عشية المؤتمر الخامس لحزب الشعب الفلسطيني
( الحزب الشيوعي الفلسطيني ) سابقا
المهنيون ودورهم في المجتمع
هل يمكن لاى مجتمع ،مهما كانت درجة تطوره السياسي والاقتصادي ،مجتمع متخلف أو نام مجتمع واعد أم متطور ،أن يستغني عن فئة كبيرة وشريحة هامة في المجتمع تمتلك جزءا هاما من المعرفة والعلم والخبرات الفنية ،والتقنية العالية في مجال عملها ومهنتها ،كالمهندسين والأطباء والمحامين والمعلمين والصيادلة والمحاسبين والمفكرين والمبدعين والمحاضرين في الجامعات والفنانين والكتاب والصحافيين والجنود والضباط والمثقفين ،والمستخدمين والعاملين في المؤسسات الخاصة والعامة .... الخ ؟؟؟؟ ويساهم جزء منهم في عملية الانتاج وفي البناء التحتي للنظام الاقتصادي ،وآخرون في البناء الفوقي الفلسفي والحقوقي والفكري والفني والديني للنظام السياسي ،وتقديم الخدمات المختلفة للمواطنين. أى حزب سياسي هذا الذي يسعى للسلطة ،ويناضل من أجل تنفيذ برنامجه السياسي يتعاطى مع هذه الشريحة بشكل كمي دون مراعاة لامتلاكهم المعرفة النسبية في شتى العلوم والتخصصات ،والقادرة على التأثير والتغيير في المجتمع دون ادراك لمصالحهم الخاصة ،ودورهم في عجلة التاريخ كقوة فاعلة ،حتى لو كان هذا الحزب هو حزب العمال والبروليتاريا ؟؟؟ ،هل يسمح البعض لنفسه أن يهمل مميزاتهم الابداعية في مجال التخطيط والبحث والإدارة ،ويتعامل معهم دون أخذ مستواهم الفكري ،ومؤهلاتهم الاكاديمية والثقافية والسياسية ؟؟ . هل يمكن تجاهل نظرة المجتمع العشائري والقبلي واحترامهم وتقديس مهنيتهم ؟؟؟ لقد بينت تجارب الشعوب وحركات التحرر الوطنية دورهم كمثقفين ثوريين في النضال الوطني التحرري والطبقي ،وشكل الثوريون منهم طليعة لقيادة الأحزاب السياسية ورواد للفكر التقدمي .
يؤكد علماء الاقتصاد والاجتماع والسياسيون المتنورون انقسام المجتمع الطبقي على ذاته ، طبقات اجتماعية مختلفة لكل منها مصالحها واهتماماتها يجري التعبير عنها بصراعات دموية ،وأخرى سلمية ،وبالأفكار والمفاهيم والنظريات المختلفة . في المجتمع الطبقي تتضح الفوارق الطبقية بين مكونات المجتمع البشري ،فالبنية الطبقية لأي مجتمع هي صورة معقدة ومركبة ،ومع ذلك لا بد من تحديد مكوناته الرئيسة تحليلا ماركسيا ،ففي المجتمع الرأسمالي تتصارع طبقتين اساسيتين هما طبقة البرجوازية التي تمتلك لوحدها وسائل الانتاج والثروة والسلطة ،ووجودها مرهون بطبيعة علاقات الانتاج الرأسمالية ،علاقات استغلال واستبداد واغتصاب لقوة عمل الكادحين وعموم الشغيلة ،والطبقة العاملة التي تضطر لبيع قوة عملها للرأسمالي وتسعى مع حلفائها من الفلاحين والمثقفين الثوريين للقضاء على النظام الرأسمالي وإقامة المجتمع الاشتراكي ،المجتمع الخالي من استغلال الانسان لأخيه الانسان ،وهنا دور الاحزاب الشيوعية والثورية في دفاعها عن الكادحين والمظلومين والفقراء والجماهير المسحوقة والمضطهدة والمستغلة ،وتنظيمها في نقاباتها العمالية والمهنية ،وتوحيد جهودها وطاقاتها ،ورفدها بالعناصر الاكثر وعيا وإدراكا وفهما لطبيعة النظام الرأسمالي الذي يستخدم كل وسائل الارهاب والبوليس والجيش والسجون والدعاية والدين لمنع الثورات الاجتماعية من تحقيق أهدافها وتعطيل حركة التاريخ .
وبالإضافة الى الطبقتين البرجوازية والعمالية نجد ان المجتمع يحتوي على فئة كبيرة من المثقفين والمستخدمين وهذه ليست مالكة لوسائل الانتاج ،ولا منتجة للخيرات المادية ،لهذا لا تشكل طبقة بل فئة أو شريحة اجتماعية تتعامل أساسيا مع العمل الفكري ،فالمستخدمين في مؤسسات الدولة والأجهزة الادارية للشركات والمثقفين العاملين في المجال الفكري كالمهندسين والأطباء والمعلمين ورجال الفكر والأدب والفن وغيرهم ،هم من حيث عملهم يؤلفون وضعا وسطيا بين الطبقات ،ويخدمون أغراض الانتاج والمجتمع وهو ما يطلق عليهم (الطبقة الوسطى ) ،وينقسمون الى ثلاث مجموعات متباينة المواقف والأهداف ،الاولى وضعت نفسها في خدمة النظام السياسي القائم ،وتحولت الى أداة بيده ومدافعة عنه وبوق دعاية له ،ونتيجة لدورها هذا نالت امتيازات ومواقع هامة في الدولة ،والثانية نأت بنفسها عن النظام السياسي والدولة ،واهتمت بمصالحها وشؤونها الخاصة وتجنبت الانخراط في الصراعات الطبقية في المجتمع ،ولم تقحم نفسها لا في الدفاع عن النظام السياسي القائم ولا عن قوى المعارضة ،والمجموعة الثالثة وهم فئة المثقفين الثوريين ،وقفت ضد النظام السياسي الاستبدادي ،وانحازت ودافعت عن مصالح الجماهير والفقراء ،وانخرطت في العمل الثوري،وشاركت في النضال السياسي والاجتماعي والديمقراطي ،وانشأ بعضها الاحزاب الثورية والتقدمية ،والنقابات العمالية والمهنية ،وتبنت الفكر الماركسي وأداته التحليلية المنهج المادي الجدلي ،وقادت النضال الوطني التحرري والطبقي في كل مراحله .
لقد تعمق دورهم القيادي والتنويري في مرحلتي التحرر الوطني ،والاجتماعي الديمقراطي ،وساهمت في قيادة العديد من الاحزاب الثورية والعمالية ،وامتلكت قدرة على تحليل الواقع ووضع الاستراتيجية والتكتيك الثوريين ،ولهذا فعلى الحزب الثوري أن يحتضنهم ولا يشكل أداة طاردة للمثقفين الثوريين وللمهنيين بشكل عام ،وعليه أن يأخذ بعين الاعتبار الاهتمام بواقعهم وطموحاتهم ،وآفاق تطورهم المستقبلي ،ويبحث عن صيغ تنظيمية تجذبهم للعمل في صفوفه تسمح بتطورهم ،ويجيب على سؤال هام لماذا تراجع دور هذا القطاع في المساهمة بتطوير الحزب على الرغم من تاريخهم النضالي في سني شبابهم ،وعزوف بعضهم عن الفعل السياسي ،خصوصا بعد عودتهم من الدراسة وتخرجهم من الجامعات ؟؟؟ وإذا كنا نؤكد أن الوعي الاجتماعي هو انعكاس للواقع الاجتماعي فكيف يجري تفسير هذه الظاهرة المقلقة للحزب .. هل بسبب عدم أخذ مصالحهم بعين الاعتبار عند تخرجهم من الجامعات ؟ هل بسبب تغير واقعهم من فئة الطلاب والشباب الى فئة المهنيين ؟ هل بسبب التعامل معهم ككم دون حساب امتلاكهم للمعرفة ،والتغير في مستوى وعيهم وقدرتهم المهنية والأكاديمية ،وحبسهم ضمن قواعد ونظم وأساليب تعيق انطلاقهم في الفضاء الرحب ،وتعطل حركتهم وإبداعاتهم للحركة الثورية ؟ هل بسبب غياب التواصل معهم اثناء الدراسة ،وتأخر الاتصال بهم بعد تخرجهم ،وعدم فهم درجة تأثرهم بحضارات الشعوب والأمم ونظمها السياسية المختلفة ؟؟ هل بسبب جمود النظام الداخلي الذي يكبلهم ويمنع تطورهم بعد أن تغير واقعهم ؟؟؟ أم أن الصراع والمنافسة تفرض على البعض وضع العراقيل امامهم تحت حجج واهية لضمان بقاء حالهم على حاله.
طلعت الصفدي غزة – فلسطين
الاربعاء 31/10/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت