بعد أعوام طويلة على الحصار الصهيوني المفروض على قطاع غزة، وبعد حرب مُدمرة أتت على القطاع، دمرت البيوت والمنشآت والمصانع، بل وبترت أطراف الشباب والرجال، وتأكيدا جعلت البنية التحتية للقطاع مهترئة إلى حد كبير. بعد هذا وذاك وصل أمير قطر الشيخ حمد وزوجته الشيخة موزة على رأس وفد رفيع المستوى لتدشين مشاريع تنموية بملايين الدولارات “منحة وليس مديونية”. الشعب الفلسطيني الأصيل خرج مُرحبا بالزيارة، فقد وجد فيها لمسة خير قطرية ينبغي أن تُشكر، ومن جانب آخر فهو شعب يعرف معنى إكرام الضيف، ولذلك خرج رافعا علم قطر وملوحا بيديه للترحيب بوفدها.
الفصائل كما المواطنين خرجوا للقيام بواجب الضيافة لضيف فلسطين، لكن بعض من يعتبرون أنفسهم فصائل رفضوا المشاركة في مهرجان فلسطين الكبير بحجة عدم تعميق الانقسام “وهو تأكيدا ليس السبب الحقيقي لعدم مشاركتهم”، والدليل أن عضوا في اللجنة المركزية لتلك الفسائل صدر بيانا لوسائل الإعلام يؤكد مشاركة فسيله في الاستقبال تحت عنوان “المساهمة في كسر حصار غزة وإعادة إعمارها”، غير أنه وذات الشخص ما لبث أن وزع تصريحا آخر يؤكد عدم المشاركة بحجة “عدم المساهمة في تعميق الانقسام”.
وأنا أتابع هذه المبررات الواهية لأصغر طفل فلسطيني استذكرت مثلا كان يحدثني به جدي ويصلح لهذه المواقف، حيث كان يقول بلغته العامية البسيطة: ” على بال مين يا اللي بترقص في العتمة”، تماما هذا ما ينطبق على تلك الفسائل التي لا تزال تعيش وهم التاريخ، وتعيش على أمل الماضي الذي لفظه الشعب والقضية، حتى أصبح المواطن العادي إذا ما سمع باسم فسيل منهم على الفور نطق بما قاله سابقا معمر القذافي “من أنتم!!”.
بالفعل من أنتم، وما هي مواقفكم وكيف تتحركون؟؟. هل إعادة إعمار غزة تعزز الانقسام؟ وهل التخفيف عن أصحاب السيقان المبتورة يكرس الانفصال؟ ولماذا سابقتم لتبني موقف الاستقبال ورفضتم ذلك بعد ذلك؟، ثم هل المشاركة في انتخابات بلدية في الضفة الغربية بدون غزة والقدس توحيد للجسم الفلسطيني؟ أم في أي خانة يتم احتسابه يا فسائل اليسار؟ أما آن الأوان أن تعرفوا من أنتم وماذا تمثلون؟ ألم يأتِ الوقت لتُفصحوا للجميع بأن مواقفكم باتت مرهونة لحركة “فتح” التي تمنع عنكم مخصصاتكم الشهرية؟. كونوا رجالا ولو لمرة واحدة وربما عندها تستقر نسبة تأييدكم في المجتمع بدلا من استمرار انحدارها إلى الحضيض.
البعض من ممثلي تلك الفسائل عندما وجد عدم جدوى للحديث عن تعزيز الانقسام في زيارة لبناء غزة التي دمرها الاحتلال، ذهبوا لتبرير عدم مشاركتهم في استقبال الوفد القطري، بأن قطر على علاقات وطيدة من الكيان الصهيوني. الله الله، إن هذا الكلام يُشعر الإنسان بأنهم مناهضون للاحتلال!!.
يا عالم عيب استمرار الاستخفاف بعقول الناس، ولا أريد الإطالة في توصيف ما فعلتموه، إنما أقتبس ما كتبه الأستاذ صالح النعامي حين قال عنكم: “إن المضحك المبكي أن تبرر بعض فصائل م.ت.ف قرارها مقاطعة زيارة أمير قطر بعلاقات الأمير مع ( إسرائيل)!!!. يبدو هذا التبرير سفيهاً لدرجة تثير الغثيان؛ لأنه إن كانوا حقاً يصدقون ما يقولون، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا إذن تجلسون مع أبو مازن على نفس الطاولة، وهو الذي يعتبر التعاون الأمني مع ( إسرائيل) جزءاً من مفهومه لـ” الأمن القومي” الفلسطيني. لا يحتاج الأمر إلى مفكر ملهم حتى يتبين أن قرار المقاطعة جاء رداً على قرار عباس وفياض قطع المخصصات المالية عن هذه الفصائل في أعقاب المظاهرات التي نُظمت ضد غلاء الأسعار وزيادة الضرائب، وبالتالي استغلت هذه الفصائل الفرصة لكي تثبت لفياض أنها لن تعود لما كانت عليه”.
أخيرا، فالتاريخ لن يرحم من باع وطنه مقابل حفنة من الدراهم والأموال ثم يأتي ليتغنى عن المقاومة والشراكة في القرار. حتما الشوارع بإذن الله سيتم إنجازها، والشقق السكنية ستسرُ الناظرين، والمستشفى سيخدم الأخوة المصابين، ولكن: هل ستواصل فسائل اليسار مقاطعة ما جاء من قطر. أتمنى أن يكونوا رجالا عند مواقفهم، وهذا يُحتم عليهم على الأقل بعد أعوام وبعد أن يصبحوا فقراء ومعوزين ألا يطالبوا بشقق سكنية تواري سوآتهم، أو ليقاطعوا الشوارع التي عبدتها قطر بأموال التطبيع مع الاحتلال كما يقولون ولا يمروا عليها بسياراتهم. حينها فقط إن كانوا رجالا أصحاب مواقف سنقول لهم “من أنتم”، وفي وقتها سيظهر صاحب المبادئ دون أن يجيب على سؤالنا
قلم/ أيمن تيسير دلول
صحفي فلسطيني من غزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت