تقصير إعلامي في تناول قضايا القتل العمد والانتحار

غزة – وكالة قدس نت للأنباء
القتل العمد، أو القتل على خلفية الشرف، والانتحار لأسباب قد لا يعرفها إلا المنتحر نفسه، جميعها جرائم يعاقب عليها القانون الفلسطيني ويحرمها الدين الإسلامي بالمطلق، لكنها في الأراضي الفلسطينية لا تصنف بأنها ظاهرة منتشرة بشكل واسع قياسا بالدول العربية المجاورة أو الدول الأوروبية، ويطلق عليها حسب المختصين بالقانون بأنها "مشكلة".

في الجهة المقابلة تقف السلطة الرابعة "الإعلام" مقيدة الأيدي سواء بالضفة الغربية أو قطاع غزة لعدم قدرتها على تناول هذه المشكلة لحجب المعلومات عنها، أو لاختصار الصحفيين تغطيتها من الجانب الإخباري والتقريري فقط، كما يرى الكاتب والصحفي بجريدة "الأيام" الفلسطينية حسن جبر خلال مشاركة في ورشة عمل بعنوان" دور الإعلام في تغطية قضايا القتل العمد والانتحار" والتي أقامها فريق "عيون الحقيقة" التابع لقسم العلاقات العامة والإعلان بالكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، بمقر ائتلاف "أمان" بغزة.

ويرى جبر خلال حديثه على هامش الورشة لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء" سلطان ناصر, أن هذه القضايا من المهم تناولها في الإعلام الفلسطيني لما لها من أهمية في حياتنا اليومية, معبرا عن أسفه الشديد لوجود ضعف من قبل الإعلام بتناول هذا النوع من القضايا.

ويبن أن حالة من الخوف تسيطر على الصحفيين بغزة والضفة تمنعهم من تناول هذه الملفات، موضحا أن معظمهم يقتصرون معالجتهم لهذه القضايا من جانبي الخبر والتقرير ولا يتناولونها عبر التحقيق الصحفي ولا يبحثون في الأسباب العميقة وراء وقوع مثل هذه الجرائم، منوها إلى أن هناك ظروف موضوعية لدى الصحفي تمنعه من تناول هذه القضايا كعدم تعاون الشرطة والجهات المسؤولة عن تقديم المعلومات.

ويقول جبر"اعتقد بانه علينا كصحفيين موجدين في المجتمع الفلسطيني أن نكسر (التابو) أي المحرم أو الممنوع المفروض على هذه القضايا ونتحدث بشكل واسع وموسع وتعزيز دورنا في المجتمع"، رافضا ربط هذه القضايا بالأجندات الحزبية لدى الصحفيين قائلا "من الجريمة أن يزج الصحفيين بالانقسام السياسي ومطلوب أن يأخذوا دورهم المهم بعيدا عن الأجندات لأن هذه القضايا لا تحتمل الانقسام لأنها تهم المجتمع الفلسطيني وانتشار الجريمة هو خطر يداهم المجتمع بشكل كامل لا حزب دون الآخر، وهنا يتوجب على الصحفيين مغادرة الحزبية نحو عمل مهني ووطني".

ودعا جبر المجتمع الفلسطيني إلى التوقف عن دوره السلبي في التعامل مع هذه الظواهر وأن يكون أكثر إيجابية ويتحدث بصورة أكثر وضوحا ويساعد الصحفيين ليتمكنوا من نشر التوعية بخطورة هذه القضايا، مطالبا الحكومتين في الضفة الغربية وقطاع غزة بفتح السجون أمامهم (الصحفيين) لممارسة عملهم بكل أمانة، مشيرا إلى أن تعزيز دور الصحافة يحد من هذه الظواهر التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني.

ويقول المستشار القانوني لإتلاف "أمان" المحامي بكر التركماني لمراسلنا إن " القتل العمد والانتحار لم يصبحوا في غزة والضفة ظاهرة ويمكن تسميتهم بمشكلة لم تصل إلى مرحلة الظاهرة"، لافتا إلى أن الضغط الذي مارسته مؤسسات المجتمع المدني على الصحفيين في تناول قضايا القتل على خلفية الشرف أثمر، ولكن التعامل من قبل الصحفيين بشكل سريع دون التحري إذا كان على خلفية شرف أو مشاجرة أو قضية ميراث قد يوقع بالخطأ.

وأوضح أنه من الضروري أن يكون هناك توعية بشكل أكبر للصحفيين في القضايا القانونية المتعلقة بهذه الجرائم وما هي حدود المعلومات التي يحق لهم الحصول عليها وآليات التحقيق، إضافة لمعرفتهم بالعقوبات التي يحددها القانون اتجاه ذلك، داعيا إلى تعزيز ثقافة التحري لدى الصحفيين للحصول على المعلومة في هذه القضايا، لان الحديث عن موضوع بشكل غير دقيق يؤثر على المجتمع بشكل سلبي ويدفع المختلين عقليا إلى التفكير بالانتحار.

وحول تعامل القضاء الفلسطيني مع هذه القضايا يقول التركماني"حسب قانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936م كل قضية حسب ملابساتها والقتل ليس صنفا واحدا، فهناك قتل عن قصد وغير قصد والخطأ ويتم تصنيفه وفق النشاط الإجرامي الذي يرتكبه الجاني، إضافة إلى النتيجة لإزهاق الروح والعلاقة السببية ما بين الفعل الإجرامي والنتيجة التي تحققت إثر هذا الفعل وبالتالي ينظر في القضايا على حدة وفقا لملابساتها".

ويقول المستشار القانوني لإتلاف "أمان" إن "جرائم القتل بشكل عام يعاقب عليها القانون الفلسطيني وتصل العقوبة في بعض الأحيان إلى الإعدام وهناك عقوبات الحد الأدنى فيها الحبس المؤبد، ولكن فيما يتعلق بجرائم الانتحار حددها القانون بشكل منفصل ولم يصنفها كشروع في القتل، وإنما جريمة متكاملة بحد ذاتها تصل إلى مرحلة القتل، ومحاولة شخص أن يزهق روحه لأسباب خاصة فيه, حدد لها القانون عقوبة من سنتين إلى ثلاث سنوات".

ويوضح أن الأخطر تحريض الشخص على محاولة فعل الانتحار والذي يصل فيه الحكم إذا اكتملت جريمة الانتحار إلى عقوبة الحبس المؤبد لما لهذا الموضوع من أهمية، رابطا الموضوع بالإعلام قائلا "الإعلام لا يحرض المواطنين على الانتحار وخاصة فيما يتعلق بتناول قضايا احراق النفس التي وقعت مؤخرا."

ويشير المحامي التركماني إلى أنه من الضروري أن يدقق الصحفيين في تحريهم للحوادث، موضحا أن تناول الإعلام لقضية أي إنسان يحرق نفسه كتعبير عن رأي معين أو نتيجة حدث وأسباب خاصة فيه قد يشجع الموطنين لارتكاب الجرائم والانتحار، واصفا الإعلام بالمقصر بتعامله مع هذه القضية.

ومن جانبها تقول سالي الترك قائد فريق "عين الحقيقة" إن"اختيارنا لهذا الموضوع وعقد ورشة عمل حوله جاء بناء على أهمية دور الإعلام في مكافحة هذه الظاهرة وأثناء متابعتنا للتغطية الإعلامية لهذه الجرائم، لم نكن نشعر بوجود جانب قانوني فيها يمكننا من معرفة الآليات الصحيحة لمعالجة القضايا بشكل صحيح وسليم".

وتبين الترك أن الهدف الأساسي من وراء الورشة هو تمكين طالبات القسم وفريقها من كيفية استخدام النصوص القانونية التي جاءت فيها التشريعات الفلسطينية فيما يتعلق بالقتل العمد والانتحار، موضحة أنهم لديهم في بداية الأمر معرفة معمقة بالموضوع، وأن الأمر بالنسبة لهم مهم وسيساهم مستقبلا في بناء قدراتهم على تناول هذه الموضوعات وفقا للطرق الصحيحة.