حركة فتح بين الهزيمة

بقلم: رشيد شاهين


توقعات الكثير من المواطنين والمراقبين بألا تتم عملية تنظيم الانتخابات المحلية في الضفة الغربية، كان مرده إلى تجربة سابقة، حيث تم تأجيل العملية قبل ذلك لأكثر من مرة، وهذا ربما كان احد الأسباب الرئيسية التي جعلت عددا كبيرا من هؤلاء، يحجمون عن التسجيل في سجلات الناخبين، وعدد آخر لا يقل أهمية عنهم، للعزوف عن العملية وعدم إيلائها أي اهتمام يذكر واستبعادها من أجندة حياتهم اليومية، وهذا ما ساعد على إدارة الظهر من قبل من هم على علاقة بهؤلاء إلى العملية برمتها، وكان من الممكن الملاحظة أن عملية التنافس كانت باهتة إلى حد كبير خاصة في بداياتها.

بحسب العارفين، فان تأجيل العملية لأكثر من مرة، كان سببه عدم يقين ساد في صفوف حركة فتح من أنها لن تتمكن من الفوز بالطريقة التقليدية، أي بفوز مؤزر ناجز وكاسح، وبتلقي هزيمة منكرة كما كان عليه الأمر في الانتخابات التشريعية، خاصة في حالة مشاركة حركة حماس في تلك الانتخابات.

أما لماذا اتخذ القرار بتنظيم الانتخابات، فيعود إلى تيقن حركة فتح ان "غريمتها" حماس لن تشارك في الانتخابات، هذا أولا، وأما ثانيا فهو ان قادة دولة الكيان وفي المقدمة العنصري ليبرمان، يروجون لدى دول العالم، إنهم لا يعتقدون بإمكانية التفاهم مع قيادة فلسطينية لا تقوم بتنظيم انتخابات دورية ومنتظمة ليس فقط للقيادة السياسية، لا بل حتى على مستوى الهيئات المحلية، وهذا ما شكل إحراجا في أكثر من مناسبة للفلسطينيين خاصة في ظل الدعوات المتكررة التي أطلقها ليبرمان عن ضرورة إجراء انتخابات فلسطينية، آملا ان يتم التخلص من الرئيس أبو مازن.

وحيث تم تنظيم الانتخابات، وحيث تمت العملية بكل ما لها وما عليها، فان حركة فتح، التي شاركت فيها بكل ما لديها من قوة، معتقدة بأنها سوف تحقق سبقا غير عادي في ظل غياب المنافس الرئيس ألا وهو حركة حماس، لم تحقق النجاحات التي توقعتها بغض النظر عن كل ما قيل وما يقال، حيث من الواضح ان هنالك تآكلا ملموسا "لشعبية" الحركة، برغم كل ما تتمتع به من سيطرة كاملة على مصادر القوة والسلطة والترهيب والترغيب في مناطق الضفة الغربية المحتلة.

الاعتقاد السائد لدى البعض من قادة فتح وكواردها، بان الحركة استطاعت ان تحقق فوزا "ساحقا" في هذه الانتخابات، إنما هو دليل آخر على "عجز" أو سوء فهم وتقدير لقراءة ما يدور في الشارع وعلى الأرض، حيث لا يمكن الادعاء ان الحركة استطاعت الفوز فوزا ساحقا في مدينة مثل نابلس حتى لو كان الفائز هناك غسان الشكعة الذي يعلم الجميع بأنه من كوادر فتح التاريخيين، فهو نافس في الانتخابات بعيدا عن فتح التي قالت انها قامت بفصله بحجة "تمرده" على قرارات الحركة، والتي قال انه لم يفصل وإنما قدم استقالته قبل ان يتم فصله.

الاعتقاد بان مجرد حصول حركة فتح أو غيرها على النصف زائد واحد هو انتصار أو فوز كاسح، يعكس فهما مغلوطا لموضوعة الفوز والخسارة بمعناها العريض أو "الكاسح"، وإذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار بان الحركة وفي كثير من المواقع الهامة لم تستطع ان تحقق أي فوز،- خسارة بكل ما تعني الكلمة- فان هذا يعني فشلا ذريعا وليس فوزا ساحقا، خاصة في ظل ما تمت الإشارة إليه من عوامل القوة التي تتمتع بها الحركة – سلطة المال والإعلام والتأثير والترهيب والترغيب والتهديد "كما يتردد في الشارع بالفصل من الوظائف أو قطع المخصصات وما إلى ذلك من طرق وأساليب شرعية أو غير شرعية".

بالإضافة إلى ذلك، فقد مارست فتح بعض التكتيكات"غير النزيهة" في بعض الحالات ومحاولات الاختراق بالطرق المعروفة عنها وكأن الموضوع عملية "استخبارية" وليس عملية تنافسية على الفوز بانتخابات محلية "خدماتية" ليس إلا.

ان مجرد خسارة فتح -وهنا نتحدث عن القائمة الرسمية لفتح كتلة الاستقلال والتنمية- في بعض المواقع "غير الهامة" بنتائج "كاسحة" في كثير من الأحيان، أو "غير كاسحة" وخاصة في القرى والبلدات حيث لا وجود مهم للفصائل الأخرى، وهزيمتها أمام بعض العائلات أو العشائر، لمؤشر على تردي وضع الحركة، وان إمكانية خسارتها خسارة "كاسحة" لو شاركت حركة حماس في الانتخابات كانت مؤكدة.

عدم تحقيق نتائج "كاسحة" في العديد من المدن المهمة مثل طولكرم، بيت لحم، بير زيت، وفوزها "الباهت" في مثل هذه المناطق وغيرها، والمتمثل بفوز النصف زائد واحد، بالإضافة إلى خسارتها المدوية في نابلس ورام الله وبيت ساحور وبيت جالا، يشير بدون شك إلى ان الحركة تفقد البوصلة، وهي في تراجع واضح، قد لا نبالغ إذا ما قلنا انه يقود إلى مصير لا يعلمه إلا الله.

إذا ما أضفنا إلى ذلك كله، ان حركة فتح واجهت قوى يسارية وديمقراطية منقسمة على ذاتها، متشرذمة وغير قادرة على التوحد وغير متفقة على الحد الأدنى من عوامل الاتفاق، فانه يمكن لنا ان نتصور أي فوز "ساحق" تدعيه الحركة، بمعنى، انه لو تسنى لهذا اليسار وهذه القوى الوطنية الديمقراطية ان تنظم صفوفها كما يجب، وان تتسامى على بعض المواقف والمنافع الفصائلية والحسابات الذاتية، وان تدخل العملية الانتخابية بقوائم موحدة، فان النتيجة كانت بالضرورة ستكون غير متوقعة وربما "صاعقة" بالنسبة لحركة فتح.

لقد كان واضحا من خلال متابعة النتائج في أكثر من موقع انتخابي، ان مئات الأصوات ذهبت سدى ولم تستفد منها القوى اليسارية والديمقراطية بسبب عدم توحدها ودخول العملية بقوائم موحدة.

على أية حال، لقد انتهت العملية الديمقراطية التي جرت في الأراضي المحتلة بشكل سلس، وتمت بدون أحداث رئيسية أو هامة، إلا ان المحصلة التي يمكن الحديث عنها هي ان حركة فتح وكما يرى الكثير من المراقبين لم تحقق ما يعتقده البعض نجاحا "كاسحا"، وان من يقرأ مثل هذه القراءة، إنما يسهم في تضليل الحركة ويدفعها باتجاه المزيد من الخسارة في أية انتخابات قادمة، ويمكن القول ان ما جرى هو تراجع ملحوظ ومهم حتى لا نقول هزيمة "منكرة"، وعلى الحركة ان تدركه إذا ما أرادت استعادة الدور والثقل التاريخي الذي تمتعت به الحركة عبر عقود من الزمن، برغم اننا نشك في قدرتها على ذلك في ظل الأدوات التي تدير الحركة والسياسات التي تتم على الأرض.
23-10-2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت