في وداع الصديق النائب حسام الطويل يا أمه لا تقلعي الدموع من جذورها خلي لنا ببئر القلب دمعتين

بقلم: وليد العوض


صدق شاعرنا الكبير محمود درويش حين قال: يحكون في بلادنا يحكون في شجن عن صاحبي الذي مضى وعاد في كفن،،،،، في اليوم الأول من شهر نوفمبر غيب الموت الأخ والصديق االنائب حسام كمال الطويل بعد صراع صامت مع مرض صارعه حسام بعزيمة الشباب ،، لكنه القدر الذي تمكن منه واختطفه وهو في أوج عطاءه ،، ففي صبيحة الأول من نوفمبر وصلت رسالة على الجوال تتنقل نبأ الرحيل لصديق عزيز عرفت فيه الصدق والوفاء امتدت معرفتي به لأكثر من ستة عشر عاما فمنذ اليوم الذي عدت فيه لأرض الوطن كنت كما يقال غريب بلاد أبحث عن شبكة من الأصدقاء بعد أن فقدت معظمهم فمنهم من فقدته بسبب الاستشهاد في مواقع الكفاح الوطني المختلفة ومنهم من بقي في مخيمات لبنان حيث نشأت وترعرعت،،، في هذه الظروف بدأت رحلة البحث عن صديق وفي بل أسرة حانية يمكن أن تشكل ملاذا لي في بحر الغربة داخل الوطن ،،،،، في أواخر أب من العام 1996 أي بعد شهرين ونصف من عودتي أتصل بي حيث كنت أعمل مديرا عاما لدائرة شئون اللاجئين د اسعد عبد الرحمن عضو اللجنة التنفيذية ورئيس الدائرة وقال لي أبشر سيأتيك موظف اسمه حسام الطويل سترتاح إليه فهو من أسرة مناضلة وطينته من طينك وكان يغمز حينها مشيرا إلى والده المربي التقدمي كمال الطويل وهو من المناضلين التقدميين الذين سجنوا في الحملة على الشيوعيين الفلسطينيين أواسط الخمسينات من القرن الماضي بعد أن حمل الآلة الكاتبة من الأمين العام للحزب الشيوعي الفلسطيني معين بسيسو قادما من العراق ،،، حينها فرحت كثيرا وانفرجت أساريري فسيكون إلى جانبي رفيقا وصديقا يعاونني في إنشاء دائرة شئون اللاجئين ،،، من هنا بدأت العلاقة مع حسام ومنذ لحظة اللقاء الأول وجدتني أمام شاب صافي الذهن يفيض بالحماسة الوطنية يختزن فكرا تقدميا ورثه عن أبيه طموحا، متواضعا، يسعى لتطوير نفسه يستمع للنصيحة بصدر رحب ، قصصت عليه رحلتي منذ مولدتي وحياتي التي عشتها في أزقة المخيمات لاجئا ومقاتلا في صفوف الثورة في لبنان،، أصر على اصطحابي لمنزله بعد يومين من لقاءانا الأول وهناك وجدت والدة حانية ظننت أنني سأنتظر طويلا لأجدها بعد أن ودعت أمي تحت قذائف وصواريخ عناقيد الغضب التي كانت تتساقط على المدنيين في نيسان من العام 1996 ،في ذالك البيت ألغزي المطل على سوق فراس التقيت الوالدة أم حسام ومعها شعرت بدفء الوطن وحنان الأم فهي التي وضعتني في مصاف حسام أبنها منذ اللحظة الأولى واتسعت وتعمقت العلاقة الاجتماعية مع أسرته وشقيقته إيناس وعبير وزوجهما،،، وأصبحت علاقة عائلية متينة الأواصر تربط عائلتينا نتبادل فيها الزيارات الاجتماعية ،، وحسام وأمه يداعبون أولادي وبناتي الذين كانوا أطفالا وغدوا شبابا وصبايا هذه الأيام،،،لم يخلوا يوما طيلة سنوات ثمانية أمضيناها معا في دائرة شئون اللاجئين التي بنيناها دون أن نلتقي كل صباح نحتسي القهوة نناقش الأمور بأدق تفاصيلها نتبادل الرأي بروح أخوية صادقة ،،، كنت أكتب مقالا أسبوعيا في جريدة القدس وللحقيقة فقد كنت ككاتب معجبا بسعة اطلاعه وفصاحته فقلت له اكتب مقالا يا حسام ،، تردد فقلت له اكتبه وسأتولى أمر نشره في جريدة القدس فاتصلت مع الصديق امجد العمري المسئول عن صفحة المقالات لترتيب الأمر وهكذا كان فقد تفجرت موهبة حسام في الكتابة الرزينة الهادفة بفعل نصيحة أمه وتشجيعنا له ،، كنا نناقش معا مقالاتنا قبل النشر نتبادل الرأي ونستمع كل منا لنصيحة الأخر شطبا أو زيادة وفي ذات يوم دق جرس تلفون مكتبي فكان حسام على الخط فقال افتح جريدة القدس على صفحة المقالات أن مقالات اليوم لي ولك ولأسعد عبد الرحمن رئيس الدائرة فضحكت وقلت إلى الأمام ،، وهكذا امتدت العلاقة بيننا في أوقات الدوام الرسمي نلتقي في المكتب وهو يتابع بمسؤولية وأمانة عالية مهمته كمسئول مالي وإداري عرفت فيه الإخلاص والأمانة والتفاني في العمل فكان نظيف اليد طيب القلب عفيف اللسان ذو عقل راجح ميزه بين زملاءه ،،، وفي المساء كنا نلتقي تحت شجيرات الحور في جمعية الشبان المسيحية التي كانت ملتقى كل الوطنيين والتقدميين الفلسطينيين وفي هذه الجمعية تعرفت على العديد من الأصدقاء الذين يعتز المرء بصداقتهم،،
ويوما بعد يوما يتقدم حسام ويكتسب بجدارة مكانته داخل المجتمع كوريث لأبيه ويخرج من أطار العمل المكتبي منطلقا للعمل المجتمعي الأوسع يحنو على كل محتاج يساهم بكل جهد لمعالجة أي مشكلة دون كلل أو ملل يتنقل بعلاقة طيبة مع اللجان الشعبية للاجيئئن ليذلل كل عقبة أدارية تواجههم فيكبر حسام في عيون زملاءه ويحتل مكانا أرحب في سويداء القلوب ،،، وأنا صاحبه ازداد اعتزازا وفخرا به ،،، حين اقترب موعد الانتخابات التشريعية الثانية اتصل بي يستشيرني بالترشح لعضوية المجلس التشريعي فقال لي الوالدة قالت أستشير أبو حسين ،،، لم أتردد بالقول على الفور تقدم وبالتوفيق وسنعمل معا على تذليل كل العقبات بما فيها سحب بعض المرشحين المسيحيين لمصلحته وهكذا كان،، لقد كنت أرى فيه برلمانيا ناجحا لم يسعفه الانقسام لالقيام بالدور الذي نذر نفسه له،،، قبيل الانقسام وحين كانت غيومه تتجمع نظمت عدة جولات الحوار التي قادتها لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية وحيث كان لابد من أن يكون ممثلا عن الطائفة المسيحية فكان حسام حاضرا بفعالية في التوصل لوثيقة الوفاق الوطني التي كان قد صاغ مبادئها العامة الأسرى داخل السجون،، وحين حصل الانقسام ووقع الأسوأ نأى حسام بنفسه عن تداعياته ولم يدفع الفاتورة التي ظن البعض أنه سيدفعها لمن دعمه في الانتخابات ,, وأسر لي قائلا لن أكون إلا نائبا فلسطينيا وليس نائبا لهذه الجهة أو تلك ،،،، وهكذا كان ،،، في خضم الانقسام وتداعياته كنا نلتقي بشكل شبه دائم في مكتبه بقرب السراي وفي منزله وفي القاهرة حيث التقينا مرارا خلال زيارتنا القصيرة نبحث في كل مقترح يمكن أن يسهم في تقريب وجهات النظر فكان الرجل الوطني الحريص على الوحدة ،،، لكن لا حياة لمن تنادي،،،،، في خضم الانشغال سواء في الدائرة أو لاحقا بالعمل البرلماني همس في أذني ذات يوم قائلا انه يعاني من الآلام تشتد يوما بعد آخر وتؤثر على عينه فنصحته بسرعة العلاج لكنه لم يفعل مغلبا العمل على صحته الخاصة ،،،، قبل أقل عام هاتفني متألما وبحشرجة لم أعهدها بصوته حيث أخبرني أنه بحاجة لعملية عاجلة بتكلفة عالية تفوق الستين ألف دولار واعلم انه طرق كل الأبواب الرسمية عارضا أن يكون ذلك كسلفة يسددها من راتبه لكن كما أعلم فلم يستجيب لنداءاته أحد، كما تهرب العديد من القيام بأي دور أيجابي في ذلك،، آه آه ،،، لقد مات حسام صاحبي ،،، فقد بخلوا عليه (بإسا لهم) حتى بسلفة جراحية لإجراء عملية جراحية على مقربة من الدماغ لو أجراها في وقتها ربما اختلف الأمر ،، بخلو عليه وهو ووالده لم يبخلوا بشيء من أجل هذا الوطن ،،،، لكن حسام رحل يحمل معه سجايا حميدة لن يحملوها هم سجابا ومزايا حملها حسام وقلما تجدها في هذا الزمن فوداعا يا صديقي الذي رحلت مبكرا وترجلت عن جوادك بغير قصد وداعا يا صاحبي الذي وجدته في أدق المراحل وفقدته في أصعبها . ولأمه والدتي أم حسام أختم كما بدأت بشاعرنا محمود درويش : يا أمه لا تقلعي الدموع من جذورها خلي ببئر القلب دمعتين،،، فقد يموت في غد صديقه فخلي لنا للميتين في غد لو دمعتين
*عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني

غزة 2-11-2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت