لا يوجد عاقل يصدق ان مكالمة هاتفية اجراها امير دولة قطر مع الرئيس الفلسطيني ابو مازن هي بمثابة اتصال رفع العتب والتمني عليه مرافقته الى قطاع غزة في شرك محكم ، يمكن ان تبدد الشكوك التي تحوم حول الاهداف الحقيقية من وراء الزيارة الى قطاع غزة تستمر بضع ساعات ، بالرغم من السبب المعلن الذي يظهر نبل المبادرة من حيث الشكل ،اذ ينوي الامير تدشين المرحلة الاولى لاعادة بناء ما دمره العدوان الاسرائيلي نهاية عام 2009 ومطلع 2010 على قطاع غزة بكلفة اولية تقدر بمائتي وخمس واربعين مليون دولار ويتم خلالها ايضا وضع حجر الاساس لبناء مدينة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ، خطوة محمودة لو جاءت في سياقها الطبيعي المامول ، لكن الامر يتعدى ذلك حيث لم يتم الاعداد لهذه الزيارة مع الجهات الرسمية الفلسطينية كما تقتضي الاجراءات البروتوكولية وفق الاعراف المتبعة ، بل جاءت عبر البوابات الدوارة التي تتطلب الموافقة الامريكية اولا ثم الاسرائيلية ثانيا والاسلام السياسي المتمثل بالاخوان المسلمين الذي يحكم مصر حاليا ثالثا ، لذلك كان من المنطقي ان يزّف رئيس وزراء حكومة حماس بشرى المفاجأة الذي تحدث عنها مزهوا بخطابه الى جماهير القطاع ، يعلن خلالها البيان الاول بانتهاء الحصار منذ ان يطأ الفاتح الجديد ارض غزة على حد التوقعات المتفائلة ، خاصة اذا ماعلمنا ان الوفد القطري يضم في حاشيته بالاضافة الى الامير وزوجته ورئيس وزرائه عدد من الوزراء القطريين ، الامر الذي يطرح اكثر من علامة استفهام حول طبيعة هذه الزيارة التي ستلقي بضلالها على مستقبل العلاقات الفلسطينية القطرية المتازمة اصلا بسبب مواقف الاخيرة من القضية الفلسطينية عموما ، من الواضح بشكل لا يقبل التأويل العلاقة الوثيقة بين الزيارة والضغوطات الامريكية الاسرائيلية لاحكام الطوق على القيادة الفلسطينية وتشتيت جهودها التي وصلت ذروتها حد التهديد بالحصار والتجويع واستهداف شخص الرئيس بشكل مباشر في محاولة للتخلي عن المسعى الفلسطيني بالذهاب الى الجمعية العامة للامم المتحدة لنيل فلسطين عضوية الدولة بصفة مراقب يتزامن ذلك مع تراخي القادة العرب تجاه التزاماتهم التي قرروها بتشكيل شبكة امان سياسية واقتصادية في حال تعرضت السلطة الفلسطينية للابتزاز المالي والسياسي ، رسالة واضحة يفهم منها اما الانصياع لاملاءات الادارة الامريكية الحامية للاحتلال او ان هناك من هو مستعد لذلك .
يبدو ان امير قطر وجد ضالته من خلال نافذة غزة بعد ان تعرضت مساعيه السابقة الى نكسات في لبنان والسودان واليمن وليبيا وغيرها من دول الربيع العربي قد تدفع مجرياتها المتحركة باتجاهات غير معلومة الى غير ما يرغب به حلفاؤه الذين يوفرون له الحماية والغطاء السياسي اللازم لذلك يرى افضلية التوجه نحو اضعف الحلقات هشاشه في المعادلة الاقليمية من اجل استعادة دوره من جديد في المنطقة ! والا لماذا لم يحرك ساكنا كل هذا الوقت للبدء بعملية اعمار القطاع المنكوب ؟
كما ان القدس تتعرض لابشع هجمة عنصرية تستهدف المقدسات والانسان والممتلكات وهي بحاجة ماسة لدعم صمود اهلها الذين يتصدون للعدوان بصدورهم العارية ، فهل رفّ لهم جفن تجاه ما يجري هنا باولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
لقد ذهبت القيادة الفلسطينية بعيدا عن الصواب عندما تساهلت بقضية التمثيل الفلسطيني حين تجرأ الكثيرون على التطاول والمساس بأحد اهم الركائز الوطنية التي جاءت بفعل الكفاح الوطني المرير الذي خاضه الشعب الفلسطيني عبر التضحيات الجسام ولا يزال يدفع خيرة ابنائه وشبابه من اجل ترسيخ الكيانية والهوية الفلسطينية وعلى قطر ان تدرك قبل غيرها ان منظمة التحرير الفلسطينية فوق كل اعتبار وعليها ان تقول الحقيقة التي يعلمها القاصي والداني من هو الطرف المسؤول عن تعطيل اتفاق المصالحة وخاصة انها رعت الجزء التنفيذي منه ولم ينفذ حتى هذه اللحظة وبالتالي لا يمكن النظر الى الامور بحسن النوايا من زاوية عدم اغضاب احد .
إن اعادة اعمار قطاع غزة هدف مركزي سعت اليه القيادة الفلسطينية فور انتهاء العدوان الاسرائيلي الغاشم مباشرة واستطاعت ان تعقد مؤتمرا دوليا للدول المانحة في شرم الشيخ جمعت خلاله المليارات من الدولارات لذات الغرض غير ان التمسك بمزايا الانقسام وتغليب ما هو فصائلي على حساب المصلحة الوطنية ، حال دون تنفيذ البدء بمشروع الاعمار بالرغم من حجم المعاناة التي جعلت مئات العائلات الفلسطينية تفترش الارض وتلتحف السماء لوقت طويل وبالتالي ذهبت ادراج الرياح كل المحاولات المخلصة التي من شأنها عودة الامور الى سياقاتها الطبيعية ، اذن للزيارة غاياتها غير البريئة بالنظر الى سجل دولة قطر العابث بالقضايا العربية والفلسطينية على وجه الخصوص وسوف تؤسس لانفصال حقيقي بدلا من تظافر كل الجهود لاستعادة وحدة الارض والشعب في مواجهة مخططات الاحتلال الرامية الى شطب الحقوق الفلسطينية وابقاء حالة الانقسام والتشظي وسيلة يستخدمها في تحقيق غاياته ، ان المطلوب من كافة القوى الوطنية الفلسطينية مغادرة المواقف السلبية وتسمية الاشياء بمسمياتها الحقيقية والحديث بلغة واضحة وليس باسلوب المواربه عن الدور المريب الذي تلعبه هذه الامارة كما ينبغي مقاطعة الزيارة ونتائجها السياسية واذا كانت قطر تسعى لاشعال المزيد من الحرائق بالساحة الفلسطينية فلا تنتظر سوى الاكتواء بها ....
عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت