مساحة من التفاؤل

بقلم: أسامه الفرا

حواديت ...
مساحة من التفاؤل
انتهى العدوان الإسرائيلي على غزة بتهدئة برعاية وإشراف الشقيقة مصر، ورغم الألم الكبير الذي خلفه هذا العدوان جراء القتل الذي طال الأطفال والشيوخ والنساء، وتدمير المنازل على قاطنيها، وحالة الرعب التي حاولت آلة الحرب الإسرائيلية بثها في نفوس سكان قطاع غزة من خلال استهداف المدنيين، إلا أنه يمكن لنا القول أن العدوان على غزة خلق جملة من الوقائع الايجابية، حيث استطاعت الفصائل الفلسطينية المختلفة منذ اليوم الأول للعدوان تشكيل غرفة عمليات للتنسيق بين القوى المقاتلة على الأرض، وثانياً أن المقاومة استطاعت أن تصل بضرباتها إلى عمق التجمعات السكانية المهمة للعدو، الذي أحدث حالة من الإرباك في صفوفه، ومعها باتت جبهته الداخلية مترنحة، وثالثاً أن العدوان أسهم في تغييب الخلافات الحزبية وعادت للمجتمع الفلسطيني حالة التكاتف والتعاضد التي غابت عنه خلال سنوات الانقسام، ورابعاً أن نصرة الضفة الغربية لما يتعرض له القطاع لم تتأخر وجاءت بشكل واسع إلى أن وصلت في اليوم الأخير للعدوان إلى قلب تل أبيب، وخامساً أن الحراك العربي وإن تأخر إلى ما بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب إلا أن الحضور الرسمي العربي لغزة حمل من معاني التضامن الرسمي ما كنا نفتقده في السابق، كل ذلك أسهم في ترسيخ صور الصمود الأسطوري لسكان قطاع غزة.
اليوم وبعد التوصل إلى تهدئة برعاية مصرية، وبغض النظر عن تفاصيلها ومدى التزام العدو بها، فمن المؤكد أنها أوقفت شلالاً من الدم الفلسطيني، وتدمير المزيد من المنازل والبنية التحتية، وفي الوقت ذاته سجلت انتصاراً للمقاومة لا يمكن التقليل من شأنه، وفتحت في الوقت ذاته أفاقاً جديدة لإنهاء الانقسام من خلال الحراك الوحدوي الذي فرضه العدوان الصهيوني على الكل الفلسطيني، لست مع من يقول بأن التهدئة دفعت بغزة في اتجاه مصر، وأن ذلك يباعد بين غزة والضفة ويكرس الانقسام، بل المنطق يقول أن هنالك جملة من الأسس إذا ما تم الاستفادة منها والبناء عليها يمكن لنا أن نتقدم سريعاً نحو إنهاء الانقسام وإعادة اللحمة من جديد للشعب الفلسطيني، فالشعب الفلسطيني في شتى أماكن تواجده خلال العدوان على غزة كان ينظر بعين نحو إنهاء العدوان وبالعين الأخرى نحو إنهاء الانقسام، وبالتالي بات علينا جميعا أن نتخذ خطوات متقدمة تترجم هذه الرغبة الشعبية على أرض الواقع، سواء تعلق ذلك بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين وإعادة فتح المؤسسات التي تم إغلاقها، وهذا لا يحتاج إلى جلسات حوار ونقاش بقدر ما هو بحاجة لقرار، وصولاً إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها كافة القوى الفلسطينية.
نحن اليوم على أعتاب معركة جديدة داخل أروقة الأمم المتحدة، وأعتقد أن القيادة الفلسطينية تذهب اليوم إلى الجمعية العامة للمطالبة بالاعتراف بدولة فلسطين كمراقب فيها، وهي تتسلح بدعم كل الفصائل الفلسطينية بما فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ولا بد لنا من التوقف أمام أمرين، الأول ما جاء على لسان العديد من قيادات حركة حماس وبخاصة السيد موسى أبو مرزوق حين أكد على أن من ضمن الأهداف الغير معلنة للعدوان الإسرائيلي على غزة دفع القيادة الفلسطينية للتراجع عن الذهاب إلى الأمم المتحدة، وكم كان رائعاً حين طالب القيادة بالمضي قدماً نحو الأمم المتحدة، واليوم جاء هذا التأكيد أيضاً من السيد إسماعيل هنية، وأعتقد أن الرئيس "أبو مازن" كان بحاجة ماسة لمثل هذا الموقف، يضاف إلى ذلك موقف حركة الجهاد الإسلامي المؤيدة لذلك، والأمر الثاني أن السيد الرئيس عبر عن إصرار شعبه بالتوجه للأمم المتحدة في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ضارباً بعرض الحائط كل الضغوط الأمريكية التي حملتها هيلاري كلينتون في زيارتها الأخيرة للضفة الغربية.
بعد الأمم المتحدة مباشرة علينا أن العمل الجاد لطي صفحة الانقسام والخروج بحكومة وحدة وطنية، ولسنا بحاجة اليوم للتوافق حول الانتخابات الرئاسية والتشريعية ضمن مقدمات المصالحة، بل نحن بحاجة للتوافق على برنامج سياسي موحد نواجه به التحديات المفروضة علينا، ويمكن لنا بعد ترسيخ المصالحة وإعادة بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية أن نتفق لاحقاً على الانتخابات، ما يجدر قوله أننا نمتلك اليوم مساحة من التفاؤل يجب أن نستغلها دون أن نسمح لكلمة هنا أو هناك أن تعطل وحدتنا، والمؤكد أن المساحة ستتسع ببعض الخطوات العملية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت