لازالت زيارة سمو الأمير حمد بن جاسم – امير قطر – والوفد رفيع المستوى الذي رافقه الى قطاع غزة تشكل حدثا هاما على مستوى الأحداث المحلية والإقليمية وأخذت الزيارة أبعادا مختلفة وكثيرة وتفاوتت التقديرات لنتائجها والدوافع الأساسية من ورائها فهناك من رحب بالزيارة ووصفها بالتاريخية وهناك من وقف ضدها مشككا في أسبابها ودوافعها وهناك من رفض إعطاء الزيارة أكثر من حجمها في كونها تأتي في سياق التعهد العربي ومنه دولة قطر في المساعدة بإعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب التي شنها الكيان الإسرائيلي عليه قبل ثلاث سنوت لتأتي هذه الزيارة في السياق الإنساني بدوافع سياسية محددة .
ولكل طرف من الأطراف الثلاثة دوافعه وأسبابه في الحكم على زيارة سمو الأمير القطري ولاشك أن الزيارة في نظر حكومة قطاع غزة وجمهورها بأنها زيارة مهمة جدا ويمكن أن تأخذ صفة " التاريخية " في مدلولها السياسي والمادي والمعنوي وكذلك في التوقيت فهي الزيارة الأولى على هذا المستوى السياسي وأخذت الزيارة الطابع الرسمي من حيث ترتيبات الاستقبال حيث عزف النشيد الوطني الفلسطيني والقطري واستعراض لحرس الشرف وغيرها من الممارسات التي أعطت إيحاءا بأن قطاع غزة أصبح بشكل ما كيان فلسطيني له طابع خاص وتصرف الأخ اسماعيل هنية بشكل رسمي وكأنه يوازي سمو الأمير القطري في المكانة الرسمية وهذا يعني أنه لم يعد " رئيس وزراء " بالمعنى التقليدي بل " رئيس " لكيان غزة ، وقد تكون هذه الزيارة المناسبة الفريدة لإعلان هذه الصورة الجديدة للتعامل مع قطاع غزة ، وغابت أي صورة أو حضور للرئيس محمود عباس ، وهذه الزيارة تاريخية كونها أعلنت بدء مرحلة جديدة لقطاع غزة حيث أصبحت الدعوات أكثر قوة للطلب من القادة والرؤساء للقدوم لزيارة قطاع غزة وأن الطريق أصبحت آمنة ولا حجة لمن يريد ذلك ، وكذلك هذه الزيارة " تاريخية " كونها أعطت مؤشرا بأن قطاع غزة لم يعد منطقة خارج الجغرافية السياسية في المنطقة ولم يعد قطاع غزة معزولا عن محيطه العربي ، وهذه زيارة تاريخية كونها حملت معها حجم من المشاريع الضرورية في حياة ومستقبل قطاع غزة ليخرج من مأساته الحياتية ويصبح قطاع غزة جاهزا عبر بنيته التحتية ليصبح مكانا مهما للحديث عن مستقبله السياسي ، ولذلك ولأسباب أخرى يمكن اعتبار الزيارة لدى فريق مهم على الساحة الفلسطينية بأنها فعلا " تاريخية ".
أما الفريق الذي شكك بأهداف الزيارة فقد ربطها بحالة الانقسام الذي يضرب وحدة الشعب الفلسطيني واعتبر الزيارة دعما لفريق على حساب فريق آخر وأن الزيارة تحمل دافعا لتكريس الانقسام وتعزيزه بل والوصول الى مرحلة انفصال قطاع غزة عن محيطه الفلسطيني ، ورأى هذا الفريق أن الزيارة كان يمكن أن يكون لها الأثر الوطني الكبير لو تمت بعد تحقيق المصالحة وكان في استقبال سمو الأمير الرئيس محمود عباس وعلى يمينه الأخ اسماعيل هنية والقيادة الفلسطينية مجتمعة ، ويرى هذا الفريق أن افتتاح عدة مشاريع إسكانية أو طرق لا تحتاج زيارة على هذا المستوى الرسمي ، وشكك هذا الفريق في التوقيت حيث تستعد القيادة الفلسطينية في رام الله لمعركة في الأمم المتحدة وطلب الاعتراف بعضوية دولة فلسطين حيث ستضعف هذه الزيارة الصورة الفلسطينية والتشكيك في تمثيل الرئيس محمود عباس للشعب الفلسطيني .
أما الفريق الثالث الذي يعتقد بأن الزيارة لن يكون لها كل تلك التبعيات سواء كما يعتقد الفريق الأول أو الفريق الثاني ، كون الزيارة جاءت بأهداف واضحة ومعلنة وحاول سمو الأمير القطري طمأنة كل الأطراف فقد هاتف الرئيس محمود عباس قبل الزيارة وشرح له أسباب رغبته بها ولن تخرج عن سياق التعهد القطري الذي أعلنه في اجتماعات الجامعة العربية لدعم القضية الفلسطينية وإعمار غزة وأنه يعتبر الرئيس محمود عباس رئيسا لكل الشعب الفلسطيني وسيدعو خلال زيارته لتحقيق المصالحة وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في تفاهمات الدوحة بين الرئيس عباس وخالد مشعل ، وأيده الرئيس في ذلك ، ولاشك أن سمو الأمير القطري أراد من هذه الزيارة تحقيق حضور إعلامي مميز عبر خطوة جريئة يقوم بها وهذه أحد صفات السياسة القطرية التي تميزت بالجرأة في التعاطي مع كثير من الملفات العربية المعقدة سواء في اليمن أو لبنان أو العراق أو سوريا أوليبيا وتونس وغيرها ولم تخرج الزيارة عن هذا السياق ، ويرى هذا الفريق أن الزيارة مهمة لقطاع غزة والمستفيد الأكبر منها هم أهل قطاع غزة من حيث حجم المشاريع وأهميتها ، ويرى هذا الفريق أن الأصل ليس في إضاعة الوقت في تفسير نوايا الأمير القطري أو نوايا حكومة غزة ولكن الأصل التفكير في حقيقة المشكلة الأساسية وهو استمرار الانقسام ، ويجب أن نكرس جهدنا في إنقاذ وضعنا وعدم الانتظار دائما على قارعة الطريق وانتظار وتحليل نوايا الآخرين ، السؤال الأهم هو ماذا نريد نحن من أنفسنا ؟ وكيف يمكن قيادة وضعنا الداخلي لقطع الطريق على كل من يرغب باللعب على ساحتنا واستغلال انقسامنا ؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت