الحرب البرية و التهدئة

بقلم: أشرف أبوندا


يثير التهديد الإسرائيلي بالحرب البرية مخاوف جميع الاطراف على إختلاف مخاوفهم السياسية و الأمنية ، مما دفعهم الى التحرك بكثافة، دول الربيع العربي و من يساندها على وجه التحديد مصر و قطر و تركيا تلعب دور المساند و الناصح للمقاومة و حركة حماس في غزة ، و ذلك على اختلاف الدور السابق في الحرب السابقة عام 2008/2009 كدور وسيط و ضعيف ، و إن كان هذا الدور لم يستطع منع العدوان و التصدي له. لقد قابل هذا الدور المساند للمقاومة و حماس ، الدور الامريكي و الغربي المساند لإسرائيل ، و كما زارت وفود عربية رسمية غزة للمساندة و التضامن زارت وفود غربية و امريكية اسرائيل للمساندة و التضامن معها. يبدي الجميع حرصة على وقف اطلاق النار و عدم شن اسرائيل عملية برية على غزة ، المقاومة و من يساند المقاومة من الدول يريد انهاء الحرب بما يحقق أهداف المقاومة و خاصة رفع الحصار السياسي و الاقتصادي ، ووقف العدوان على غزة ، في حين اسرائيل و من يساندها تريد وقف اطلاق الصواريخ بشكل نهائي و لفترة طويلة و منع تسلح المقاومة من جديد و أن تكون مصر الإخوان هى الضامن لذلك و ليس حماس و الفصائل الفلسطينية. اسرائيل تسعى إلى تحقيق أهدافها سواء بالسياسة مع مصر أو بالحرب البرية ضد حماس و المقاومة ، و تفضل العمل السياسي و الدبلوماسي على الحرب البرية، لأنها تحقق من وراء ذلك قيام مصر الاخوان باستمرار لعب الدور المصري التقليدي حسب اتفاقية كامب ديفيد و يضاف عليه ضبط حركة حماس و المقاومة في غزة، و لا تمانع عندها اسرائيل من تخفيف الحصار بل و ربما رفعه عن غزة ، أما المقاومة و حركة حماس لن توافق على الشروط الاسرائيلية سياسيا و لن تستجيب لأي ضغوط و إن جاءت من مصر الإخوان و من قطر المال لأن موافقتها تعني نهاية مشروعها المقاوم ، و لن يقبل الشارع الفلسطيني في حالة استجابة حماس للضغوط عليها أي تخريجة سياسية أو دينية يمكن أن تقال له ، و لن يصدق عندها المواطن الفلسطيني ما سيقوله إعلام المقاومة بأن المقاومة خرجت منتصرة كونها ما زالت مستمرة في حكم غزة و ما زالت تملك السلاح ، لأن الشعب الفلسطيني يعرف تماما و منذ بدء الإنقسام بأن اسرائيل تريد بقاء و إستمرار الانقسام ، و بقاء حماس في غزة و فتح و المنظمة في الضفة مع ابقاء الطرفين ضعيفين سياسيا و عسكريا و يعملان على عدم المساس بأمن إسرائيل .
اذا كانت اسرائيل التي بدأت الحرب في هذا التوقيت و تعرف ماذا تريد منها و لم تسطع الى هذه اللحظة من تحقيق أهدافها سواء الأمنية مع حماس أو السياسية مع مصر الثورة. و إذا كانت حماس و المقاومة ما زالت متمسكة بشروطها و مستعدة للصمود و المقاومة ، و إذا كانت مصر غير مستعدة أن تكون الضامن السياسي و أن تلعب دور الشرطي الامني على غزة ، في هذه الحالة السياسية و الأمنية هل يمكن الوصول إلى حلول وسطية تحقق للجميع أهدافه بالحد الأدنى ، أعتقد أنه من الصعب ايجاد تسوية سياسية ترضى جميع الأطراف و لو بالحد الأدنى ، لأن الحد الأدنى لاسرائيل هو وقف إطلاق الصواريخ و المقاومة كليا و لفترة طويلة ، و الحد الأدنى لحماس هو رفع الحصار السياسي و الاقتصادي بشكل نهائي ، إن المقايضة بين هذين الهدفين مرفوض فلسطينيا. لأن الفلسطينين لم يقاوموا و يخوضوا حروب و يستشهد منهم الألوف من أجل رفع الحصار عن حماس و غزة ، لأن أهل غزة تتعايش مع الحصار و لن يقبل أن تتجزأ القضية الفلسطينية إلى قضية الحصار على غزة و قضية الاستيطان في الضفة و قضية التهويد في القدس . إن معركتنا في غزة ضد الاحتلال ، والآن تعم المواجهات ضد الاحتلال كل مدن و قرى فلسطين ، و أي تسوية يجب أن تتطرق الى كل القضية و ليس لجزء منها. و من هنا على المنظمة و رئيسها أن ينخرط إلى جانب حماس و المقاومة في المعركة ضد الاحتلال و أن ينخرط في التسوية السياسية، و من هنا من الضروري في هذا الوقت تفعيل الإطار المؤقت و أن يتولى إدارة المعركة سياسيا مع اسرائيل.
إن إسرائيل أقرب للحرب البرية منها إلى التسوية أو التهدئة السياسية مع حماس و المقاومة ، و على مصر و الدول العربية أن تتحمل مسئولياتها في الدفاع عن المقاومة الفلسطينية ، لأن إسرائيل لن تحقق أهدافها بالحد الأدنى عبر المحادثات السياسية الجارية في مصر. إن التوقعات بالوصول الى تهدئة سياسية غير واقعي و إن هذه الحرب هى أقرب لإحدى سيناروهين :
السيناريو الأول وهو انهاء الحرب بشكل تدريجي مع اعلان كل طرف انه منتصر كما حصل في الحرب السابقة عام 2008/2009 ، و بهذه الحالة تكون اسرائيل خسرت الحرب و بالفعل انتصرت المقاومة على الرغم من عدم رفع الحصار ، لكن تكون المقاومة أثبتت قدرتها في ردع الإحتلال.
السيناريو الأخر و هو أن يعاد سيناريو حرب 1982 مع اختلافات طفيفة ، بأن تقوم اسرائيل بإجتياح غزة بهدف القضاء على المقاومة و إخضاعها الى الشروط الاسرائيلية و من ثم الانسحاب. ان قدرة اسرائيل على فرض هذا السيناريو يتوقف على قدرات المقاومة و صمودها ، و اعتقد أن الصمود على أرضنا الفلسطينية لن تثنيه القوة الاسرائيلية ، وإن لم تستطع الدول العربية القيام بدور فعال و رادع لإسرائيل.

بقلم : أشرف أبوندا
أستاذ علم الإجتماع

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت