غزة بين المواجهة والهدنه

بقلم: عباس الجمعة


ان ما يجري في غزة يتطلب وقفة جادة ، وخاصة امام العدوان الاجرامي الاسرائيلي واهدافه ، ان كل ما نسمعه من العرب من مواقف تعطيك الامل ولكن لم ارى فيها التطبيق ولست متفائلا بها ، لاقول ان السكوت على الجريمة لا يمكن لاي انسان ان يتحملها ، وانا من يشك بان القرارات العربية غير قابلة للتنفيذ ، فغزة محاصرة منذ سنوات ، والكل ينتظر فك الحصار عنها ، وعلى النظام الجديد في مصر ان يقدم على خطوة فتح هذا المعبر حتى يتمكن شعبنا بغزة من التنقل بحرية .
وامام ذلك ان ما يتم الحديث عنه من اجل تهدئة طويلة الامد ، لا بد ان نشير هنا هل ستكون هذه التهدئة وفق توافق فصائلي اما مع طرف واحد ، علما ان كافة فصائل المقاومة هي شريك عملي بالتصدي للعدوان الصهيوني ، وهل هي مقدمة لمشروع ما يزيد من حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية الجغرافي والسياسي ، واذا كان فعلا ، فهذا سيزيد من المأساة الفلسطينية وعلى كافة الصعد .
أسئلة كثيرة برسم تلك الهدنة ، فالمشهد قاس وضاغط وقادر على تحوير المفاهيم الثابتة في ذهن الشعب الفلسطيني ، ويبدو أن ما يتم ترتيبه هو الأخطر فهو استبدال الهدنات الصغيرة غير المباشرة بهدنة كبيرة بإشراف رسمي عربي ودولي ، وهناك دول هي من تقود هذه الترتيبات وقد صاغوها مع قيادات في حركة حماس ، اي هدنة تمتد لعشرين عاماً وهو ما يعني وقف المقاومة ومن ثم إدانتها، والرد على اية قوة مقاومة من قبل سلطة غزة ، ويهذا التعهد يتم فك الحصار ولكن عن غزة المسالمة وليس المقاومة، وهذه المقدمة التي ارساها حمد في زيارته لغزة تمهيداً لخطوط الغاز.
إن العدوان الإسرائيلي الذي يجتاح القطاع لإرهاب الشعب الفلسطيني ومقاومته لم يستطع أن يكسر إرادتهم، فمن نذر نفسه لوطنه مثلما يفعل شعبنا شأنه شأن كافة شعوب العالم الحرة، لا يأبه كثيراً بالدبابات والطائرات وإنما يمضي لقضيته العادلة التي اقرتها المواثيق وقرارات الشرعية الدولية .
إن إرادة الشعب الفلسطيني التي توحدت في مواجهة العدوان، يجب ان تتوحد لاستعادة الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام ولدعم بطولات شعبنا وتضحياته في غزة والضفة والقدس ، ولوضع الخطط الكفيلة لردع العدو الصهيوني وثنيه عن تحقيق أهدافه الغاشمة والعنصرية لانه لا يقيم وزنا أو اعتبارا لتلك المتغيرات السياسية في المنطقة، وكذلك محاولة لافشال التحرك الفلسطيني اتجاه الأمم المتحدة بهدف الحصول على العضوية لدولة فلسطين كدولة غير عضو، ونحن على ثقة بأن إرادة الشعب الفلسطيني ستنتصر لا محالة وسيتحقق حلمه في الحرية والاستقلال والعودة .
لقد تجرعنا خلال سنوات الصراع مع هذا العدو العنصري دروساً وعبر، أهمها انه لا يقيم وزناً للقانون الدولي ولشرعة حقوق الانسان، وليس معنياً بما يسمى بالرأي العام، ولا يلتفت مطلقاً لبيانات التنديد والاستنكار والشجب، ومن هنا، فلن يتوقف عن تنفيذ خططه ومخططاته الارهابية، في الضفة الفلسطينية والقدس وغزة ، وهو بعدوانه يريد ايقاع عدد كبير من الخسائر بالابرياء ارضاء للمتطرفين الصهاينة، ولكسب اصواتهم في الانتخابات القادمة للكنيست ، والتي يعتبرها المتابعون للشأن الاسرائيلي، السبب والدافع الاول لهذا العدوان الفاشي على قطاع غزة .
ان مجمل الاحداث الخطيرة تفرض على العرب وقفة مراجعة صادقة بعد ان استغل العدو ما يسمى “عملية السلام والمفاوضات” لتكريس الامر الواقع، فصادر اكثر من 60% من مساحة الضفة الفلسطينية و86% من مساحة القدس، وها هو يحاول انجاز تهويدها واعلانها العاصمة اليهودية لاسرائيل في موعد اقصاه 2020 ضارباً بعرض الحائط كافة القوانين والشرائع الدولية التي تحظر اجراء أي تغيير ديمغرافي أو جغرافي في الاراضي المحتلة.
ان العدو الصهيوني يقوم بتنفيذ حرب ابادة ضد الشعب الفلسطيني، وهذا يتطلب من الدول العربية ان تكون بمستوى مسؤولياتها وان تدعم القيادة الفلسطينية بتوجهها الى الامم المتحدة وتتخذ قرارات فاعلة وجريئة تتجاوز المواقف المتخاذلة السابقة تسهم بلجم العدوان وتعيد القضية الفلسطينية الى مكانها الصحيح وتدعم صموده بكافة الامكانيات المعنوية والمالية ويعيد الصراع الى كونه عربيا صهيونيا وان يكون تحرير الارض الفلسطينية هو الهدف الرئيسي .
فالادارة الأميركية، ومعها الإتحاد الأوروبي الذين اتخذوا مواقف داعمة للكيان الصهيوني يؤكد على سياسة الكيل بميكيالين من اجل بلوغ الأهداف المرسومة للمنطقة باعتبار القضية الفلسطينية هي قضية الصراع الاولى والمطلوب انهاء هذه القضية ، وهذا لم يتحقق الا من خلال الهاء الشعوب بمشاكلها الداخلية ،وتقسيم المنطقة لتفتيتها الى دويلات طائفية ومذهبية ولترسيخ دور الولايات المتحدة كزعيمة للعالم .
ولهذا رأينا ان انظمة ما يسمى الربيع العربي هبت باتجاه غزة من اجل التحرك للوصول الى هدنة طويلة ، تفرض فيها الولايات المتحدة ما تريده حكومة الاحتلال ، مع ارضاء الوكلاء الحصريين الذين لهم دورهم لقطف ثمار هذه التهدئة وتجميد المقاومة المسلحة من قطاع غزة في حال توقف العدو عن هجماته ومجازره للشعب الفلسطيني واغتيالاته المنهجية .
في الحقيقة أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات في ظل التعاطي العربي الرسمي مع الإرهاب الصهيوني، وما يثير الريبة والشك ليس في الموقف العربي الرسمي فقط، بل والشعبي، من خلال المفارقات الغريبة والعجيبة على الأرض
على أي حال، في ضوء المشهد الراهن، يبدو أننا نعيش في مأزق وصل الى درجة لم يعد ممكناً معها الاستمرار في إدارة الأزمة وفق معطيات ومفاهيم ، وهذا يتطلب ترسيخ أسس الصمود والمقاومة في مواجهة المخطط الصهيوني/ الأمريكي ضد شعبنا ومستقبله .
وفي ظل هذه الظروف نؤكد ان الطريق الوحيد الممكن من قبل جميع الوان الطيف السياسي الفلسطيني ، هو العمل من اجل استعادة الوحدة الوطنية كشرط ومدخل حقيقي نحو استمرار النضال الوطني من خلال تعزيز دور المقاومة الشعبية بكافة اشكالها وتحقيق أهداف شعبنا في تقرير المصير والاستقلال والعودة .
وهنا لا بد ان انوه بالتحركات الشعبية في فلسطين ولبنان وحتى على مستوى الشعوب العربية والعالمية ، واقول ان دماء اطفال ونساء وشيوخ غزة ستلاحق مرتكبي العدوان وستلاحق كل الذين يدعمون هذا الكيان السرطاني وأعطوا الضوء الاخضر والدعم والمساندة لهذا العدوان الذين سقطوا مجددا في اختبار المصداقية ليتضح ان شعبنا وامتنا رغم كل السلبيات في موقع اخلاقي متقدم مقارنة باولئك الذين اشبعونا حديثا قادة ومؤسسات وفروع تبشير بالديمقراطية في وحقوق الانسان.
ختاما : لا بد من القول ونحن نرى الدم النازف ان الواجب يقتضي من كل مواطن عربي وحر في العالم ان يؤكد موقفه التضامني مع الشعب الفلسطيني بمواجهة العدوان ، وان ارادة شعبنا لن تهزم بل ستصمد وتصمد، حتى ينال هذا الشعب المعطاء فجر حرية القادم.
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت