مسامير وأزاهير 308 ... متمسك بـ"صفد" رغم أني لم أزرها!!.

بقلم: سماك العبوشي


كنت قد انزويت لشهرين ونيف، امتنعت خلالها عن كتابة ونشر أي مقال، واكتفيت بتصفح المواقع الإخبارية العربية والعالمية الناطقة بالعربية، أتابع فيها الأحداث دون أن أدلي بدلوي كما اعتدت من قبل، حتى استفزني بالأمس ما تناقلته وكالات الأنباء العالمية من خبر وقع عليّ كالصاعقة حين أقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس - في سابقة خطيرة لم يقدم عليها مسؤول فلسطيني من قبل !!– على تقديم تنازل نادر الحدوث للكيان الصهيوني وذلك عندما تحدث بالانكليزية من رام الله إلى القناة الثانية بالتلفزيون "الإسرائيلي" وأقتبس نص عبارته "لقد زرت صفد مرة من قبل. لكنني أريد أن أرى صفد. من حقي أن أراها .. لا أن أعيش فيها."، فسرت من كثير من المراقبين السياسيين بأنه تخل من الرئيس عباس عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وما زاد من استفزازي كيل الرئيس الصهيوني شيمون بيريز المديح له واصفا إياه بأنه "شريك حقيقي للسلام بالنسبة لإسرائيل" على حد وصفه!!.

لم يقتصر الأمر إلى هذا الحد في حديث الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فالأنكى من هذا كله، ما كان قد صدر على لسانه من طمأنة وتعهد لمغتصبي الأرض والوطن - قطعان يهود- بأن لا انتفاضة فلسطينية ثالثة في الضفة الغربية ستزعجهم وتكدر خواطرهم وتورق منامهم مادام هو في السلطة، علاوة على وصفه لمقاومة شعب فلسطين ورفضه للاحتلال بأنه "إرهاب !!" يمارس من شعب فلسطين ضد الكيان الصهيوني، حيث قال نصاً "لا نريد أن نستخدم الإرهاب. لا نريد أن نستخدم القوة. لا نريد أن نستخدم الأسلحة. نريد أن نستخدم الدبلوماسية. نريد أن نستخدم السياسة. نريد أن نستخدم المفاوضات. نريد أن نستخدم المقاومة السلمية."، مما يعني تحجيم إرادة شعب فلسطين وكبح تطلعه لمواجهة استفزازات قوات الاحتلال الصهيوني، بل وإطلاق يد العدو لتستمر على نهج الصلف والعدوان واستخدام القوة المفرطة ضد أبناء الرباط في فلسطين وما تمارسه من تجريف واستحواذ للأرض الفلسطينية وإقامتها للمستوطنات الصهيونية، متناسيا في الوقت ذاته حق الشعوب المحتلة بالنضال والمقاومة، وأن السياسة والدبلوماسية لا تعيدان حقا مضيعا سليبا، وأن طريق المفاوضات قد ثبت عجزه وفشله!!.

لنقف قليلا لنتمعن في دراسة من إعداد الدكتور فوزي عوض عوض كان قد نشرها موقع حركة فتح / مفوضية الإعلام والثقافة بعنوان (دراسة : قضية اللاجئين الفلسطينيين في فكر حركة فتح) ، وتحديداً منها الفقرة التالية لما لها صلة وثيقة بجوهر مقالنا هذا وأقتبس نصاً: "ولأن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح كانت أول الحركات الوطنية الفلسطينية انطلاقةً بعد نكبة عام 1948م وتستمر فكان لها الدور الريادي في كسر عزلة اللجوء وإخراج اللاجئ من حالة العزلة والهزيمة إلى تبنى العمل الفدائي كطريق لتحقيق حلم العودة للديار التي شردوا منها، ولم تتوقف أهمية دراسة حق العودة من منظور حركة فتح كونها أول حركة فلسطينية فقط بل كان لها أيضاً وزنها النوعي في الحركة الوطنية الفلسطينية وهو الأمر الذي اتضح أكثر فيما بعد ، كما أن أسلوب الكفاح المسلح الذي بشرت فيه حركة فتح ومارسته أصبح الشكل الكفاحي الأساسي المعتمد من قبل فصائل الحركة الفلسطينية وقواها كافة ، ومن ثم معيار جديتها وإخلاصها لهدف التحرير، وجواز مرورها للمشاركة في أجهزة منظمة التحرير الفلسطينية"... انتهى الاقتباس!!.


لقد كانت لحركة فتح ولاشك الدور الريادي في كسر عزلة "اللجوء والتشرد الفلسطيني" وإخراج الفلسطيني من حالة العزلة والهزيمة ووضعه بالتالي على سكة العمل الفدائي لتحقيق حلم العودة إلى الديار السليبة، ولقد أصبح شعار ومبادئ حركة فتح تتمثل بتحرير فلسطين وعودة اللاجئين إلى ديارهم وإزالة الاحتلال الاستيطاني الصهيوني، وإعادة تأكيد الوجود الفلسطيني، والكفاح المسلح، كما وأنها منذ انطلاقتها كحركة تحرير وطني فلسطيني، فإنها قد سعت لوضع قضية اللاجئين في صلب برنامجها ورؤيتها، ولقد شكلت أدبيات ومنطلقات الحركة في بدايات انطلاقتها مزجا كبيرا ما بين العودة والتحرير، فتحرير فلسطين كان يعني تلقائياً عودةً لكل اللاجئين الذين طردوا من بيوتهم وديارهم ومصادر رزقهم!!.



لقد كانت عروبة القدس وعودة اللاجئين من بين القضايا التي بقيت معلقة ولم يتم التطرق إليهما طيلة فترة المفاوضات التي جرت بين قيادة السلطة الفلسطينية والجانب الصهيوني بعد انطلاق قطار أوسلو سيء الصيت ولم يكن موضوع حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم مطروحا للمساومة من قبل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية حتى تسلم الرئيس الفلسطيني أبو مازن بعد رحيل الشهيد المغدور أبي عمار الذي بقي متمسكا فيهما حتى آخر حياته ولم يقبل بالتفريط فيهما ولو لفظاً، فكان أن دفع حياته ثمناً لموقفه ذاك!!، فصار اليوم الحديث عن عروبة القدس وإسلاميتها بعد رحيل الشهيد أبي عمار محض كلام لا وزن له في ظل الحفريات الصهيونية والتغيير الطوبوغرافي والديمغرافي الذي يجري على قدم وساق في الضفة الغربية من خلال إقامة المستوطنات وعمليات الاستملاك وتهجير أبنائها قسرا لتغيير هويتها واجتثاث جذورها – شئنا أم أبينا-، وها هي تباشير التنصل عن حق العودة تلوح في الأفق حين أعلن أكبر مسؤول في فلسطين صراحة أنه يتخلى عن حق العودة!!.

وأتساءل ...
كيف بجرة قلم يتم إلغاء ثوابت وطنية فلسطينية ناضل من أجلها أجيال تعاقبت منذ أربعينات القرن المنصرم تساقط خلالها آلاف الشهداء على مذبح التحرير ونيل الحقوق المغتصبة!؟، ثم كيف يتجاهل امرؤ الحقيقة التي أوصلته إلى ما هو فيه من جاه سلطة!؟، ألم يكن حق العودة إحدى المبادئ التي آمن بها السيد الرئيس الفلسطيني يوم تشرف بانتمائه في خمسينات القرن المنصرم لحركة فتح!؟، ثم أليس "حق العودة" الذي يتنصل الرئيس عباس اليوم عنه كان أحد الأسباب الرئيسية التي جعلته يتبوأ رئاسة قيادة منظمة التحرير الفلسطيني، وقيادة السلطة الوطنية الفلسطينية، وقيادة أقدم حركة تحرير وطني فلسطيني وكان لها الدور الريادي في كسر عزلة اللجوء والتشرد الفلسطيني فصار إنسانا مقاوما رافضا للهزيمة والضياع!!؟، أليس عنق الزجاجة الذي حشر فيه شعب فلسطين قد تأتى حين ارتأت القيادة الفلسطينية الارتكان للسياسة والدبلوماسية وتركت ما كانت قد تبنته وانطلقت من أجله!؟.


ختاما ... أقول للرئيس الفلسطيني محمود عباس: لك الخيار في أن تـُسْتـَشـْهـَد على أرض فلسطين كأبي عمار الذي رفض التفريط بعروبة القدس وحق العودة، أما أن كنت تخشى الشهادة فليس أمامك إلا التنحي، فإن اعتقدت – واهماً – أن بتجاوزك لحق العودة ستقنع تل أبيب وواشنطن على إقامة الدولة الفلسطينية التي طالما حلمت بها وإن كانت مجتزأة، فثق بالله وتالله أنك مهما قدمت من تنازلات لحكومات تل أبيب أو حاولت إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية واستجداء عطفها ودغدغة مشاعرها فإنك لن تحقق لشعب فلسطين جزءً يسيراً من أحلامه كما ولن تستعيد له كرامته التي أحس بطعمها يوما حين كسر عزلة اللجوء والتشرد الفلسطيني فصار إنسانا مقاوما رافضا للهزيمة والضياع، وأخيراً وليس آخراً، إن كنت قد تخليت عن مدينتك "صفد" التي وُلـِدتَ وَترعـْرَعـْتَ ونشأت فيها، فذاك شأنك وحدك فلا تفرضه عنوة وقسرا على غيرك، أما أنا فأعلنها من أرض الشتات العربي بأنني تالله لغير مستعد للتخلي عن "جنين" مسقط رأس والدي وجدي "رحمهما الله"، "جنين" التي ولدا ونشأ وترعرعا في ربوعها، فهي – كباقي مدن فلسطين- في القلب والوجدان رغم أنني لم أزرها إلا لمرتين وأنا طفل صغير وقبل الاحتلال الصهيوني لها عام 1967، يؤازرني في تطلعاتي هذه ويعلنها الغالبية العظمى من شرفاء شعب فلسطين!!.

قال الله تعالى في محكم آياته: " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ"... صدق الله العظيم.

سماك العبوشي
4 / 11 / 2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت