وانتهى القتال في جنوب فلسطين ، وتوقفت الأعمال العدائية بين الطرفين كما قيل ، ولا عداء بعد اليوم بين الصهاينة المحتلين أرضنا الفلسطينية منذ عام 1948 وبين الشعب العربي الفلسطيني المحتلة أرضه من قبل الغزاة الصهاينة ، وهذا الكلام ليس كلاماً للتجني على أحد ، فنص الاتفاق الذي تمت رعايته من المصرين والأمريكان ، لم ينص على وقف إطلاق النار ، وإنما أكد تأكيداً واضحاً لا لبس فيه على وقف كل الأعمال العدائية بين الطرفين ، وهنا يكمن جوهر الاتفاق ، وقف الأعمال العدائية ، الذي يعني إنهاء حالة العداء بين الطرفين أو بين الجانبين أو بين المتقاتلين أو بين المتصارعين ، فلا اعتداء فلسطيني على الطرف الصهيوني ، ولا اعتداء صهيوني على الطرف الفلسطيني ، إنها المعادلة والمساواة بين طرفين لا مساواة أصلاً بينهما ، فكيف يساوي اتفاق الأعمال العدائية مساواة مطلقة بين الطرفين ، إلا إذا تم إنهاء الصراع التاريخي الصهيوني – العربي ، وأقرّ كل طرف بحق الوجود للطرف الآخر حيث هو موجود ، اتفاق أنهى ثمانية أيام من القتل والتدمير في أرضنا الفلسطينية ، كما أنهى ثمانية أيام من الرعب داخل المجتمع الصهيوني الاستيطاني ، فهل انتصرنا وانهزم عدونا ، أم انتصر عدونا وانهزمنا ، سؤال يضع العاطفة والعقل في مواجهة الواقع ، فهل من جواب صريح على هذا السؤال .
لم يكن ما حدث في جنوب فلسطين على أرض قطاع غزة هو عدوان جديد ، وإنما الذي حدث هو تصعيد عسكري على شعبنا في جنوب فلسطين ، والحديث عن أنّ الذي حدث هو عدوان جديد على شعبنا هو حديث لا صحة له ، فاعتقد جازماً أنّه منافٍ للحقيقة وللواقع ، فالعدوان على شعبنا ليس جديداً ، لأنّ العدوان على شعبنا ابتدأ منذ المؤتمر الصهيوني الأول في أواخر القرن التاسع عشر ، أي منذ نحو مائة وخمسة عشر عاماً ، ولم يتوقف لحظة واحدة ، هو عدوان سياسي فكري عسكري ثقافي إعلامي تاريخي جغرافي استيطاني ، عدوان صهيوني طويل استخدم كل الأسلحة ضدنا ، وإذا كان الأبرز والمباشر في هذا العدوان الطويل المستمر علينا هو أداة الحرب والقتال والاشتباك المسلح بين الجانبين في بعض الأحيان ، فإنّ هذا لا يبرر لنا في حال توقف القتال الميداني وتوقف قصفنا بالطائرات إن نوافق من جانبنا كفلسطينيين على توقف ما سمي خطأً بالأعمال العدائية من جانبنا ، لأننا تاريخياً وجغرافياً لسنا الجانب المعتدي على الجانب الآخر ، فنحن الجانب المعتدى عليه ، والجانب الصهيوني هو المعتدي علينا ، وفي الحقيقة أننا كشعب فلسطيني لا نمارس العدوان على الوجود الصهيوني فوق أرضنا ، وإنما نحن نقاوم الاحتلال الصهيوني لأرضنا وهذا حق من حقوقنا كشعب احتلت واغتصبت أرضه من جانب معتدين قدموا من أصقاع الأرض لينجزوا المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني خدمة للأهداف الاستعمارية العالمية ، فلماذا يخضع البعض منا اليوم للابتزاز الأمريكي الصهيوني ، فهل مصلحة الفصيل الواحد ( حماس ) أو الفصيلين ( حماس والجهاد ) تقتضي ذلك ، وهي أكبر بالتالي من مصلحة الوطن بكل أرضه وكل شعبه ، فالمتمسك بحقه التاريخي والشرعي الديني لا يجوز له بأي حال من الأحوال إخضاع مصلحة الوطن لمصلحته الفصائلية أياً كانت هذه المصلحة الفصائلية ، وهذا الاتفاق على وقف الأعمال العدائية بين الجانبين أوجد مصطلحاً جديداً في قاموس نضالنا الفلسطيني وهو مصطلح الأعمال العدائية ، وأفسح مجالاً واسعاً لقوى البغي والشّر في العالم أن تضعنا دائماً في موقع المعتدي على من يحتل أرضنا .
ولم يكن هذا الاتفاق موفقاً في جانب تطبيقه على الأرض حتى في اعتبارنا نمارس العدوان على الاحتلال لأن الاتفاق ينص على التزام كل طرف بعدم القيام بأي أفعال من شأنها خرق هذه التفاهمات، وهذا يعني أنّ كلّ عمل يؤدي إلى الدفع بأعمال عدوانية من الجانب الفلسطيني ضد الاحتلال هو بمثابة خرق للاتفاق ، فممنوع إدخال كل أنواع الأسلحة ، كما ممنوع إدخال كل المواد التي تدخل في صناعة الصواريخ المصنعة محلياً ، كما أنّ الجانب الصهيوني ومن خلال تجارب الاتفاقات السابقة سيعتبر التحريض الإعلامي عملاً من الأعمال العدائية التي يمارسها الجانب الفلسطيني ضده ، وربما سيعتبر رفع العلم الفلسطيني في قطاع غزة من الأعمال العدائية ، فمجال الأعمال العدائية في مفهوم العدّو الصهيوني واسع جداً ، ولهذا كان استبدال وقف اطلاق النار بين الجانبين بعبارة وقف الأعمال العدائية بين الجانبين إنجازاً بارزاً للعدو الصهيوني ، وفشلاً ذريعاً للجانب الفلسطيني .
وإنّ حصول مصر على ضمانات من كل طرف بالالتزام بما تم الاتفاق عليه ، يرّتب على الجانب الفلسطيني التزاماً أدبياً وأخلاقياً تجاه مصر ، بحيث يتطلب الموقف من الجانب الفلسطيني مساعدة مصر على تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية وعدم خرقها فلسطينياً لعدم احراج مصر أمام الجانب الأمريكي الصهيوني ، دون قدرة مصر على الزام الجانب الصهيوني ببنود الاتفاق ، لأنّ أحد أهداف العمل العسكري الصهيوني كان اختبار موقف مصر والرئيس مرسي خاصة بمدى الالتزام بمعاهدة كامب ديفيد ، وقد أكد هذا الاتفاق مدى حرص الرئيس المصري على التزامه بكل الاتفاقات المبرمة بين الجانب المصري والجانب الصهيوني ، فلذلك كان الاتفاق اتفاق وقف الأعمال العدائية وليس وقف اطلاق النار .
كما أنّ الاتفاق نص على أن تكون مصر هي الضامنة والمشرفة على تنفيذ هذا الاتفاق ، وهذا يتطلب من مصر جهداً وعملاً على الأرض ينتج عنه وضع قطاع غزة تحت الإشراف المصري بإدارة فلسطينية ، وهذا ما يؤكده الاتفاق من أنّ مرجعية أي جانب في خرق الاتفاق هي مصر ، فالمطلوب من مصر العمل على الأرض ومراقبة تنفيذ الاتفاق ، وهذا لا يتحقق إلا من خلال الأرض الفلسطينية ، إذ لا يسمح الجانب الصهيوني بوجود أية رقابة على أراضيه بوجود منطقة عازلة داخل الأرض الفلسطينية الموجودة أصلاً ولم يتطرق إليها الاتفاق .
وأمام كل هذا لا نبخس حق شعبنا بالاحتفال بما أنجزته المقاومة الفلسطينية من زرع حالة الرعب داخل المجتمع الصهيوني الاستيطاني ، وأنّ المقاومة الفلسطينية لديها القدرة بنفسها وبمد الآخرين لها بالسلاح على أنْ تجعل العدّو الصهيوني غير آمن بوجوده على أرضنا ، وكان يمكن لهذا التأثير الفلسطيني على العدّو الصهيوني أن يكون عامل ضغط في الاتفاق على أن يكون اتفاقاً لوقف النار وليس اتفاقاً لوقف الأعمال العدائية ، فلذلك كان يمكن لنا أن ننتصر دون أن نُهزم بفرض العدّو شروطه علينا وموافقتنا على وقف كلّ الأعمال العدائية ضده .
حمص في 22/11/2012 صلاح صبحية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت