أدخل أبو مازن مصطلحا نضاليا جديدا إلى القاموس النضالي الفلسطيني وهو حق الرؤية. لقد مضى على مصطلح حق العودة زمن طويل، ولا بد من التجديد لكي يبقى الشعب الفلسطيني مواكبا تماما لمسيرة التنازلات المتوافقة مع إرادة إسرائيل والدول الغربية. حق العودة لم يعد صالحا، فقد تجاوزته الأحداث والتطورات التي طرأت على القضية الفلسطينية، وأصبح حق الرؤية مناسبا الآن.
حتى لا يلحق ظلم بعباس، يجب أن نكون واضحين حول إلغاء حق العودة عمليا وقانونيا. تنازل المجلس الوطني الفلسطيني عن حق العودة عام 1988 عندما اعترف بإسرائيل وقرار مجلس الأمن رقم 242. طبعا قرار المجلس غير شرعي لأنه يتناقض مع الميثاق الذي كان معمولا به في ذلك الوقت، ومن المفروض محاكمة أعضاء المجلس الذين صوتوا في مخالفة صريحة لبنود الميثاق. لكن الطاسة ضائعة على الساحة الفلسطينية، وأعضاء المجلس الوطني الفلسطيني لا يختلفون عن أعضاء المجالس التشريعية العربية.
الاعتراف بإسرائيل يعني أن منظمة التحرير وما ينبثق عنها من مجالس وسلطات لا حق لها بالتدخل بالشؤون الداخلية لإسرائيل، ولا تستطيع أن تطلب منها كدولة معترف بها تغيير نسيجها السكاني أو قبول سكان آخرين لا يحق لهم حمل الجنسية وفق القانون الإسرائيلي. لقد أقرت منظمة التحرير بوجود إسرائيل قانونيا، وأقرت بذلك بالقوانين الدولية التي تحفظ حقوقها كعضو في الأمم المتحدة.
أما قرار 242 لا يتجاهل حق العودة فقط وإنما ينفي وجود الشعب الفلسطيني. ينص القرار على ضرورة إقامة اعتراف متبادل وسلام بين دول المنطقة، ولم يذكر منظمة التحرير لا من قريب ولا من بعيد. أما حول اللاجئين، قال القرار إنه يجب حل مشكلة اللاجئين حلا عادلا، دون أن يذكر صراحة اللاجئين الفلسطينيين. ولهذا قالت إسرائيل إن اليهود في الدول العربية لاجئون ويجب أن يعودوا إلى ديارهم وهي إسرائيل. أما العرب في الأرض المقدسة فلاجئون يجب أن يعودوا إلى ديارهم في البلدان العربية.
تجاوز قرار مجلس الأمن القرار رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي هو قرار مائع على أية حال لأنه يطلب من إسرائيل السماح للفلسطينيين بالعودة في أسرع وقت ممكن. هذا الوقت الممكن لم يحن بعد كما نرى.
عباس ليس هو أول من طغى على حق العودة. القيادة الفلسطينية تنازلت عن حق العودة منذ زمن بعيد، وكل ما كان الشعب يسمعه عن التمسك بحق العودة والثوابت ليس إلا مجرد شعارات للاستهلاك المحلي، ولم تكن إسرائيل مرتجفة منها. فضلا عن أن أعمالنا تجاه إسرائيل من تطبيع وتنسيق أمني وارتماء في الأحضان تشكل دليلا صارخا على أننا لا نريد حق عودة. علينا ألا نكذب على أنفسنا.
أما بالنسبة للرؤية، هناك من يقوم برحلات إلى فلسطين المحتلة/48، لكن غالبيتهم الساحقة لا يذهبون لرؤية قراهم أو آثارها، والتعرف على أراضيهم، وإنما يذهبون في الغالب لزيارة المراكز السياحية الصهيونية والتسوق. ولهذا من الضروري أن نطلب من إسرائيل بيعنا صورا وأشرطة مصورة لبيوتنا وقرانا وممتلكاتنا، ونحن سنفكر ماذا سنعمل بها. لكن من المهم أن تبقي على حاناتها ومواخيرها في نتانيا وتل أبيب مفتوحة لكي ينتهك شبيحتنا أعراضهم ويمرغون كرامتهم بالعار.
عبد الستار قاسم
4/تشرين ثاني/2012--
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت