الوجود المأساوي لنقابة العاملين في جامعة الأزهر!!!

بقلم: أيوب عثمان


لا يظنن أحد أنني بمقالي هذا- عنواناً أو متناً- أحاول استنهاض همة نقابة ماتت، بل شبعت موتاً، وإن لم تمهر شهادة موتها! أما ما أحاوله الآن، وسأحاوله بعد الآن أيضاً، إنما هو للتوضيح للإخوة والأخوات العاملين من الأكاديميين والإداريين والخدمات المعاونة.
في مقال لي نشر في 7/10/2012 تحت عنوان: "أما من أحد ينتصر لهذه الجامعة فيغار عليها ويترفق بها"، قلت ما نصه:
"لقد شكونا غير مرة ثم عدنا شكونا وشكونا إلى أن سئمت منا الشكاوى، وغضب علينا المشتكى إليهم والمشتكى عليهم على حد سواء،... شكونا قبل اليوم مرة ومرة ومرات حول أمر بات الخجل يلفعنا حياله ومن تكرار الشكوى بصدده: ألم نشك مراراً وتكراراً من عدم توفر الكرسي والطاولة في قاعة المحاضرة في كثير من الأحيان؟! ألم نقل في سياق هذه الشكوى وتكرارها إن جامعتنا أصبحت جامعة الطاولة والكرسي؟! ألم نشك مرة ومرة ومرات من الكتابات والقذارات على الجدران في قاعات الدرس وفي الحمامات؟! ألم نشك من عبارات قذرة وألفاظ معيبة وأخرى تحط بكرامة الإنسان وتخدش حياءه في قاعات الدرس وفي الحمامات؟! ألم نشك من أبواب قاعات وشبابيك تأبى إلا أن تظل مفتوحة وإن غلقت فإنها لا تفتح؟! ألم نشك من شبابيك وأبواب ومقابض أبواب وكراسي وطاولات خربة؟! ألم نشك من فقدان زجاج فتحات أبواب القاعات الدراسية التي يسبب فقدانها الكثير من الإشكاليات، والتي من بينها دفع بعض الطلاب رؤوسهم ورقابهم عبرها؟! ألم نشك من عدم وجود مراوح في كثير من القاعات؟! ألم نحذر من سقوط شبابيك معلقة على رأس طالب أو أستاذ أو عامل أو زائر فتصبح جامعتنا للقتل موئلاً لا سيما بعد مقتل المحاضر ياسر المدهون والطالب/ خليل الطويل؟! ألم نلفت الانتباه إلى قذارة الشبابيك الزجاجية في جامعة زجاجية كجامعتنا كلها والحمد لله زجاج في زجاج تحول إلى زجاج واجهته قذارة في زجاج تحتوية القذارة؟!
هل جرب رئيس الجامعة وأعضاء مجلسها النظر- ولو مرة- فيما قلناه سابقاً وفيما الآن ندعيه؟! هل جرب رئيس مجلس الأمناء أن يتحقق مما قلناه له سابقا ًوفيما الآن نزعمه؟! هل يقبل رئيس الجامعة أو العمداء بتلك الكراسي والطاولات؟! وهل تتناسب تلك الكراسي والطاولات مع جامعة أخذ مدعو الربوبية عليها على وصفها دوماً- وبالفم المليان- أنها جامعة ولا كل الجامعات؟! هل اطلع رئيس مجلس الأمناء ومعاونوه على قاعات الدرس ليروا فيها ما لا يحبون وعلى مرافق الجامعة ليروا فيها ما تعافه نفوسهم؟! إنني أجزم متحدياً أن أحداً- ومهما بلغت للجامعة حماسته السلبية ودفاعه الجدلي الأجوف وغير المنطقي عنها - سوف يقبل بكرسي الأستاذ وطاولته، أوسيقبل بمقاعد الطلبة وما ارتبط بها من خراب وفوضى وخلل وقذارة... كم سنظل نعاني – طلبة وأساتذة- من سيارات النقل التي تفرغ أحمالها من الحجارة والرمال والإسمنت والحديد والمعدات أثناء الدوام الجامعي والتحصيل العلمي؟! كم من الوقت سننتظر وسنتحمل الدق والخبط والمرزبات والسحج والجلخ والقص وسحب قضبان الحديد والضجيج وإفساد الهواء والمكاره العامة وإقلاق الراحة وتخريب البيئة الصحية والتدريسية؟! أي دراسة هذه التي نؤمنها لطلبتنا؟! إنها حالة لا الطالب فيها يستوعب ولا الأستاذ فيها يعطي! وفوق ذلك، ألا يدرك أرباب الجامعة المستخلفون فيها أن هذا الذي نراه في سياق المصعد من إقلاق للراحة وإفساد للهواء والبيئة و استجلاب للمكاره الصحية إنما هو مخالف لقانون العقوبات الفلسطيني رقم 74/1936 المعمول به حالياً في بلادنا، والذي كان الأجدر بقانونيي جامعتنا الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً، دون جدوى، أن يتنبهوا لهذا وأن ينبهوا له. وعليه، فهل اطلع مجلس الأمناء الذي يراقب الجامعة وأداءها – أو أُطلع من قانونيي جامعتنا- على المواد 102 و105 و199 و200 من قانون العقوبات 74/1936 التي تختص كلها بإفساد الهواء وتلوث البيئة والمكاره العامة والضجيج وإقلاق الراحة ؟!!
ألم تستقبل هذه الجامعة المسكينة عامها الدراسي الجديد وطلبتها وأساتذتها بجبال من الرمال وأكوام الحجارة وأكياس الإسمنت على بوابتها وفي داخلها وقضبان الحديد في مدخلها من أوله إلى آخره؟ أما كان في استطاعة هذه الجامعة التي يتضخم أربابها وهم يتحدثون باسمها أن تنجز هذا الذي تحاول الآن إنجازه ،أثناء الدراسة، أن تنجزه خلال الإجازة الصيفية؟! رب مجيب عن سؤالنا المحرج يقول مكابراً، وما أكثر المكابرين: ما كان ذلك في استطاعة الجامعة لأن الأمر خارج عن إرادتها، ذلك أن الأمر مرهون بممول أو غير ذلك. أما نحن، فرداً مخرساً على ذلك نوجه سؤالاً: أما كان- وأليس الآن – في مكنة الجامعة أن تنجز في غير الدوام الجامعي وفي غير وقت التحصيل العلمي هذا الذي تحاول فعله الآن في وقت الدوام والتحصيل الدراسي؟!
هل رأى رئيس الجامعة وأعضاء مجلسه (العشرون ربما)، وهل رأى رئيس مجلس الأمناء ومرؤوسوه العشرون أيضاً أن تلك الأحواض الجميلة التي صممت معلقة على الجانب الشمالي من القاعات لتزيينها بزهور وورود وجماليات قد تحولت إلى مكبات للنفايات والقاذورات من أعقاب سجائر وعلب وزجاجات؟!"
وفي مقال آخر نشر في 10/10/2012 تحت عنوان: "أتحداه... وأتحداهم"، علقت على القرار القاضي بتشكيل لجنة للتحقيق معي فيما كنت قد أوردت من ملاحظات انتقادية في مقالي السابق والمشار إليه أعلاه، فقلت ما نصه:
"فقبل أن تحققوا مع من أشار إشارة خفيفة إلى عيوبكم وسوءاتكم، وقبل أن تسألوه أو تسائلوه عنها، قوموا ما اعوجّ فيكم واستروا عيوبكم وسوءاتكم وأصلحوا أموركم: نظفوا قاعات درسكم.. أصلحوا أبوابكم ومقابضها وشبابيكم بمساميرها وبراغيها.. أزيلوا من على جدران قاعات الدرس والحمامات ما عليها من كتابات وقذارات وحقارات ودناءات ورذائل وسفالات تحط بكرامة الآدميين الشرفاء وتخدش حياءهم.. احترموا الطلبة ووفروا لهم ما يستحقون، ولو لقاء الرسوم الذي يدفعون.. نظفوا جدران قاعاتهم وحماماتهم مما يؤذي عيونهم ويخدش حياءهم وكبرياءهم، وهم عدة الوطن ومستقبله كما أنتم على الدوام تدعون.. نظفوا سبوراتهم.. احموهم من شبابيك قد تسقط على رؤوس بعضهم فتأتي على حياتهم فتقع الجامعة كلها ضحية مقتل أحدهم.. انجزوا المصعد في غير وقت الدراسة.. أريحوا طلبتكم الذين يتعلمون وأساتذتهم الذين يعلمون من سيارات النقل التي تفرغ أحمالها من الحجارة والإسمنت والرمل والحديد والمعدات.. أريحوهم من الدق والخبط والسجح والجلخ والقص والمرزبات وسحب قضبان الحديد.. أريحوهم من الضجيج وإفساد الهواء وتلويث البيئة.. أريحوهم من المكاره الصحية وإقلاق الراحة وإفساد البيئةالدراسية والصحية.. أمنوا لطلابكم دراسة أفضل ولأساتذتهم قدرة على العطاء أكبر.. أوقفوا- وعلى الفور- أعمال البناء والدق والجلخ والقص والسحب وحولوها في فترة المساء بعد انتهاء الدراسة لتؤمنوا يوماً دراسياً هادئاً لطلبتكم ويوماً دراسياً جيداً لأساتذتهم."

ما أوردناه أعلاه من اقتباسات من المقالين المشار إليهما أعلاه، إنما يشير إلى ملاحظات انتقادية نجملها فيما يأتي:
1. توفير كرسي المحاضر الذي لا يتوفر في معظم الأحيان في قاعة الدرس.
2. إصلاح الأبواب والشبابيك الخربة التي لا تغلق، وإن أغلقت فإنها لا تفتح.
3. توفير المراوح في قاعات الدرس التي لا يوجد فيها مراوح.
4. وقف أعمال البناء والتفريغ والتحميل والدق والقص وسحب قضبان الحديد والمرزبات وقت الدوام وأثناء التدريس وتحويل ذلك كله إلى فترة المساء بعد انتهاء اليوم الدراسي.
5. إيجاد حل لآفة الكتابات القذرة على جدران قاعات الدرس وفي الممرات وفي الحمامات على نحو حاطٍ بالكرامة الآدمية وخادش للحياء الإنساني.

فإذا كان الرد على الملاحظات والنصائح والمطالبات أعلاه هو إحالة صاحبها إلى لجنة تحقيق، بدلاً من النظر إلى تلك الملاحظات والانتقادات بعين الاحترام والتقدير والمعالجة الموضوعية الإيجابية، فأي نقابة للعاملين تلك التي تتواجد في جامعة الأزهر؟! وألا تعلم النقابة أن هذه الملاحظات والانتقادات والنصائح والمطالبات إنما هي أول مسؤولياتها؟! هل فعلت في كل ذلك شيئاً، وماذا تفعل؟! ألم يكن من الأجدر بها أن تتصدى هي لتلك المخازي والسوءات والمعايب؟!

وبعد، فإن على نقابة العاملين ألا تظن أن العاملين يتوقعون منها ما كان وما ينبغي لهم أن يتوقعوا، ذلك أنها أعجز من أن تفعل أي شيء في سبيل الجامعة، وهي التي قطعت على نفسسها عهداً بل عهوداً تحدث عنها رئيس مجلس الأمناء أمام سمع وجمع إلى حد دفعه إلى التباهي بأن "النقابة خلصت وأزلامها انتهوا"، حتى أنه قال لمن كانوا يتوسطون وقت الأزمة بأنه قادر على الحصول من النقابة ذاتها على كل ما يريد، بل وعلى أكثر مما يحققه الوسطاء

وهنا، فإن هناك تساؤلات تطرح نفسها على النقابة وسواها:
1) ألا تشعر النقابة بالعجز والانكسار وهي ترى أحد العاملين يفكر فيما لا تفكر هي فيه، ويحاول فعل ما لا تفعله وما لا تستطيع أن تفعله، بالرغم من أن مثل هذا التفكير ومثل هذا الفعل هو في الأصل من أول أولوياتها وفي صدر واجباتها النقابية ومسؤولياتها.
2) ألا تفهم النقابة أن أعمال البناء والتحميل والتفريغ والدق بالدريلات والمرزبات وسحب قضبان الحديد والقص والجلخ وما يحدثه ذلك من إقلاق وضجيج يتعارض مع العملية التدريسية، فلا الطالب يسمع ويستوعب ويتلقى ولا الأستاذ يَسمَع ويُسمَع ويُسمِع ويعطي؟! كم من الوقت مضى على هذا الفعل المعطل للتدريس والمزعج لنفسية الطالب وأستاذه، دون أن تفعل شيئاً؟! إذا كانت النقابة في مثل هذا لا تفعل شيئاً، فمتى تفعله، وما الذي تفعله، إذن؟!
3) ألا تقهم النقابة أن عليها واجباً ينبغي لها أن تنهض به وهو تلك الأبواب والشبابيك التي لا تغلق وإن أغلقت فإنها لا تقتح؟!
4) ألا تفهم النقابة أن من واجبها ألا تقبل أن يصبح مكباً للنفايات والعلب الفارغة والقاذورات ما كان مخططاً له أن يكون للورود والزهور والرياحين؟!
5) ألا تفهم النقابة أن من أول واجباتها أن تحافظ على العاملين من أكاديميين وإداريين، فتعمل على الارتفاع بمكانتهم؟! وعليه، ألا تفهم النقابة ماذا يعني وجود الكرسي والطاولة للمحاضر أو عدم وجودهما في قاعة درسه ؟! ألا تعرف النقابة لا سيما الأكاديميين من أعضائها حقيقة هذا الأمر: عدم توفر الكرسي أو الطاولة أو هما معاً في معظم الأحيان؟! ألا يعلم أكاديميو النقابة أنه إن توفر الكرسي أو الطاولة، فالكرسي لا يرقى إلى مستوى الاحترام والكرامة للأستاذ الجامعي، فضلاً عن إتلافه لملابسنا مرات عديدة كان واحداً منها في الأيام الأخيرة تمزيق بنطلون الدكتور/ أحمد دحلان! فيما الطاولة تحط من قدسية العلم والتعليم، ذلك أنك إن حركتها يميناً أو يساراً سقط على الأرض سطحها؟!
6) أتحتاج النقابة إلى من يُفهمها مدى الخطورة التي تنتجها الكتابات القذرة على جدران القاعات وفي الممرات وفي الحمامات؟! ألا تدرك النقابة أن مثل هذه العبارات إنما تحط بكرامتها وكرامة أعضائها وكرامة أبنائهم وبناتهم وأقاربهم من الطلبة والطالبات؟! أتحتاج النقابة إلى من يُفهمها أن مثل هذه الحقارات والرذائل على الجدران إنما تخدش حياءهم وحياء أبنائهم وبناتهم؟! كيف تقرأ النقابة من خلال أعضائها عبارات قذرة وتظل صامتة صمت القبور؟! كيف تدعي النقابة انتماءها للجامعة وللعاملين فيها وتدعي المحافظة على المثل العليا والأخلاق والآداب العامة وهي تقرأ عبارات قذراتها لا تُحتمل، دون أن تفعل شيئاً ودون أن تحرك ساكناً؟! ألم ترَ النقابة عبارات قذرة فيما يلي بعض أمثلة منها:
• أعظم فتاة وصلت عنان السماء اصطدم رأسها بحذائي- آسف يا حذائي لقد شبهتك بالنساء (مجنون روما)!
• إلى كل شاب يعتقد أنه عظيماً (!) اعلم أنك برغم عظمتك تحت أقدامي!!
• تخيل البنات بدون مكياج زي كندرتي قبل ما تنمسح. مع تحيات كتائب الراحة والتشمس.
• الدكتور/ .... ابن كلب ... والأستاذ/ .... ابن .... !

أرجو أن أكتفي بهذا لأنني لا أقصد الاستقصاء، وإنما التمثيل لما أدفع به. مثل هذه الأمثلة وما أوردت عن الأبواب والشبابيك والإقلاق والضجيج تؤكد أن إدارة الجامعة غائبة تماماً، الأمر الذي يؤكد تقصير النقابة وتخاذلها في الاطلاع بمسؤولياتها... فأين هي مسؤولياتها ولو من هذا القليل الذي ذكرنا؟!

إذا كان أكاديمي قد قام (وحيداً كعادته) بما كان ينبغي للنقابة أن تقوم به، حيث إدارة الجامعة غائبة ونقابة العملين غائبة هي الأخرى... إذا كان هذا الأكاديمي قد تنبه منطلقاً من شعوره بالانتماء إلى جامعته وطلبته وإلى مجتمعه وإلى وطنه فحمل عن النقابة الغائبة والمغيَّبة عبئاً لم تنهض هي به، فهل تكون النتيجة إحالته إلى لجنة للتحقيق معه في ملاحظات وانتقادات لن تجد خصماً واحداً لا يتفق معه عليها؟!!

أما آخر الكلام، فإن هذا الأكاديمي بانتظار لجنة التحقيق... أما البقية ففيما بعد!!!


بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت