لأول مرة ـ في تاريخ غزة الحديث ـ يلتف كل الناس حول حماس، حتى أن المعارضة الفلسطينية الشريفة التي اختلفت من قبل مع حركة حماس، قد صارت اليوم حماس، فمن لم يكن حماس بالانتماء قد صار حماس بالولاء، ومن لم يكن حماس بطريقة التفكير والعمل والتدبير، صار اليوم حماس بالسجود لله شكراً لما حققته المقاومة من مفاجأة أذهلت الصديق، وأربكت العدو، حتى أن المتفحص في سلوك الناس في قطاع غزة، والمراقب لتصرفاتهم وردات فعلهم يلاحظ علامات الرضا والارتياح التي ارتسمت على الوجوه، ويسمع على طول الطريق آيات التكبير والشكر، وقد انتقل الشموخ والحماس من رجال حماس إلى كل الناس، ومن المؤكد أنني استثني هنا ما نسبته 5% من الحاقدين الخائبين المشككين اليائسين البائسين الميئوس من انتمائهم للواقع ولأحاسيس الناس في فلسطين.
يتناقل سكان قطاع غزة أخبار المقاومة بفخر، وبمقدار ما تشتعل حرب الصواريخ تنشغل الهواتف بالاتصال، وتبادل الأمل من خلال تحديد مواقع القصف الفلسطيني للمواقع الصهيونية، والعكس، ولا يقف أمر تبادل المعلومات الجديدة على جيل الشباب الذي انغمس في الحماس، بل صار كبار السن من أبناء جيلي، وذو التجارب المريرة في القهر من جيش العدو الذي كان لا يهزم، لقد صار هؤلاء بين مُصدّقٍ وفرحٍ لوصول الصواريخ الفلسطينية إلى تل أبيب والقدس، ومستوطنة بيت إيل في الضفة الغربية، وبين مستغربٍ من هذه القدرة الفلسطينية، وهو يتساءل: متى؟ ومن أين لحماس هذه القوة؟ وكيف تسنى لرجال المقاومة تحقيق كل ذلك؟
إن الاجماع الفلسطيني الذي يتحقق على الأرض، وإن هذا الالتفاف المكثف حول المقاومة المسلحة ليفرض على القيادة الفلسطينية في قطاع غزة بألا تفسد فرح الناس، وألا تكسر الأمل لديهم بتغيير قواعد التعامل الميداني مع العدو، وألا توافق المقاومة على التهدئة مع العدو دون تحقيق ما تتطلع إليه الجماهير، وأولها: فك الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة بالكامل، وفتح المعابر، مع السماح بدخول وخروج البضائع من وإلى قطاع غزة بلا قيود.
ثانياً: أن تكون التهدئة الفلسطينية مقابل التهدئة الصهيونية، دون الالتزام بأي شروط لهذه التهدئة، فأي تهدئة طويلة الأمد ومشروطة، هي قيد في معصم المقاومة، ونحن أصحاب حق في فلسطين، وقضيتنا السياسية لا تقتصر على تحسين شروط الحياة الإنسانية في قطاع غزة.
ثالثاً: أن تكون التهدئة ملزمة العدو الصهيوني، الذي أجاز لنفسه حرية تصفية أي مواطن فلسطيني لمجرد إشباع الرغبة لديه في القتل.
رابعاً: التأكيد على حق المقاومة في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية الثابتة، مع اشتراط عدم تعرض العدو لحركة الناس على الشريط الحدودي مع العدو الصهيوني.
خامساً: لتكن التهدئة فترة استراحة للمقاومين، وفترة إعداد وتطوير لقدراتهم القتالية والتدرب استعداداً لجولة مواجهة قادمة.
قد يقول البعض: هذه شروط المنتصرين، والعدو الإسرائيلي لا يعترف بعجزه في تدمير كل من يتحرك على أرض غزة، وهذا كلام صحيح من الناحية النظرية، ولكن صواريخ المقاومة التي استطاعت أن تشوش الحياة في تل أبيب، وأن تجعل شوارعها خاوية لفترة من الزمن، هذه المقاومة قادرة على فرض شروطها، ولاسيما أن الحقائق الجديدة التي فرضها الربيع العربي، والتي تعزز المقاومة الفلسطينية، لتؤكد أن يد العدو الصهيوني ما عادت مطلقة، ليمارس لذة القتل دون ردة فعل عربية، قد تقلب موازين الوجود الصهيوني من أساسه رأساً على عقب.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت