وقفة امام واقع اليسار الفلسطيني

بقلم: عباس الجمعة


كان من الطبيعي أن اتحدث عن واقع اليسار في المرحلة الراهنة فجميع القوى والفصائل والأحزاب تحمل بشكل علني أو مستتر، بعدا أيديولوجيا أو فكريا كما تحمل أهدافا سياسية ورؤى وتصورات مجتمعية وثقافية، ومن هنا نرى ان الحديث عن تعزيز وتطوير جبهة اليسار الفلسطيني التي يجب ان تضم كافة القوى والفصائل الديمقراطية الفلسطينية وان لا تبقى محصورة باحزاب وقوى في الحقل السياسي الفلسطيني وجميعها ممثل في مؤسسات منظمة التحريرالفلسطينية باعتبار المنظمة هي الجبهة الوطنية المتحدة والبيت المعنوي والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، والتي من خلالها يجب على الأحزاب اليسارية الفلسطينية الفاعلة في الحقل السياسي الوطني، ان تلعب دورا هاما في توحيد جهودها حيث لم تتعرض للمضايقات والضغوط والقمع الذي عرفته أحزاب اليسار في العديد من دول المنطقة، لذا فان المهمة الرئيسة لكافة الفصائل والقوى والاحزاب الفلسطينية هي مهمة التحرر الوطني، وعلى هذه الارضية يجب أن توحد وتنسق وتوجه نضال الشعب الفلسطيني بمكوناته على ارض فلسطين وفي اماكن اللجوء والشتات والمنافي، وهذا يتطلب من القوى اليسارية والديمقراطية أن تمثل في برامجها ونضالاتها وحدة الشعب في نضاله من أجل التحرير بالإضافة لتمثيلها لمصالح وحقوق الفئات الفقيرة والكادحة في نضالها من أجل المساواة والعدالة الاجتماعية.
ومن هنا لا ننجر لأسلوب الرد على البعض الذي يعتبر ان اليسار تلاشى حرصاً على العلاقات الوطنية الأخوية وعلى طبيعة مرحلة التحرر الوطني التي نعيشها وتتطلب حشد طاقات كل قوى الشعب السياسية والأهلية بعيدا عن الهوية الفكرية والتناقض معها لأن الأولوية هو التناقض مع الاحتلال.
لقد لعبت القوى اليسارية والديمقراطية الفلسطينية دوراً هاماً في مسيرة الكفاح الوطني والاجتماعي الديموقراطي الفلسطيني، وهذا الدور لا يزال مطلوبا، من اجل انجاز الاهداف الوطنية من جهة وتحقيق التغير الاجتماعي الديموقراطي والتقدمي من الجهة الاخرى.
ان وحدة هذه القوى يجب ان يكون لها رؤيتها الفكرية والاجتماعية والسياسية ، باعتبارها تيار يطمح الى التغيير بافق ثوري تقدمي وفق رؤيته هذه فنحن نتمسك به ونثق بالدور الذي يجب ان يضطلع به، وبعبارات موجزة فان نضالنا هو نضال تحرري من أجل تحقيق برنامج التحرر والاستقلال الوطني، وهو نضال اجتماعي منحاز للفئات الفقيرة والشعبية، وهو نضال ضد الفقر والبطالة والاستغلال والاحتكارات ومن أجل تعزيز مكتسباتها وحقوقها وتحقيق العدالة الاجتماعية، وعليه يجب توحيد الفكر الديمقراطي من أجل تطوير التجربة الديمقراطية في فلسطين على اساس التعددية وفصل السلطات وتعزيز سيادة القانون وضمان الحريات ومشاركة الجميع في النظام السياسي على أسس ديمقراطية، وهذا يتطلب توحيد كافة القوى اليسارية، على أساس فكر التنوير والجدل المادي العلمي والمساواة والتقدم وفي مقدمة ذلك دور المرأة .
وفي سياق هذه العملية نحن واثقون من ان الجدل والتجربة واستحقاقات الواقع ستسهم في بلورة معالجات مبتكرة لقضايا الواقع الفلسطيني انطلاقا من مضامين وقيم كافة القوى اليسارية والديمقراطية الهادفه الى تحقيق قيم المساواة والعدالة الاجتماعية والتحرر، وفي هذه العملية هناك مساحة كبيرة كي تنخرط اوساط واسعة في مشروع وحدة هذه القوى ونضالاتها.
أن قضية وحدة اليسار طموح مشروع، إلا أن صيغتها هي التي تتطلب نقاشا بين مختلف القوى من اجل توحيد الجهود ضمن تيار مجتمعي واسع، يكون فيه أكثر من جهة، وبناء استراتيجيات موحدة للعمل السياسي وللنضال السياسي قائمة على القواسم المشتركة وتأجيل القضايا الخلافية.
ولهذا نرى في جبهة التحرير الفلسطينية ان العمل من اجل بناء جبهة يسارية ديمقراطية، على قاعدة (إيديولوجية الطبقة العاملة) تواجهنا صعوبات وعقبات عديدة، حالنا في هذا المجال حال (الأحزاب اليسارية والديمقراطية في منطقتنا) أي أن وحدة هذه القوى تحتاج إلى جهد استثنائي، وتحتاج إلى متابعة ومزيد من الحوارات، واللقاءات والعمل الميداني المشترك.
وعلى هذا الاساس نرى ان هناك علاقات مفتوحة مع كافة الفصائل والقوى وهذا يعزز مفهوم الحوار والجدل وايجاد القواسم المشتركة خاصة في ظل واقع نضال الشعب الفلسطيني المعقد ،ونستطيع القول ان العلاقات الوطنية هي علاقات صريحة وواضحة ، حيث اكدت جبهة التحرير الفلسطينية على اهمية توحيد الجهود بشكل موحد بغض النظر عن الاختلافات الفكرية او السياسية او الاجتماعية.
ولهذا نظرنا ان الخلاف السياسي يصبح قضية ثانوية على طاولة الحوار ،وخاصة ان القضية الفلسطينية لا تزال حاضرا محوريا في القضايا العربية وفي رؤية اليسار في البلدان العربية ،وهو مدعاة لتطوير اليات التنسيق والعمل المشترك بما يحقق الدعم السياسي والشعبي والمادي للشعب الفلسطيني سواء في سعيه من اجل حقوقه الوطنية في التحرر والاستقلال او تجاه قضايا مباشرة ضد الاستيطان والتوسع وضد الهجمة المتصاعدة في القدس او من اجل فك الحصار عن قطاع غزة او غير ذلك من تنظيم حملات التضامن لمقاطعة الكيان الصهيوني ورفض التطبيع واستثمار علاقات اليسار العربي الدولية لتطوير التضامن مع الشعب الفلسطيني ،هذا بالاضافة طبعا الى توثيق علاقات اليسار العربي مع حركة التحرر الفلسطينية .
ان القضية الفلسطينية، القضية المركزية للأمة العربية، تتعرض إلى التصفية في هذه المرحلة أكثر من جميع المراحل السابقة، حيث يتعرض شعبنا لعدوان اجرامي يطال الشجر والحجر والبشر والقهر، والطرد، من قبل كيان عنصري استيطاني إجلائي فاشي صهيوني مدعوم من الولايات المتحدة ، حيث أصبحت سياسة الادارة الامريكية واضحة للجميع وما تمارسه حكومة الاحتلال لا يمكن مواجهته على طاولة التفاوض ، وعلى الرغم من القرار الواضح الذي اتخذنه اللجنة التنفيذية بعدم التفاوض في ظل الاستيطان، رغم ادراكنا الى حجم الضغوط التي تمارس على القيادة الفلسطينية ، ولكن الشعوب تحت الاحتلال تواجه الضغوط، فأكبر ضغط هو الاحتلال، ومن هنا نرى ان النضال الدبلوماسي يشكل ركيزة من ركائز النضال وخاصة حول حشد الراي العام العالمي في الامم المتحدة لقبول دولة فلسطين كعضو مراقب ، كما ان النضال يتطلب وحدة وطنية على أسـس ديمقراطية وببرنامج وإستراتيجية مستندة إلى تحشيد الجماهير وتعبئتها لمقاومة الاحتلال بكافة الوسائل ، حتى تجبره على الانسحاب من الأرض الفلسطينية المحتلة.
ان نضالنا يجب ان ينصب من أجل استعادة وحدتنا الوطنية لأن الانقسام يزيد من أطماع العدو ويضعف إرادة شعبنا، إن الوحدة الوطنية لأي شعب هي عامل رئيسي في مواجهة المحتل وإفشال مخططاته وتحقيق الانتصار.
ان تطبيق اليات اتفاق المصالحة تتطلب اليوم تحريك الشارع الفلسطيني ليشكل اداة ضغط فعلية على من يحاول ان يعرقل المصالحة ، فمواجهة الاحتلال والتحديات الأخرى دون إنهاء الانقسام صعبة جداً ، ان من له مصلحة في تعطيل اتفاق المصالحة يجب ان يتحمل المسؤولية ، فيجب على الشعب الفلسطيني ان يطلق صرخته من اجل إنهاء الانقسام الذي لا يخدم سوى الاحتلال .
وعلينا ان نعي خطورة المرحلة وعواقبها وبذات الوقت يجب ان ندرك أهمية الحفاظ على المشروع الوطني الفلسطيني، من اجل قطع الطريق على مؤامرات سلخ قطاع غزة عن الضفة ألفلسطينية ، وعلى الجميع ان يتفهم بأن الشعب الفلسطيني الذي تمكن بالسابق من أسقط مشاريع القيادات البديلة وروابط القرى فهو جاهز لإفشال أي مؤامرة جديدة تمس وحدانية الأرض والشعب والممثل الشرعي منظمة التحرير الفلسطينية .
ان الراهن على الربيع العربي ليشكل سنداً ورافعة لنا، يبدو أنه في المرحلة الراهنة بعيد، وقد تكون غابت القضية الفلسطينية مؤقتا عن المشهد الإعلامي والسياسي في ربيع التغيرات العربية ، ولهذا نرى تصاعد حالة الضغوط والحصار المالي على الشعب الفلسطيني ،وللاسف بمشاركة عربية يتصاعد ويتوسع،ومن الواضح أن الهدف هو تطويع الشعب الفلسطيني وقيادته،ومحاربته في لقمة عيشه،بهدف الضغط لعودة السلطة الى المفاوضات مقابل استمرار تدفق الدعم الخارجي وصرف رواتب، وهذا بحد ذاته شكل من أشكال محاربة المواطن الفلسطيني ، ونحن ندرك ان اليسار العربي وتجربته الفلسطينية، واهمية تعزيز دوره ليطلع بمهامه التاريخية الوطنية والقومية، وينتصر في تحقيق مهام تحرير العقل، والتحرر الوطني، والاشتراكية بمضمونها الديمقراطي والعدالة الاجتماعية ستشكل ركيزة البحث في المستقبل .
ان نقلة نوعية في تجربة ممكنة موضوعيا، ومن اجل تحويل هذه الإمكانية الموضوعية إلى واقع فعلي، من خلال الاستفادة من الائتلاف الأحزاب القومية واليسارية الأردنية الذي اكدت على انتهاج سياسة وطنية مناهضة للسياسات الأميركية والصهيونية التي تستهدف الأردن وفلسطين والأمة العربية، وتحديد العلاقة مع دول العالم في ضوء مواقفها من قضايانا الوطنية والقومية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ورفض التدخل الأجنبي بكل أشكاله في الشؤون العربية الداخلية، واعتمدت أيضاً مبدأ التصدي لكل المشاريع والبرامج والسيناريوهات الأمريكية الصهيونية التي تسعى إلى خلق الوطن البديل، وتأكيد التمسك بحق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
إن العديد من الدول تسعى جاهدة لاحتواء الحالة الفلسطينية. فعلى المستوى الدولي يجهد لإقرار حل للمسألة الوطنية الفلسطينية يتجاوز أو يتناقض مع الحقوق الوطنية. كما أن العديد من الدول الإقليمية تسعى إلى احتواء الورقة الفلسطينية لإثبات حضورها على المسرح السياسي الإقليمي والدولي، وتحويل الورقة الفلسطينية ذاتها إلى ورقة مساومة .
ولهذا كان موقفنا واضح في جبهة التحرير الفلسطينية اننا نرحب بالدول التي تساند قضية شعبنا وحقوقه الوطنية، ومستعدين لتقديم كل ما يلزم لتطوير وتعميق التحالفات، لكننا بالتأكيد سنحافظ على استقلالية القرار الوطني واستقلالية طروحاتنا، فالمرجعية بالنسبة لنا هي مصالح شعبنا، ودعم حقوقه الوطنية ، وتعزيز العلاقات مع قوى حركة التحرر والديمقراطية والتقدم في المنطقة والعالم.
ختاما : لا بد من القول وإذا كان هناك من جهد يمكن أن يكون مفيداً في هذا المجال ، فهو ينبغي أن يتركز، برأيي على بناء صيغ تنسيق وعمل مشترك بين مكونات كافة القوى اليسارية والديمقراطية الفلسطينية تقوم على المشاركة والتعددية باعتبار ان المرحلة مرحلة تحرر وطني ، ما يتطلب من جهود شاقة وضخمة في المواجهة حتى ننتصر ويتحقق حلم الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة .
عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت