود قطر لإعادة بناء غزة , رفض أن يرافق الأمير في هذه الزيارة , لأن الأولى أن يدعو الرئيس عباس سمو الأمير وغيره من الزعماء , لزيارة غزة واستقبالهم , وليس العكس , فالرئيس عباس هو رئيس كل الشعب الفلسطيني , وهو صاحب المشروع الوطني , وليس مشروع الانقسام الوطني , الذي يحاول البعض فرضه الأرض , ويتعزز بمثل هذه الزيارات المبهمة والغير مفهومة , حتى لا نقول شيئا آخر في زيارة سمو الأمير " الغير مهضومة " .
* كاتب فلسطيني من غزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت