العدوان على غزة وانتخابات الكنيست

بقلم: غازي السعدي

من ثمار التحالف، الذي تم قبل أسابيع معدودة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" ووزير خارجيته "افيغدور ليبرمان"، العدوان الإسرائيلي الشرس على قطاع غزة، وما يسببه هذا العدوان من قتل ودمار لمواطني القطاع، ففي المؤتمر الصحفي المشترك بين "نتنياهو"و "ليبرمان" -عند الإعلان عن هذا التحالف- نبه ليبرمان بأن هذا التحالف وحده القادر على مواجهة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية- بينها الملف الإيراني- وقد صدق من قال واعتبر بأن الحكومة القادمة ستكون حكومة حرب، فنحن لا نستطيع القول بأن تقديم موعد الانتخابات، وخوضها في قائمة مشتركة بين "الليكود" و"إسرائيل بيتنا" سببه الحرب على إيران فقط، أو أن هذه الوحدة ستساعد على انتزاع المزيد من أصوات الناخبين، وعدد مقاعد أكثر للقائمة الموحدة، أو لتعزيز قدرة الحكومة في الحكم وفي اتخاذ القرار مع أن جميع هذه الافتراضات قائمة، وأن العدوان على غزة له صلة وثيقة بالانتخابات للكنيست، ولعرقلة التوجه الفلسطيني لعضوية الأمم المتحدة، إلا أن استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي أظهرت بأن هذا التحالف قد يأتي بنتائج عكسية، ويقلص عدد نواب الحزبين، وهذا مغاير لتوقعات "نتنياهو" الذي تصور بأن الاندماج بين الحزبين سيؤدي إلى حشد أصوات القوميين المتشددين للقائمة الموحدة، لتعزيز قبضته على الكنيست وعلى الحكومة، إذ أن مصوتي "الليكود" من الأقل تطرفاً، لن يصوتوا لهذا التحالف، خاصة وأن هناك تسريبات عن توصل "نتنياهو" و "ليبرمان" إلى اتفاق سري حول مناوبة بينهما على رئاسة الحكومة تنص على أن يتولى "ليبرمان" في السنة الرابعة والأخيرة من دورة الكنيست الـ (19) رئاسة الحكومة وتخلي "نتنياهو" عن رئاستها، أما بنود الاتفاق الأخرى المبرمة بينهما فلم يُكشف عنها على الرغم من مطالبة قيادات ليكودية بذلك.
"نتنياهو" يعتبر أن هذا التحالف فرصة سانحة له للفوز بولاية أخرى لرئاسة الحكومة، رغم تدني شعبيته، وهو محظوظ لعدم وجود منافس بارز له من الأحزاب الأخرى، رغم وجود مداولات عن تشكيل قائمة للأحزاب الوسطية واليسارية بزعامة "أيهود اولمرت"- رئيس الوزراء السابق- وهذا أكثر ما يخشاه "نتنياهو"، فإن للمشهد السياسي الإسرائيلي، والحياة الحزبية نموذجين: الأول- جبهة سياسية حزبية متماسكة يجسدها الاتحاد بين حزبي "الليكود" و"إسرائيل بيتنا"، وتأييد الأحزاب الصغيرة الأكثر يمينية وتشدداً، إضافة للأحزاب الدينية في تشكيل الحكومة القادمة لهذا التحالف، أما الجبهة الثانية- فهي تتمثل في أحزاب الوسط واليسار، بينهم "كاديما"، و"العمل"، و"المستقبل"، و"ميرتس"، والأحزاب العربية، لكن هذه جبهة سياسية متآكلة وغير مستقرة في تركيبتها، وفي برنامجها السياسي، والحقيقة لا وجود لفوارق سياسية جوهرية بين الأحزاب الإسرائيلية ، باستثناء حزب "ميرتس"، فمن يتابع المعركة الانتخابية الإسرائيلية التي ستجري بتاريخ "22-1-2013"، يرى أن التنافس بين الأحزاب ليس على البرامج والمبادئ، بل على المصالح الشخصية والمكاسب والوصول إلى مقاعد في الكنيست، فنحن نرى أن النواب ينتقلون من حزب لآخر، ليضمنوا لأنفسهم مقعداً في الكنيست، وأن الساحة الحزبية الإسرائيلية، تعيد صياغة معادلات جديدة في التركيبة الحزبية، لتعزيز أوراق "نتنياهو"، تكون سماتها التطرف والعنصرية والفاشية التي تنادي بها الأحزاب الإسرائيلية اليمينية، وهي فرصة لاستغلالها عربياً، لكن وللأسف، فإننا لا نُحسن استغلالها، ولا جديد في إسرائيل في أعقاب الانتخابات، باستثناء كشف المزيد من الوجه الحقيقي "للديمقراطية" الإسرائيلية المزيفة.
لقد ناهض "نتنياهو" اتفاق اوسلو، ووصفه بكارثة قومية رغم هزالته، كما ناهض "نتنياهو" خطوة "شارون" للانفصال عن قطاع غزة، أدى ذلك إلى انشقاق في حزب "الليكود"، وهو لا يعترف بأن الأراضي الفلسطينية هي أراضٍ محتلة، ولا حتى متنازع عليها، بل أنها جزء من أرض الشعب اليهودي، وللحفاظ على إسرائيل دولة لليهود، رغم إعلانه الشهير في جامعة بار ايلان عن حل الدولتين، وما الوحدة بينه وبين "ليبرمان"، إلا لمزيد من العدوان، والمزيد من نهب الأراضي الفلسطينية والاستيطان، والعمل على طرد المزيد من الفلسطينيين للخارج، والفرق بين "نتنياهو" و"ليبرمان" بأن "نتنياهو" لم يقل ذلك صراحة، بينما أن حليفه "ليبرمان" يجاهر به وينادي علناً وعلى رؤوس الأشهاد بسياسة "الترانسفير" وهذا هو المضمون السياسي لهذا التحالف، والأهداف المشتركة بينهما، وفقاً للمشروع الأساسي الذي نادى به رئيس الحركة الصهيونية "حاييم وايزمان"، منذ الثلاثينات، بأنه يريد أن يجعل من فلسطين بلداً يهودياً، بمقدار ما أن انجلترا إنجليزية، وفرنسا فرنسية، وهذا لم يكن قابلاً للتحقيق، إلا بتهجير يهود العالم إلى فلسطين، وطرد من تم طرده من أصحاب الوطن إلى الخارج، وزرعها بالمستوطنات، فموضوع السلام وتسوية الصراع وحل القضية الفلسطينية ليس وارداً على جدول أعمالهما، وأن تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات على أساس برنامج الحزبين المؤتلفين، لن يحل أزمات إسرائيل لا السياسية، ولا الأمنية، ولا الاقتصادية.
إن إسرائيل لم تتعلم من تجاربها، في عدوانها المتكرر على الفلسطينيين، وخاصة حرب ما أطلقت عليه بعملية "الرصاص المصبوب" نهاية عام 2008 وبداية 2009 على قطاع غزة، التي اعتبرته انتصاراً، وأن لا صواريخ تطلق على إسرائيل بعد أن حققت هذه العملية أهدافها، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا العدوان الآن الذي أطلقوا عليه "عمود السحاب" فإسرائيل التي تقوم بين الحين والآخر، بتصفيات في وضح النهار، لكوادر المقاومة في القطاع، من خلال عمليات جوية، وتحت ذرائع واهية، فإنها تخرق تفاهمات التهدئة، وعندما تقوم المقاومة الفلسطينية بالرد، فإن هذا الرد تعتبره انتهاكاً وتجاوزاً للتهدئة، وتأخذ منه ذريعة لمواصلة عدوانها فهي تريد تهدئة من جانب واحد، وهي لا تتحمل الرد على عمليات التصفية والاغتيالات، وبتقديرنا فإن العدوان الحالي سيتواصل حتى حصول مؤشرات تمكن "نتنياهو"، من الإعلان عن تحقيق أهداف العدوان، ليستغل هذا "الانتصار" المزعوم في معركته الانتخابية، ولكي لا يتعرض هو وحزبه وقائمته الموحدة إلى حملة عليه وعلى حكومته، إذا فشلت العمليات العسكرية التي لم ولن تؤدي إلى استقرار الوضع في إسرائيل، وأن هذا الفيلم المتكرر لن يحقق أمن إسرائيل، ما لم يتحقق أمن الفلسطينيين ويستردوا حقوقهم المشروعة، وهذا يتطلب من المقاومة الفلسطينية إطالة فترة التصدي لهذا العدوان لاستنزاف العدو، لأن النفس الإسرائيلي محدود، ويشل الحياة بأشكالها المختلفة في إسرائيل، فبعض الأحزاب المعارضة تقول بأن "نتنياهو" سيورطنا، ويثير الرعب في أنفسنا ويريد جر إسرائيل إلى ربيع نووي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض ثقة الجمهور الإسرائيلي بالأحزاب وبالكنيست وبالحكومة حسب "معاريف 15-11-2012".
إن الولايات المتحدة، والدول الغربية تضغط على الفلسطينيين لوقف إطلاق الصواريخ بدلاً من الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها وغاراتها الجوية، مما يتطلب حملة إعلامية جادة، بإصدار بيان مفصل بالتاريخ والحدث لعمليات التصفيات التي نفذتها إسرائيل في القطاع، والتي أدت إلى خرقها لاتفاقات التهدئة، واضطرار المقاومة للرد عليها، إن الصورة في الغرب تحمل المقاومة الفلسطينية المسؤولية بالتصعيد، وإطلاق الصواريخ، وذلك يتطلب القيام بحملة إعلامية موضوعية سريعة مقنعة في الساحة الدولية لتبيان الحقائق، ورفض البيان الأميركي بإعطاء الحق لإسرائيل بالدفاع عن نفسها، بل أنها معتدية وهي تدافع عن احتلالها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت