الدولة الفلسطينية وتدخلات الإدارة الأمريكية للحيلولة دون الاعتراف بها

بقلم: لؤي زهير المدهون


الإدارة الأمريكية ومنذ إعلان دولة إسرائيل وقبل الإعلان عنها عمدت على إحباط تنفيذ كافة قرارات الشرعية الدولية فيما يتعلق بقيام الدولة الفلسطينية، وسعت بقوة لقيام دولة إسرائيل والاعتراف بها وقبولها عضوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ففي مذكرة مرسلة من الرئيس الأمريكي هاري ترومان إلى وزير خارجيته مارشال حول الاعتراف بدولة إسرائيل بتاريخ 11/9/1948م أشار فيها على تأييده المستمر لإنشاء دولة مستقلة لليهود في الشرق الأوسط، مؤكدا فيها أن الولايات المتحدة أخذت مركز القيادة في إنشاء هذه الدولة المستقلة، معتقدا في حينه أن ذلك لا بد أن يستمر، مؤكدا أيضا أن تأييدا أمريكيا قويا للدولة الجديدة (إسرائيل) في فلسطين سوف يؤدي إلى تثبيت الأوضاع في الشرق الأوسط، وسوف يساهم في تدعيم السلام العالمي .
من خلال مذكرته هذه طالب الرئيس الأمريكي بتقديم المعونات الاقتصادية والمعنوية لإسرائيل، بالكم الذي كانت تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لدول أوروبا لمجابهة الشيوعية، حتى تاريخ هذه المذكرة كان قد اعترف بالدولة الإسرائيلية 14 دولة وذلك حسب المذكرة تحت تأثير الولايات المتحدة .
بذات المذكرة أبدى الرئيس الأمريكي رغبته بمتابعة كافة الإجراءات المناطة بالاعتراف القانوني بدولة إسرائيل حيث أمر وزير خارجيته بالإجراءات التالية :-
أ‌- تجهيز إعلان الاعتراف القانوني بإسرائيل على الفور .
ب- الترتب لتقديم قرض لإسرائيل فور إتمام الاتفاق على تفاصيله .
ت‌- اتخذ الإجراءات العملية لمساعدة إسرائيل في الحصول على عضوية الأمم المتحدة .
إلا أن الرئيس الأمريكي هاري ترومان كان قد عكف على صياغة إعلان الاعتراف بإسرائيل قانونيا، ولم ينتظر وزير خارجيته لصياغة هذا الاعتراف بل طالب إياه بتقديم المقترحات إذا كانت لديه مقترحات، وإبلاغه بالخطوات العملية التي سيتخذها وزير الخارجية بالنسبة للقرض، وبالنسبة لقبول إسرائيل عضوا في الأمم المتحدة .
وفي رسالة سرية وعاجلة موجهة من قبل "ماكدونالد" السفير الأمريكي في إسرائيل إلى الرئيس الأمريكي هاري ترومان ووزير خارجيته مارشال بتاريخ 4/10/1948م يبدي فيها نصائحه للحيلولة دون تنفيذ قرار التقسيم بعدم ضم منطقة النقب إلى الأراضي العربية بما فيها مدينة المجدل، معللا في حالة ضمها الولايات المتحدة الأمريكية لن تكسب رضاء العرب، لكنها سوف تؤثر على قوة إسرائيل وتجعل منها دولة صغيرة محشورة تشعر بالمرارة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية .
من الواضح أن السياسية الأمريكية في الشرق الأوسط موجهة لخدمة المشروع الصهيوني، فالإدارة الأمريكية وسفرائها لم يدخروا جهدا على مدار عقود طويلة منذ تأسيس دولة إسرائيل على أن تكون إسرائيل هي الدولة الصديق الثابت والأقوى في المنطقة، صديق ينتمي سياسيا وثقافيا للغرب .
فالإدارة الأمريكية لم تكتفي بمساهمتها في تأسيس إسرائيل ودعمها لهذه الدولة لتبقى الأقوى في منطقة الشرق الأوسط، بل ما زالت تلعب دورا كبيرا في إنجاح المشروع الصهيوني عبر تأييدها للمشاريع والمخططات الإسرائيلية العنصرية في مناطق السلطة الفلسطينية الرامية إلى الانقضاض على المشروع الوطني الفلسطيني وحقوقه المشروعة في حقه بالعودة وتقرير المصير بإقامة دولته الفلسطينية كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس الشرقية، إلى جانب الوقوف ضد أي قرار دولي يصدر عن مجلس الأمن يدين إسرائيل من خلال ممارسة حق النقض( الفيتو) ، وبهذا الانحياز أسهمت الولايات المتحدة الأمريكية في انتهاك مرجعية عملية السلام والشرعية الدولية واستبدالها بالوقائع التي يفرضها الاحتلال على الأرض، كما أسهمت في استبعاد وتهميش أية آلية أخرى لتحقيق السلام بما فيها خارطة الطريق التي أقرتها اللجنة الرباعية الدولية، ومبادرة السلام العربية التي اقرها القادة والزعماء العرب في القمة العربية المنعقدة في بيروت.
لقد أثبتت منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية حسن نواياها ومقاصدها، وحبها الصادق للسلام بقبولها كافة قرارات الشرعية الدولية، وتنفيذها الكامل لكافة الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، ولم يعد خافيا على أحد أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استغلوا المفاوضات بكافة مسمياتها من اجل تنفيذ مخطاطات الحركة الصهيونية بالاستيلاء على أراضي الضفة الغربية لفرض وقائع تنسجم مع الرؤية الصهيونية بإقامة الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة؛ مما فرض على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية عدم الاستمرار بالمفاوضات مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي بعد أن أوصلتها إلى طريق مسدود بفعل تنكرها الدائم للحقوق الفلسطينية المشروعة في العودة وتقرير المصير إلى جانب عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة؛ مما دفعها إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة وذلك من خلال توجهها إلى مجلس الأمن بطلب قبول دولة فلسطين عضوا كامل العضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة على حدود الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس الشرقية كون ذلك يسهم في ترسيخ السلام والأمن في المنطقة من خلال حل الدولتين .
كان المتوقع فلسطينيا من اللجنة الرباعية والولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، دعم الموقف الفلسطيني ومطلبه العادل بإصدار مذكرة اعتراف بالدولة الفلسطينية مشابهة تماما لمذكرة الرئيس الأمريكي هاري ترومان بتاريخ 11/9/1948م إلى وزير خارجيته مارشال حول الاعتراف بالدولة الإسرائيلية، ليس أكثر أو أقل، لكن الرد الأمريكي كان موجعا فلم تدخر الإدارة الأمريكية جهدا للحيلولة دون وصول طلب عضوية الدولة إلى مجلس الأمن، فعملت على إجهاض الطلب قبل وصوله إلى مجلس الأمن وهو ما زال أمام لجنة العضوية باستعمال كل أنواع الضغوط على الدول أعضاء مجلس الأمن الدولي، والتهديد والترغيب لإبقاء طلب العضوية محدود التأييد بأقل من تسعة أعضاء في مرحلة ما قبل طرحه على مجلس الأمن لاتخاذ قرار بشأنه.
إن سياسات الإدارة الأمريكية المعادية للمطلب الفلسطيني؛ وإحباطها تمرير الطلب الفلسطيني في مجلس الأمن، لم يثنى منظمة التحرير والرئيس محمود عباس (أبو مازن) من المطالبة بالحقوق الفلسطينية، والمطالبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، فكان الخيار هو التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لرفع مكانة فلسطين إلى دولة غير عضو في الجمعية العامة ( دولة مراقب ) بعد أن تمكنت منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية من تحقيق الانتصار الدبلوماسي الكبير في قبول فلسطين عضو كامل العضوية في منظمة اليونسكو، وإعلان أكثر من 133 دولة الاعتراف بالدولة الفلسطينية كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران، هذه الانتصارات حققت نوعا من القوة لدى القيادة الفلسطينية وأعطت حافزا نحو التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب قبول فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة، رغم الضغوط والتهديدات الأمريكية والإسرائيلية والحصار المالي المفروض على السلطة الفلسطينية .
إن دعم التوجه الفلسطيني من قبل الدول العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز هو أمر جلل وهام ينصب في تدعيم الموقف الفلسطيني والحق الفلسطيني واستمرارية نضاله لنيل الاستقلال التام لتساهم هذه الدولة التي طال انتظارها جنبا إلى جنب مع كافة دول العالم في إحلال الأمن والسلم الدوليين؛ والتقاعس في دعم هذا التوجه أو التخاذل بالتأكيد سيفشل الطلب الفلسطيني وسيكون ذلك بالتأكيد اكبر وأعظم كارثة تحل على الشعب الفلسطيني وستمكن الحكومة الإسرائيلية ومستوطنيها من أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية وستعمل على تهويدهما، وستنفذ سياسة الترانسفير تجاه المواطنين العرب في إسرائيل ومن ثم القدس وبعض مناطق الضفة الغربية .
كما أن شعبنا الفلسطيني مطالب اليوم بإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة والمحافظة على وحدانية التمثيل الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والالتفاف حول الرئيس أبو مازن لمواجهة التهديدات التي تمارس بحق القيادة الفلسطينية، ولتعزيز القرار الفلسطيني في التوجه للأمم المتحدة باعتباره قراراً تاريخيا ومصيريا ليكون لفلسطين مكانا تحت الشمس، قراراً سيمنحنا دولة تتمتع باعتراف دولي على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية، تنهي المزاعم الإسرائيلية التي تقول إن الأرض الفلسطينية هي أرض متنازع عليها، قراراً سيفتح الأبواب على مصراعيها لانضمام فلسطين إلى المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، واستكمال الانضمام إلى اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وهي الاتفاقيات المؤسسة للقانون الإنساني الدولي، وهذا من شأنه تعزيز الوضع القانوني للدولة الفلسطينية باعتبارها من أشخاص القانون الدولي وإظهار فاعليتها كعضو في المجتمع الدولي.
فلتكن فلسطين الدولة 194 في الجمعية العامة للأمم المتحدة دولة تنهي ستة عقود من الصراع وترسخ السلام العادل والشامل في المنطقة.
انتهى ،

بقلم الكاتب المحامي / لؤي زهير المدهون
عضو المكتب السياسي – حزب فدا*
رئيس دائرة الحريات العامة والمجتمع المدني – حزب فدا
5/11/2012م

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت