تمر السلطة الوطنية الفلسطينية منذ أكثر من أربع أعوام بأزمة مالية خانقة نتيجة الأزمة المالية العالمية وقلة الدعم الخارجي من الدول المانحة , واشتدت الأزمة المالية في شهر أيلول من عام 2011 وذلك بعد إعلان السلطة الوطنية نيتها بالتوجه إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بعضوية دولة فلسطين للأمم المتحدة , فسارعت إسرائيل إلى عدم تحويل عوائد الضرائب الشهرية التي تجبيها لصالح السلطة والتي تقدر بما يزيد عن 100 مليون دولار , كما أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية المساعدات المالية التي تقدمها للسلطة مما أدي لحدوث أزمة مالية خانقة أثرت على كافة المناحي الاقتصادية و أحدثت إرباك كبير في صرف الرواتب الخاصة بموظفي السلطة في الضفة الغربية و قطاع غزة.
واليوم وبعد إعلان السلطة عن نيتها بالتوجه مرة أخرى إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بعضوية دولة فلسطين للأمم المتحدة "بصفة دولة مراقب" , بدأت التهديدات الإسرائيلية تطلق من جديد تارة بحل السلطة وتارة بوقف تحويل عوائد الضرائب و الجمارك الشهرية و وقف التعاون الاقتصادي , حيث أن إسرائيل تستخدم تلك الأموال لخدمة مصالحها و أجنداتها السياسية فأحيانا تسارع إلى حجز الأموال وأحينا تسارع إلى تحويل الأموال , ومن المتوقع أن تواجه السلطة أزمة مالية خانقة خلال الأشهر القادمة سوف تؤثر على كافة مناحي الحياة الاقتصادية و الاجتماعية.
إن الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها السلطة الوطنية الفلسطينية , هي نتيجة لتراكمات سنين من عدم التخطيط ووضع الاستراتجيات و السياسات الملائمة لوضع السلطة كسلطة ناشئة يجب أن تعتني ببناء المؤسسات وتطوير ونمو الاقتصاد المحلى من خلال مشاريع مستدامة ودعم القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية و تحسين البيئة الاستثمارية و دعم المشاريع الصغيرة و فتح الأسواق العربية أمام المنتجات الفلسطينية , وفتح أسواق العمل العربية أمام العمالة الفلسطينية , لتأهيلها إلى التحول إلى دولة مستقلة تستطيع الاعتماد على ذاتها , فمنذ أن نشأت السلطة الوطنية الفلسطينية وهي تعتمد على المساعدات الخارجية الدولية و العربية في تغطية نفقاتها التشغيلية وسد العجز في الموازنة العامة , ويقدر الاحتياج الخارجي من الدعم 1.3 مليار دولار في عام 2012 , وأدي التراجع في الدعم الخارجي وعدم التزام العديد من الدول المانحة بوعودها المالية إلى أزمة مالية كبيرة , تسببت في تراكم ديون على السلطة الوطنية بمبلغ يزيد عن 1.6 مليار دولار للبنوك المحلية و القطاع الخاص الفلسطيني .
و أثرت الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الوطنية الفلسطينية بالسلب على الوضع الاقتصادي وأدت إلى تراجع في معدلات نمو الاقتصاد و القطاعات الإنتاجية المختلفة في الضفة الغربية و قطاع غزة , نتيجة عدم إيفاء السلطة بالتزاماتها اتجاه الموظفين والموردين , كما أثرت على كافة المشاريع التنموية التي تنفذها السلطة , مما ساهم في ارتفاع معدلات البطالة و الفقر في الضفة الغربية و قطاع غزة , حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل حسب تعريف منظمة العمل الدولية حوالي 232 ألف شخص في الأراضي الفلسطينية خلال الربع الثاني لعام 2012، منهم حوالي 127 ألف في الضفة الغربية وحوالي 105 ألف في قطاع غزة بمعدل 17.1% في الضفة الغربية مقابل 28.4% في قطاع غزة .
كما ساهمت الاتفاقيات التي وقعتها السلطة الوطنية الفلسطينية مع الجانب الإسرائيلي في تحجيم دور السلطة وعدم سيطرتها على المصادر الطبيعية و المعابر الحدودية وربطت الاقتصاد الفلسطيني الناشئ ذات النمو الضعيف بالاقتصاد الإسرائيلي القوي ذات النمو الكبير والذي اعتبره البنك الدولي من ضمن أفضل الاقتصاديات في العالم , مما كان له الأثر الكبير في إضعاف و تدهور الاقتصاد الفلسطيني وحدوث فجوة كبيرة بين مستوى المعيشة لدي الطرفين حيث بلغ الحد الأدنى للأجور في إسرائيل 4300 شيكل شهريا , وهذا يوازي ثلاث أضعاف الحد الأدنى للأجور في المناطق الفلسطينية والذي تم إقراره حديثا وبلغ 1450 شيكل شهريا , وهو أقل من خط الفقر الوطني في فلسطين الذي يبلغ 2293 شيكل شهريا للعام 2011 , كما يوجد فجوة كبيرة بين نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي لدى الطرفين حيث بلغ نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي في إسرائيل 28,930 دولار , بينما يبلغ في المناطق الفلسطينية 1614 دولار , هذا بالرغم من التقارب الكبير في أسعار المواد الاستهلاكية و الأساسية لدى الطرفين.
ونتيجة للأزمة المالية و الغلاء الفاحش و ارتفاع الأسعار بصورة غير طبيعية خاصة الوقود وبعض السلع الأساسية ، ورفع قيمة الضريبة المضافة من 14.5% إلى 15.5% و التي يتحملها المستهلك و الأوضاع الاقتصادية السيئة جدا و عدم وجود أي أفق سياسي , شهدت الضفة الغربية مظاهرات احتجاجية صاخبة في بداية شهر أيلول الماضي على مدى أكثر من أسبوع , وسارعت السلطة لاحتواء الأزمة بإصدار بعض القرارات الخاصة بتخفيض بعض الأسعار و تحديد أسعار بعض السلع الأساسية , وسارعت إسرائيل بتحويل مبلغ 250 مليون شيكل (حوالي 62.5 مليون دولار) إلى السلطة الفلسطينية كدفعة على حساب الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة، هذا بالإضافة إلى السماح لخمسة آلاف عامل جديد من الضفة الغربية للعمل في إسرائيل , وإدخال مبلغ 100 مليون شيكل لقطاع غزة لحل أزمة السيولة النقدية , و إعطاء بعض التسهيلات في دخول بعض المواد لقطاع غزة , كما توجهت الحكومة الإسرائيلية في حينه إلى دول أوروبا طالبة منها إقرار مساعدة مالية طارئة للسلطة تخرجها من أزمتها الاقتصادية الحادة , وهدفت إسرائيل من وراء تلك التسهيلات إلى مساعدة السلطة للخروج من أزمتها الاقتصادية و المالية خوفا من أن تتحول مظاهرات الاحتجاج على الغلاء في الضفة الغربية إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة ضد إسرائيل و خوفا من انهيار السلطة.
كما كان للوضع الاقتصادي والمالي المتدهور للسلطة الأثر البالغ على الاستثمارات المحلية و الأجنبية في الأراضي الفلسطينية , حيث أعلنا سلطة النقد الفلسطينية والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني النتائج الخاصة بمسح الاستثمار الأجنبي للمؤسسات الفلسطينية لعام 2011 , حيث أظهرت النتائج الأولية إلى أن أرصدة الأصول الخارجية المملوكة للمؤسسات الفلسطينية والمستثمرة في الخارج قد بلغت حوالي 5144 مليون دولار أمريكي في نهاية عام 2011، حيث شكل الاستثمار الأجنبي المباشر في الخارج منها حوالي 2.7%، واستثمارات الحافظة في الخارج حوالي 22.3%، والاستثمارات الأخرى في الخارج حوالي 65.3% وأهمها العملة والودائع في البنوك الأجنبية ، والأصول الاحتياطية حوالي 9.7% .
و السؤال المهم هنا و الذي يحتاج إلى إجابة من المسئولين وأصحاب القرار و المطالبين بالاستثمار في فلسطين , كيف لنا أن نشجع و ندعو إلى الاستثمار في فلسطين ونحن نستثمر ما يزيد عن خمسه مليار دولار بالخارج ؟؟؟؟؟؟؟؟.
وأخيرا وبحساب الربح و الخسارة نجد أن السلطة الوطنية الفلسطينية تخسر منذ 18 عام فإلا متى سوف تستمر الخسارة , ألم يحن الوقت لوضع الخطط و الاستراتيجيات و السياسات و الدراسات و إيجاد البدائل الملائمة للاعتماد على الذات والاستغناء عن المنح و المساعدات المشروطة ؟؟؟؟؟؟؟.
د. ماهر تيسير الطباع
مدير العلاقات العامة بالغرفة التجارية الفلسطينية لمحافظات غزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت