هل هو خطأ سياسي أم تنازل مجاني ؟؟؟!!

بقلم: طلعت الصفدي


في الصراع الدامي الذي تخوضه حركة التحرر الفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي ،يحاول كل طرف أن يؤثر على الطرف الآخر سياسيا واقتصاديا وأمنيا. وهنا تحاول اسرائيل اعتماد فرض سياسة الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني ،والإمساك بخناق القيادة الفلسطينية لإجبارها التراجع خطوة خطوة عن أهدافها التي من أجلها لا زال الشعب الفلسطيني يقدم الضحايا من الشهداء والمعتقلين والجرحى ،ويتحمل المعاناة وإرهاب الاحتلال والمستوطنين اليومية ،ويدفع ثمن مرارة الغربة خارج الوطن . ان أى تراجع عن الثوابت الوطنية ،واستمرار حالة التشرذم والتفكك والانقسام في محصلته انجاز للطرف الاسرائيلي الذي يجيد استخدام وسائل الإعلام المختلفة والعلاقات العامة والدعاية والحرب النفسية لتشويه الحقائق وتزويرها ،ونشر حالة من الاحباط واليأس بين الجماهير الفلسطينية ،وإجبارها الرضوخ لمتطلبات الحياة المعيشية والعزوف عن العمل السياسي .

صحيح أن المعركة الوطنية تتطلب العمل على كل الجبهات ذات التأثير المباشر وغير المباشر على القضية الفلسطينية ،ولكن دون اعطاء وهم للقوى المعادية بإمكانية التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني. يقول المواطنون أن غلطة الكبير كبيرة ،فهل أخطأ الرئيس ابو مازن سياسيا وانحرف عن قرارات المجلس الوطني الفلسطيني ومؤسساته الشرعية ،المجلس المركزي واللجنة التنفيذية للمنظمة ؟؟ لقد أشاعت تصريحاته غير المبررة للقناة الثانية للتليفزيون الاسرائيلي حالة من القلق والتوتر في أوساط الجمهور الفلسطيني وقواه السياسية ،باعتباره مساسا بأحد ثوابت الاجماع الفلسطيني ،وبحق العودة للاجئين الفلسطينيين الى ديارهم طبقا للقرار 194 مع أن حق العودة فردي وجماعي ووطني وقانوني ،وسلاح قوي بيد الشعب الفلسطيني لا ينتفي بالتقادم ،ومعه باقي قرارات الشرعية الدولية الاخرى التي نطالب المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بما فيها مجلس الأمن لتطبيقها ،وأي تصريح خارج عن هذا الاجماع الفلسطيني من أى مسئول او شخصية اعتبارية يلحق ضررا بوحدة الشعب الفلسطيني ،ويوفر أرضية خصبة للصراعات والنزاعات الداخلية لا مبرر لها.

ان تصريح الرئيس ابو مازن للقناة الثانية للتليفزيون الاسرائيلي ،أولا ليس في زمانه ولا في مكانه ،خصوصا تزامنه مع حلول الذكرى 95 لوعد بلفور المشئوم الذي وعد بإقامة الدولة اليهودية في فلسطين على أنقاض الوجود الفلسطيني على أرضه ،وبثه من خلال وسيلة اعلامية صهيونية غير موثوق بصدقيتها المهنية ،تملك امكانية التشويه والتزوير واقتطاع اية جملة من سياقها ،لتخلق حالة من البلبلة ،والتشكيك وعدم الثقة بالقيادة الفلسطينية ،وثانيا مدينة صفد مسقط رأسه والآلاف من شعبنا هي مدينة عربية وجزء من فلسطين لا يمكن خلعها ومحوها من الذاكرة الفلسطينية ،خصوصا في غياب عودة الحقوق لأصحابها الشرعيين ،ولطالما الصراع مستمرا ،وبدون عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم لن يكون هناك سلام واستقرار في المنطقة ،وفي رأيي الشخصي فان حل هذه المشكلة في المنظور القريب شبه مستحيل وبعيد المنال أمام تعنت الحكومات الاسرائيلية ،ورفضها تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ،ولن يكون الرئيس وجيله وجيلي على قيد الحياة ،فلماذا الاستعجال وإبداء التساهل والمرونة غير المبررة وتقديم رشاوى ...!!!! خصوصا مع ارتفاع وتيرة التهديدات الهائلة التي يتعرض لها الرئيس ابو مازن ،وإذا كان الهدف من التصريح رسالة للتأثير على الجمهور الاسرائيلي قبل الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية يوم 22/1/2013 لصالح قوى السلام الاسرائيلية ،فأن كل استطلاعات الرأي داخل المجتمع الاسرائيلي تؤكد أن الجمهور الاسرائيلي يجنح للتطرف والاستيطان ،مما يسمح بفوز تحالف نيتنياهو – ليبرمان المعادي للشعب الفلسطيني .

وإذا كانت رسالته الثانية ،حث دول العالم للتصويت لدولة فلسطين دولة غير كاملة العضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة ،فإن الدول المترددة تتعرض للضغوط من الولايات المتحدة الامريكية لإجبارها على تبني المواقف الاسرائيلية والأمريكية ،ولم تعد الاخلاق وصحوة الضمير هي معيار التعامل مع الدول ،بل مجموعة المصالح هي التي تحكم سياساتها ،وربما تكون الرسالة الثالثة موجهة الى الجمهور الامريكي قبل الانتخابات في 6/11/2012 لصالح أحد المرشحين فان باراك حسين اوباما مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة الامريكية ،ليس أقل خطرا على القضية الفلسطينية من ميت رومني مرشح الحزب الجمهوري ،فكلاهما متفقان في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية ،ويتعهدان بضمان أمن اسرائيل ووجودها في المنطقة ،وبتقديم كل الدعم لها سياسية وعسكريا واقتصاديا ،على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية ،ويشجعانها على العدوان ويعيقان تطبيق قرارات الشرعية الدولية ،ويمارسان ضغوطا غير محدودة على منظمة التحرير الفلسطينية لإجبارها على سحب طلب العضوية .

لقد غابت الرسالة الاساسية للشعب الفلسطيني ،البالغ أكثر من 11 مليون نسمة في الداخل والخارج ،وأكثر من 6 مليون نسمة من اللاجئين الذين يتطلعون لعودتهم لديارهم التي هجروا منها ،وأنا بالتأكيد أحدهم ،فلماذا الغياب عن الجماهير الفلسطينية وتجاهل المعاناة اليومية لها ،خصوصا أن الحقوق الاجتماعية والديمقراطية ضمانة للحقوق الوطنية. ولماذا السعي لإرهاق الساحة الفلسطينية بالخلافات والصراعات بدلا من البحث عن وسائل وأدوات لإنهاء حالة الانقسام الذي طال ،والعمل على استعادة الوحدة الوطنية ،وتوحيد ،الجبهة الداخلية ورص الصفوف ووضع استراتيجية لمواجهة العدوان على الحقوق الوطنية الفلسطينية وتعزيز صمود البقاء والوجود للشعب الفلسطيني على أرضه ؟؟ .

تعهد الرئيس ابو مازن بأن لا تكون انتفاضة ثالثة ما دام في السلطة ،فهل هو من يضع قوانين الثورات الوطنية والاجتماعية ؟؟ وهل لا يدرك ان تلك القوانين هي موضوعية وليست على هوى البعض ،ألا يكفي الادعاءات السابقة بأن فلانا وفلانا هم من فجروا الانتفاضة الاولى عام 1987، فولعت جباليا وغزة والضفة والخط الأخضر الى هذا الحد وصل الاستهتار بالشعب الفلسطيني وبقواه السياسية ؟؟؟!!! وهل شاور الشعب الفلسطيني أحدا في انتفاضته التي هزت القيادة الفلسطينية في برجها العاجي في لبنان ،وهل بإرادة ذاتية لفلان قد اشتعلت الانتفاضة الثانية عام 2000 ،أليست سياسة المحتل وعدوانه المتواصل على شعبنا وأرضنا وسرقتها وإقامة المستوطنات عليها ،وتهويد القدس وتدمير المقدسات الاسلامية والمسيحية وفقدان الكرامة ... الخ مبررا كافيا لاندلاع المواجهات والثورات والانتفاضات والمظاهرات الاحتجاجية وممارسة كافة اشكال المقاومة... الخ وهل المقاومة الشعبية التي تتراجع ولا يوجد حامل حقيقي لها تشكل الاسلوب الوحيد ،وهل نسي الرئيس ابو مازن بأن المقاومة بكل أشكالها قد أقرتها الشرعية الدولية ضد المحتل بعيدا عن قتل الابرياء والأطفال وفي حدود الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ،وماذا أنتجت الدبلوماسية والمفاوضات حتى الآن سوى النهب والتغول ،وفلتان المستوطنين وجنود الاحتلال ضد شعبنا ؟؟

ومع ذلك ،هل يمكن معالجة خطأ الرئيس بالسب والشتم والتخوين بديلا عن مسائلته عبر أطر منظمة التحرير الفلسطينية الشرعية ؟؟؟ لقد امتلك الجرأة وتراجع عن موقفه الشخصي ،وصرح بأنه لا يتنازل عن حق العودة ولن يفرط به . ان هذا يتطلب من كل القوى الوطنية ومكونات المجتمع المدني تحمل المسؤولية التاريخية والوطنية ،والبدء بتنفيذ اتفاق القاهرة والدوحة ،والسماح للجنة الانتخابات المركزية بتحديث السجل الانتخابي في غزة كمقدمة لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني ،على طريق استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام العار ،وتعزيز صمود الناس ،ووضع استراتيجية سياسية وكفاحية لمواجهة العدوان المتواصل على شعبنا .

طلعت الصفدي غزة – فلسطين
الثلاثاء 6/11/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت