شهدت مدن وقرى الضفة انتخابات الهيئات المحلية، التي جرى تأجيلها في السابق مرات عدة، على أمل إنهاء الانقسام وتنظيم الانتخابات بشكل متزامن في الضفة وقطاع غزة، وحاول البعض أن يستبق هذه العملية الديمقراطية بتوجيه اتهام التزوير لها، فيما توقع قيادي يساري أن تلجأ القيادة الفلسطينية إلى إنجاح قوائم حركة فتح مهما كلف الثمن حتى وإن كان ذلك من خلال التزوير الفج، لكن نتائج الانتخابات البلدية التي جرت مطلع هذا الاسبوع دحضت كل هذه الافتراءات، وهذا ما أكده أيضاً استطلاع للرأي من جهة محايدة بعيد الانتخابات جاء فيه أن 92% من المواطنين يعتقدون أن الانتخابات البلدية اتسمت بالنزاهة والشفافية، لم يتوقف الطعن في الانتخابات البلدية عند تهمة التزوير، بل أن حركة حماس اعتبرت أن إجراء الانتخابات يسهم في تكريس الانقسام، قد نشارك حماس الرأي لو تعلق الأمر بالانتخابات الرئاسية أو التشريعية، لكن لا يمكن لنا استيعاب ذلك في انتخابات الهيئات المحلية، وسبق لحركة حماس أن شاركت في انتخابات البلديات الأخيرة التي جرت على أربع مراحل، وكم كنا نتمنى أن تجري الانتخابات في كافة ربوع الوطن بشكل متزامن أو تتابعي، دون أن نضع عصي الانقسام في دواليب الممارسة الديمقراطية لانتخاب مجالس الهيئات المحلية.
كان لا بد من هذه المقدمة قبل أن نلج في الموضوع المتعلق بنتائج انتخابات الهيئات المحلية، وبخاصة الرسائل التي على حركة فتح أن تستخلصها منها، فقد جاءت الانتخابات لتؤكد أن حركة فتح لا تتعلم من أخطائها، فقد سبق لها أن خسرت الانتخابات التشريعية الأخيرة بنفس الطريقة والأسباب، حيث ترشح العديد من أبناء الحركة خارج قوائمها، مما تسبب في خسارة الآلاف من الأصوات كانت كافية لإعطاء الحركة الأفضلية في النتائج عن باقي القوى الفلسطينية، وفي الانتخابات البلدية حاولت اللجنة المركزية تجنب تلك الأخطاء فوقعت في خطايا مما زاد «الطين بلة»، حين لجأت لفصل قيادات وكوادر من الحركة ممن ترشحوا خارج قوائمها، وتوعدت بالشيء ذاته لكل من يساند أو يصوت لصالح « المفصولين» من الحركة.
لا يختلف اثنان على أن الانضباط التنظيمي مطلوب، ولكن كي نصل إلى هذا الانضباط الأدبي كان على اللجنة المركزية أن تدرك أننا لا نؤمن بالولي الفقيه، وأن توجه أبناء الحركة «بالريموت كونترول» لانتخاب قوائم أعضاء اللجنة المركزية وليست قوائم الحركة لم يعد مقبولاً، بل أن إسقاط المرشحين «بالبراشوت» عادة ما يخلق ردات فعل عكسية، لقد أكد سابقاً العديد من أعضاء اللجنة المركزية بأن اللجنة المركزية هي صاحبة الحق في تسمية مرشحي الحركة للانتخابات التشريعية والبلدية، وسبق لنا أن كتبنا أن مشاركة الكادر الفتحاوي في اختيار مرشحيهم هي الضمانة الحقيقية للنجاح، وقلنا ان حق اللجنة المركزية يتمثل في وضع الآلية التي يشارك الكادر من خلالها في اختيار مرشحيهم، وأن يتم اعتماد هذه الآلية في المجلس الثوري، ولكن من الواضح أن مفهوم أعضاء اللجنة المركزية لهذا الحق يتمثل في سلطتهم بفرض المرشحين على أبناء الحركة، وهذا يؤكد أن اللجنة المركزية لم تقرأ نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، وخلاصتها أن الحركة يومها نظمت انتخابات تمهيدية في كل من رفح وقلقيلية، وفيهما دون سواهما نجحت الحركة نجاحاً كاملاً، من الواضح أن أعضاء اللجنة المركزية تناسوا ذلك تحت تأثير سطوة الذات التي ألقت بملامحها على تحديد مرشحي الحركة.
أعتقد أن من الواجب علينا أن نتساءل، كيف تم تحديد مرشحي الحركة للانتخابات المحلية؟، صحيح أن القوائم صدرت بقرارات من اللجنة المركزية، ولكن المؤكد أن القوائم يمكن اعتبارها قوائم لأعضاء اللجنة المركزية كل حسب سكناه، فيما باقي أعضاء اللجنة المركزية لا يعرفون الغالبية العظمى من المرشحين، وبالتالي يمكن لنا القول أن القوائم هي قوائم أعضاء لجنة مركزية وليست قوائم حركة، طالما أن الكادر لم يشارك في إعدادها، ما حدث في نابلس وجنين ورام الله والعديد من التجمعات السكانية الأخرى يفرض على الحركة التوقف أمامها واستخلاص العبر، فاللجنة المركزية اتخذت قرارها بفصل القيادي غسان الشكعة من الحركة، رغم أن الجميع يدرك مدى الجماهيرية التي يتمتع بها هذا الرجل، وسبق له أن عمل رئيسا لبلدية نابلس وترك بصماته الواضحة على المدينة جعلت منها العاصمة الاقتصادية للسلطة، وهذا لا يعني التقليل من شأن الأخ أمين مقبول، ولكن النتيجة أن حصد الأخ «أبو الوليد» بقائمته الغالبية العظمى من مقاعد مجلس بلدية نابلس، وكذلك الحال مع المناضل وليد أبو مويس في جنين والشيء ذاته في رام الله والعديد من التجمعات السكانية.
على أي حال وضعت انتخابات الهيئات المحلية أوزارها، ولكن من المؤكد أنها وضعت الحركة أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول أن تواصل اللجنة المركزية قيادتها للحركة بمنطق التحكم عن بعد، وتؤكد على قراراتها المتعلقة بفصل من ترشح خارج قوائمها، وهذا يتطلب منها أيضاً أن تقدم على فصل الآلاف من أبناء الحركة ممن صوتوا لصالح «المفصولين» من الحركة، وستجد اللجنة المركزية من بين ظهرانيها من يطبل ويزمر ويرسم اللوحات الوردية لنتائج الانتخابات المحلية، والخيار الثاني أن تسترجع اللجنة المركزية لغة العقل والمنطق والحرص على وحدة الحركة وتماسكها بعيداً عن شخصنة الأمور التي أتاهت الحركة وبعثرت قدراتها، ويرتكز هذا الخيار أولا على قاعدة الرجوع عن الخطأ فضيلة، وأن تنهي اللجنة المركزية إلى غير عودة سياسة الإسقاط «بالبراشوت» لمرشحيها في كافة الانتخابات، وأن يترك لكادر الحركة اختيار مرشحيهم على قاعدة أهل مكة أدرى بشعابها، وإن كنا لا نستطيع إجراء انتخابات تمهيدية يشارك فيها كل أبناء الحركة، فعلى الأقل يمكن لنا إختيار هيئة انتخابية في كل منطقة جغرافية ضمن محددات واضحة لأعضائها، يشارك بها بضع مئات من كوادر الحركة، توكل إليهم مهمة اختيار مرشحي الحركة من خلال ممارسة ديمقراطية داخلية.
المؤكد أننا بذلك يمكن لنا أن نوصد الأبواب في وجه كل من يفكر في الترشح خارج قائمة الحركة، وإن فعل البعض غير ذلك فمن الطبيعي أنه لن يجد من يصوت له، لقد آن الآوان لأعضاء اللجنة المركزية لإعادة صياغة قواعد قيادتهم للحركة من جديد، بما يكفل الحفاظ على وحدتها وتماسكها، ومواجهة التحديات والمؤامرات الكبيرة التي تحاك ضدها، وآن لهم أن يتوقفوا عن تحميل الرئيس أعباء إضافية اضافية ناجمة عن إخفاقاتهم، والرسالة التي عليهم استيعابها أن أبناء الحركة يقولون بملء فيهم « لسنا حجارة شطرنج».
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت