الفلسطينيون سيدفعون ثمن عودة نتنياهو إلى الحكم

بقلم: غازي السعدي


تقرير اللجنة التي ترأسها القاضي اليميني المتقاعد "أدموند ليفي"، باعتبار الضفة الغربية ليست مناطق محتلة، ينسجم مع شعار حزب الليكود واليمين الإسرائيلي، "ضفتان لنهر الأردن، هذه لنا وتلك أيضاً"، وجندي صهيوني يحمل بندقية، إحدى رجليه في الضفة الغربية من النهر، والأخرى في الضفة الشرقية، وهذا الشعار منقوش على بندقيته التي يحملها، فمنذ خطة رئيس الوزراء السابق "أرئيل شارون"، بتطبيق خطة الانسحاب الأحادي من قطاع غزة، والذي اعتبرته فصائل المقاومة الفلسطينية انتصاراً لها، كان واضحاً بأن هدف هذا الانسحاب هو ابتلاع الضفة الغربية وملؤها بالمستوطنات، تمهيداً لضمها لإسرائيل، ولأننا لا نقرأ، ولا نتابع مجريات الأمور كان علينا قراءة ما كتبه في حينه مستشار "شارون" الخاص، المحامي "دوف فايسغلاس"، وقال بصراحة، بأن عملية الانسحاب الأحادي من القطاع، تهدف إلى الاستيلاء على أراضي الضفة الغربية وتهويدها.

تقرير لجنة القاضي "ليفي"، بتكليف من قبل حكومة "نتنياهو"، واستغرق إعداده سنتين، أعلن عنه قبل عدة أشهر، ينص على أن الضفة الغربية ليست مناطق محتلة، وأن إسرائيل ليست قوة عسكرية محتلة للضفة الغربية، أما المغالطة الكبرى والكذب، قوله بأن القانون الدولي لا يمنع إنشاء وتوسيع المستوطنات، رغم وجود قرارات عديدة من قبل الأمم المتحدة، بمنع إقامة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، وباعتبار المستوطنات القائمة غير شرعية، علماً أن محكمة "لاهاي" في قرار لها اعتبرت الجدار العنصري والمستوطنات وكل ما قامت به إسرائيل بالأراضي الفلسطينية باطل، فإن لجنة "ليفي" تجاهلت كل هذه الحقائق، فـ "نتنياهو" الذي سبق وجمّد قرار اللجنة، عاد لوضعه على جدول أعمال الحكومة للأخذ به للاستفادة منه وحزبه في المنافسة على أصوات المستوطنين والمتطرفين في انتخابات الكنيست، مع أن قانونيين ومحللين سياسيين إسرائيليين حذروا بأن الأخذ بهذه التوصيات سيعرض إسرائيل لأزمة دولية، وتزيد من عزلتها في العالم.

"نتنياهو" يعتزم تغيير الأسس القانونية المعمول بها في الضفة الغربية، وتغيير الأنظمة المتعلقة بالاستيطان، وحسب وزير المواصلات "إسرائيل كاتس"، فقد اعتبر بأن تقرير "ليفي" يؤكد بوضوح حق اليهود في السكن في "يهودا والسامرة"- أي الضفة الغربية- والعيش فيها بشكل طبيعي كباقي سكان إسرائيل، فهذا الوزير يؤكد أن أحداً لا يريد ضم الشعب الفلسطيني لإسرائيل، وهذا صحيح، لكنه تجاهل بأنهم يريدون ضم الأراضي دون شعبها، فتقرير "ليفي" يوصي بإضفاء الشرعية على المستوطنات العشوائية، وباتخاذ إجراءات جديدة تتيح توسيع المستوطنات دون الحاجة إلى قرارات من قبل الحكومة، فإذا أقرت الحكومة هذا التقرير فهذا يعني ويؤكد على حق وشرعية الاستيطان في الضفة الغربية من وجهة نظر القانون الإسرائيلي، على عكس قرارات الشرعية والقانون الدولي الذي لا تحسب له إسرائيل حساباً، وإقرار توصيات اللجنة يعتبر خطوة إضافية على طريق تطبيق السيادة الإسرائيلية وضم الضفة لإسرائيل، وهذا ليس بجديد فإسرائيل تعتبر ذلك من حقها التاريخي، موثق في البرنامج السياسي لحزب الليكود الحاكم والأحزاب اليمينية الأخرى.

ماذا لم يعملوا من أجل السيطرة ونهب الأراضي الفلسطينية؟
ففي عام 1901 كانت خطوتهم الأولى بإنشاء الصندوق القومي الصهيوني لشراء الأراضي في فلسطين، والمعروف باسم "الكيرن كييمت لإسرائيل"، وبعد احتلال فلسطين عام 1948، عملوا على طرد الفلسطينيين من ديارهم إلى الخارج، للتخلص من أكبر عدد منهم، وفرضوا الحكم العسكري ونظام التنقل بالتصاريح، وقام الاحتلال بهدم معظم قراهم وتهجيرهم إلى مناطق أخرى، ومن خلال الحكم العسكري منع أصحاب الأراضي من الوصول إلى أراضيهم، التي جرى ضمها إلى الكيبوتسات، وشرع الكنيست منذ مطلع الخمسينات مجموعة من القوانين العنصرية لإعطاء نهب الأراضي شرعية إسرائيلية، مثل قانون استملاك الأراضي، وقانون الحاضر-الغائب، وقانون أملاك الغائبين، إضافة إلى قوانين وأنظمة أخرى تصب في السيطرة على أراضي الفلسطينيين.

بعد حرب 1967، اتبع الاحتلال الإسرائيلي سياسة المراحل وانتهاز المناسبات والفرص المحلية والدولية، لفرض الأمر الواقع، بدأها بإقامة المستوطنات الأمنية، وفقاً للمشروع المعروف باسم "الون"، ثم وضع اليد على الأراضي الأميرية، مع أن أحقيتها للفلسطينيين لإقامة دولتهم عليها، وبدأت عملية الاستيطان المتدرجة، حتى وصل عدد المستوطنين اليوم ما يزيد عن نصف مليون مستوطن، وفي عام 1988 وجه "شارون-الذي كان وزيراً للبنى التحتية- نداء للمستوطنين، لاحتلال الهضاب والمزيد من الأراضي في الضفة، بقوله "ما نسيطر عليه يبقى لنا، وما لا نسيطر عليه سيبقى تحت سيطرة الفلسطينيين"، ولبوا نداء "شارون"، واحتلوا أراضي وهضاب وأقاموا عليها أكثر من (100) مستوطنة عشوائية، دون قرار من قبل الحكومة، التي كانت تمولها بالسر، وتدخلت الولايات المتحدة، واللجنة الرباعية فتعهدت الحكومات المتعاقبة بإزالتها، لكن إسرائيل تعتمد على المراوغة والمماطلة والنفس الطويل، ولا تفي بتعهداتها، وعلى الرغم من تعهدها بإزالتها فإنها بقيت على حالها، بل جرى توسيعها، وجاء تقرير "ليفي" - مدار المقال- لشرعنتها، وإزالة صفة الاحتلال للأراضي الفلسطينية، وكأن لا وجود لقرارات دولية، ولا وجود لقضية فلسطينية، ولا لصراع عربي-إسرائيلي، ضاربين عرض الحائط بالعالم وبالعرب والمجتمع الدولي، حتى أن إسرائيل أخذت مؤخراً بتسجيل أراضٍ فلسطينية في سجلات الطابو على اسم "دولة إسرائيل".

إن ما يقوم به المستوطنون من اعتداءات على الفلسطينيين ومقدساتهم وأملاكهم، وحربهم القذرة ضد الشعب الفلسطيني، جاء بتشجيع وحماية من حكومتهم، وحماية الجيش وقوات الأمن وبالتوازي مع تهويد ونهب الأرض، وهذا دفع الفلسطينيين بتاريخ 16-10-2012 من قبل لجان المقاومة الشعبية، وعشرات المتضامنين الدوليين، ونشطاء من عناصر السلام الإسرائيلية للتظاهر وإغلاق شارع اللطرون- القدس -غرب رام الله - بأجسادهم، وبسياراتهم، رفعوا الأعلام الفلسطينية، ونادوا بإنهاء الاحتلال، ونجحوا في عرقلة السير لساعات قبل تدخل قوات الأمن الإسرائيلية بتفريقهم، فهذه التظاهرة إشارة إنذار لسلطات الاحتلال والمستوطنين على حد سواء، وإذا كانت أصوات المعارضة الإسرائيلية في معارضتها لتقرير "ليفي" غير مؤثرة، فيبدو أن "نتنياهو" يريد العودة إلى هرم الحكم، على حساب المزيد من تدفيع الفلسطينيين فاتورة انتصاره في هذه الانتخابات، وعودته إلى هرم الحكم من خلال ابتلاعه للأراضي الفلسطينية المحتلة.

التاريخ : 24/10/2012
مقال تحليلي
بقلم: غازي السعدي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت