في العديد من اللقاءات الإذاعية في السابق أكدت على أنّ " إسرائيل" لن تشن حرب برية أو عملية شاملة في غزة، بما أنّ الأخيرة لم تتخلص بعد من آثار عدوانها على غزة عام 2008 إقليميًا ودوليًا من جهة، وإنّها لَم تعد كالسابق تعتمد على نظرية الحروب الشاملة بما إنّها شهدت تغيرًا في نظريتها الأمنية والعسكرية والسيَّاسيَّة السابقة بإمبراطورية اليهود من النيل إلى الفرات، أو احتلال أراضي والتوسع جغرافيًا، وتخلت عن نظرية" أرض أكثر أمن أكثر" وأصبحت تتبنى مفهوم شارون الذي قدمه له حكماء " إسرائيل" في مؤتمر هرتزليا " أرض أقل أمن أكثر" والتحول في الرأي العام الدولي من دولةٍ مُعتدية إلى مُعتدى عليها، والجنوح للسيطرة السيَّاسيَّة على المنطقة من خلال التخطيط والولايات المتحدة الأمريكية التنفيذ، وهو ما حققته من خلال اتفاقيات كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة، ورسمت حدودها الّتي تريد من خلال انسحابها من جنوب لبنان وغزة، والأهم إنّها تخوض حرب استنزاف مع غزة منذ عام 2000 فهي تُحقق كلّ أهدافها، والثمن هدنة سريعة مع فصائل المقاومة الفلسطينيَّة في غزة، فبنك أهدافها لم يعد يقتصر على القيادات السياسية والعسكرية ونشطاء المقاومة ومقرات الأجهزة الفلسطينية والمؤسسات الحكومية، بل إنّها تستهدف الكل الفلسطيني من الطفل إلى الشيخ من الأرض إلى الحجر. وهذا ليس بالجديد الذي تمارسه " إسرائيل" بل هي سياسة ممنهجة في كلّ اعتداءاتها على غزة ولبنان.
ولكن ماذا حدث بالأمس؟ وما هي الخطوة الّتي لجأت إليها بعملية اغتيال القائد العسكري لكتائب عز الدين القسام أحمد الجعبريِّ؟
من السذاجة أنّ نتعامل مع هذا العدو بحسن النوايا، والاتفاقيات والعهود، وأن نؤمن له، فهو كيان قائم على الاغتصاب والحقد، وتزييف الحقائق والتاريخ، واغتصاب حقوق الآخرين، ومنطق العصابات التي بدأ بها كيانه بالمذابح واقتلاع شعب من أرضه، فلا أمان لهم ولا أمن معهم، فهم لا يكظموا غيظهم وحقدهم، بل يؤجلوا همجيتهم وعدوانيتهم، وهذا ما فعلوه مع غزة في الجولة الأخيرة بعد عملية 10 نوفمبر الّتي تبنتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وما تبعها من حرب إعلامية بين فصائل المقاومة الفلسطينية حول العملية، وحرب الفيديوهات الّتي ابتدعتها جهات أرادت أنّ تتلاعب بمقومات مقاومتنا ومصداقيتها، ولا استبعد أنّ يكون للموساد كذلك بصمات في هذه المعركة الخفية. والّتي تزامنت مع حملة الخداع الصهيونية الّتي هيأت الوضع الفلسطيني بأنها قبلت التهدئة وتعمل لها، وحشد الصحافة والإعلام الصهيوني خلف هذه العملية الخداعية الّتي لا تنطلي سوى علينا نحن السذج، ومقارنة بين الإعلام الفلسطيني الذي تفرغ للتشكيك بعملياته وبمقاومة الفصائل، وحرب الضغط لكسر جماح المقاومين، وبين الإعلام والصحافة الصهيونية نلحظ الفارق الشاسع بين من يعمل لأجل كيانه وبين من يعمل لأجل حزبه ومصالحه فقط. هذه العوامل مجتمعة مهدت لـِ" إسرائيل" ضربتها القاسمة ليس بحق حماس لوحدها بل بحق مقوماتنا ومقاومتنا الفلسطينية، بما أنّ قائد بحجم ومكانة أحمد الجعبري خسارة لشعبنا وليس لحزب، وهي العملية الّتي أراد نتنياهو وأجهزته الاستخباراتية والعسكرية أنّ تضرب هدفين بهدف وهما: الأول: الانتقام من القائد أحمد الجعبري والقائد رائد العطار اللذان ظهرا أمام الرأي العام الإسرائيلي بصفقة تبادل شاليط ومع شاليط في معبّر رفح أثناء عملية التسليم والتسلم، وهي بذلك تقول لشعبها أننا لاحقنا وقتلنا هؤلاء، والثاني هدية للناخب الإسرائيلي قبيل عملية الانتخابات القادمة.
إذن فالعملية الإسرائيلية الأخيرة ليست حربًا أو اعتداءً شامل كما يتصوره البعض، وإنّما جولة من جولات الحرب الاستنزافية الّتي تخوضها " إسرائيل" منذ عام 2000 ضد غزة وأبنائها، في ظّل جنوح فصائلنا الفلسطينية الدائم للتهدية، رغم إنّها تؤمن بحجم ردة الفعل على اغتيال القائد أحمد الجعبري، ولكنها لا تؤمن بقسوة الرد واستمراريته، وردة الفعل الّتي تتعدى حدود التلقائية والغضب على امتداد ثلاثة أيام، هي أيام العزاء بالشهيد.
إذن فليس المطلوب عشوائية الرد، وردة الفعل الغاضبة، بل المطلوب دراسة سلوك ونفسية هذا العدو والتعامل معه بناءً على سلوكه ونفسيته، وأساس هذا التعامل لا بد وأنّ يكون من عمق تجربتنا معه، ولكن هل نتعظ وهل نتعلم؟
سامي الأخرس
15 تشرين ثانٍ نوفمبر 2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت