انقسم المتابعون من الشعب الفلسطيني لزيارة أمير قطر لغزة بين مؤيد لدرجة وصفها بالزيارة التاريخية العظيمة ومعارض لدرجة وصفها بالمؤامرة الصهيونية الأمريكية، ولكن كي نستطيع أن نحكم عليها بموضوعية، فلنحاسب أنفسنا أولا، فنحن الشعب الفلسطيني أتممنا 5 سنوات من الانقسام الذي لا سبب له سوى الصراع على سلطة تحت الاحتلال، فلا احد يستطيع القول بان قطاع غزة محررا، ودوريات الاحتلال الاسرائيلي الجوية تجول فيه على مدار الساعة وتقوم بكل أعمال الدورية التي كانت راجلة أو محمولة على الجيبات، ماعدا الاعتقال، قد استبدلته بالإعدام المباشر، وباقي مظاهر الاحتلال من إصدار هويات وعملة وسيطرة بحرية وغيره...اما بخصوص الصراع على السلطة، فبغض النظر عن وسائل كل طرف في الصراع، ومدى نزاهتها ولكن في النهاية تصارعنا على السلطة، وتصرفنا كما ورد في الخطة الخامسة من خيارات إسرائيل للسلام بعنوان " انسحاب من غزة من جانب واحد" التي طرحها مركز يافي للدراسات الإستراتيجية في جامعة تل أبيب، والصادرة قبل 23 عاما، حيث تنبأت الخطة بأنه وبعد إتمام الانسحاب الأحادي، جاء فيها حرفيا : "...
ومن الممكن أن تكون الآثار الناتجة داخل القطاع صراعا حادا بشأن السلطة بين وطنيين علمانيين (مدعومين بعناصر م.ت.ف يأتون من الخارج) وبين مسلمين أصوليين، يتمتعون بقدرة اكبر من قوتهم بالضفة الغربية، وأيا تكن النتيجة فان الدويلة في غزة ستلتهب نزاعا مطردا باستمرار مع إسرائيل وستجد السلطات الغزية صعوبة في احتواء العنف الموجه نحو إسرائيل، وفي حين إنها ستكون قلقه بالتأكيد من ردات إسرائيلية انتقامية عنيفة وغير مهتمة لعودة الاحتلال، فمن غير الواضح إلى أي درجة سيرتدع السكان عامة بفعل خطر الأخير، فالأحوال في غزة قد تسوء إلى درجة ان بعض الغزيين قد يستعيد ذكرى الاحتلال الإسرائيلي بشيء من الحنين...". فهل إلى هذه الدرجة تصرفاتنا نحن الشعب الفلسطيني قابلة للدراسة والتوقع بكل تلك البساطة، وكأننا تحت المجهر؟ أو كأننا مخلوقات تتصرف على الفطرة ؟ أم انهم خبرونا ويعلمون تركيبتنا العقلية والثقافية المبنية على حب السلطة والمخترة والزعامة ؟ ام ان إسرائيل من ساهم في صناعة بعض أطراف النزاع بدقة، ولذلك خبرائها يعلمون بدقة ردود أفعالنا في كل موقف ؟ ولكن بعد ما حصل ووقع الانقسام وحاول الأشقاء العرب من السعودية إلى اليمن إلى مصر، وحتى السودان وتركيا وقطر جميعهم حاولوا ان يصلحوا فيما بيننا دون جدوى، ثم حملوا الطرفين مسؤولية الفشل، فالعرب لا ينظرون بالتفاصيل ولا يقولوا ان هذا الطرف وقع وقبل وهذا الطرف لا يريد ويتهرب، بل يقولون بان الفلسطينيون منقسمون ويتصارعون على سلطة تحت الاحتلال فهذا تعريف واقعنا الحالي أمام العالم، والمواطن الفلسطيني أيضا لا يحمل حركة حماس وحدها مسؤولية فشل إنهاء الانقسام كونها ترفض تشغيل لجنة الانتخابات، والتي يعد عملها حقا من أهم حقوق المواطن، ولكن أيضا يحمل الرئيس محمود عباس مسؤولية الفشل كونه فشل في إقناع أو إجبار حماس على الرضوخ لاستحقاق إنهاء الانقسام وهو الانتخابات، وأمام واقعنا المنقسم هذا، هل يبقى لنا متسع بان نلوم من يعاملنا كطرفين ونحن في الواقع طرفين!
فمن كان يعتقد بان حماس نفذت انقلاب على الشرعية الفلسطينية ولذلك ستبقى محشورة في الزاوية وستبقى غزة مركونة على الرف فهو خاطئ، لأن غزة ليست حماس، بل غزة هي جزء أصيل من الشعب الفلسطيني، جزء مناضل صامد يُلهم العرب والمسلمون، فقد نجحت وسائل الأعلام وحركة حماس في تصوير غزة على إنها رمزا للجهاد والصمود، وهي كذلك، ولكن على حساب دماء وآلام الشعب الفلسطيني فيها، كل الشعب، التي هدرت دون أي تقدم للمشروع الوطني الساعي نحو القدس. وقد صور الإعلام الضفة الغربية على إنها رمزا للرخاء والتفريط و(التنسيق الأمني) بالرغم من أنها مركز الصراع والنضال والصمود وهي الخط الأول وجبهة صراع البقاء بيننا وبين إسرائيل، عكس غزة التي يجب أن تكون جبهة الإسناد، ولكن القادة والسياسيون العرب والمسلمون يهمهم ما يدغدغ مشاعر جماهيرهم، فلذلك ستبقى غزة قبلة لمن يبحث عن المجد والبطولة، ما لم تضح الأمور على حقيقتها، فلا يحق لنا أن نلوم من يبحث عن مجد أو عن دور سياسي لغاية في نفسه، ومن يدعم غزة فهذا شأنه وحقه، شاكرين لكل من يدعم دعمه، ولكن من واجبنا أن نعمل على استقطاب مناصرينا ليدعموننا في الخط الأول للصراع، في الضفة الغربية وفي قلبها القدس، فلذلك على قيادة الشعب الفلسطيني، على رئيسنا ابومازن، أن يأتي إلى غزة مستندا على قوته الجماهيرية، التي ستتآكل كلما طال الانقسام، داخلا من معبر بيت حانون بوابة غزة من داخل فلسطين، أن يدخل بمرافقة جماهيريه التي ستحمله على الأكتاف بلا شك، ومن غزة يمارس واجبه ويصدر تعليماته للجنة الانتخابات كي تعيد الحق لأصحابه، ويشكل حكومة إنهاء الانقسام كما تم التفاهم بقطر، وعندما يصدر تعليماته من داخل غزة ومن بين شعبه، لا اعتقد بأنه سيكون هناك قوة أقوى من ذلك تستطيع اعتراض ذلك.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت