من تتبع الأحداث التي سبقت الحرب الأخيرة على فلسطين، والتي بؤرتها الرئسية الباطنية دوما هي القدس وبؤرتها الظاهرة في الفترة الأخيرة هي غزة، تماما كانت وما زالت جنين ورام الله من قبلها، وكما كانت وما زالت نابلس والخليل.
فحكاية غزة هي حكاية وطن وشعب، حكاية تتكرر زمانا ومكانا متنقلة بين المدن والقرى الفلسطينية، فهذا العدوان مستمر من بلعين الى النبي صالح الى نعلين الى بيت أمر وبيت حانون ورفح. والهدف واحد هو كسر ارادة هذا الشعب، وتصفية قضيته العادلة وسرقة وطنه ومسح هويته من الخارطة السكانية الكونية. من تتبع ويتتبع هذا الطريق يجد فيه لافتات وعناوين ورسائل ودلالات لتفاصيل كثيره:
• زيارة أمير قطر لغزة كانت تحمل رسائل نذر بهدم ودمار قبل رسائل تبشير بالبناء والإعمار.
• رسالة موجهة من ايران الى اسرائيل أنها إن شنت عدوانا عليها فإن لها أذرعا قريبة منها تستطيع خرمشتها وإيذائها.
• انتقال القرار في حماس من الجناح العسكري الى الجناح السياسي بعد اغتيال الشهيد أحمد الجعبري. وهذه مقدمة لتحول حركة حماس الى حزب سياسي ودخولها بالعملية السياسية تناغماً مع ما حدث في دول الربيع العربي، ونظراً لمغازلة الولايات المتحدة والغرب الأوروبي لمنتجات هذا الربيع.
• جرعة دفء جديدة على العلاقة المصرية الأمريكية بعد الثورة في ظل حكم الإخوان المسلمين والرضاء الأمريكي التام عن الدور المصري، والإطمئنان على استمرار الإلتزام المصري بإتفاقية السلام مع اسرائيل.
• ولادة حلف جديد بالمنطقة وظهوره للعلن، وتغيير الإصطفافات وهذا الحلف الجديد هو (تركيا، قطر مصر، الإخوان المسلمين)، ويحظى بتأييد ودعم من الولايات المتحدة في سعيه لإعادة رسم الخارطة السياسية والجغرافية للمنطقة.
• سعي الحلف الجديد (تركيا، قطر، مصر، الإخوان المسلمين) إلى شطب منظمة التحرير الفلسطينية أو الإستيلاء عليها بشكل تام لتكون تحت هيمنته وضمن سربه، وذلك لإكتمال قبضته على دول الربيع العربي.
• تبني حملة انتخابية من قبل الحلف الجديد تصب لصالح السيد خالد مشعل لعله يكون الرئيس الفلسطيني في الإنتخابات القادمة، وتقود هذه الحملة اعلاميا قناة الجزيرة (مسلسل الإغتيال الصامت) وستمولها قطر مستفيدين من هذا الإنجاز الفلسطيني.
• إعلان فك الإرتباط وقطع الحبل السري الذي كان يصل بين ايران وحماس، وتوجيه رسائل شكر ختامية لهذه العلاقة من قادة حماس على ما قدمته لهم من دعم مالي وعسكري، وتنصل ايران من تقديم هذا الدعم، وهو عنوان ظاهر وعلني لخاتمة هذه العلاقة وبدء القطيعة.
• التضامن التام بين مختلف أطياف الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده ضد العدوان الأخير، وما أظهره شعب الضفة من حراك وطني فاعل ضد الإحتلال ترجمه بالتظاهرات والمواجهات مع جيش الإحتلال وتنفيذ عملية نوعية. وغياب تبادل التهم والمناكفه عن طرفي الإنقسام.
• تحول نوعي واستراتيجي في سلاح المقاومة الفلسطينية وذلك بتوجيه ضربات صاروخية محدودة الفاعلية الى قلب الكيان الصهيوني وإثارة الذعر بين الإسرائيليين.
• الشعب الفلسطيني تحمل تكاليف هذه الحرب ماديا كعادته في كل حرب، ودفع ثمنها من دماء الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ وفقد قائداً عسكرياً ميدانياً ثقيل الوزن والأثر، إضافة الى خسارته المادية الضخمة من ممتلكاته العقارية ومؤسسات ومرافق البنية التحتية.
• نتيجة الحرب السياسية والمعنوية كانت محصلتها تصب في خانة الإنجازات الوطنية الفلسطينية، التي ستضاف الى انجازاته السابقة وكان بطل هذه المعركة ومن تحمل تكاليفها هو صمود وصبر وإيمان هذا الشعب البطل.
• هذا الإنجاز الفلسطيني لن يتحقق ولن يضاف الى رصيد حساب الإنجازات الفلسطينية المتراكمة الا بتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الإنقسام، وخلاف ذلك سيتحول هذا الإنجاز الى إخفاق وفشل وجهل في الإستثمار السياسي لما يتحقق في الميدان.
• باراك اوباما قام بتسديد لطمة لنتنياهو وأجبره على وقف إطلاق النار قبل تحقيق أهدافه، وذلك انتقاما من اللطمات العديدة التي وجهها نتنياهو لأوباما أثناء ولايته، وسيحاول تسديد لطمة انتقامية في الإنتخابات الإسرائيلية لعل التاريخ يسجل له شرف إنهاء صراع طويل بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
• الرئيس المصري د. محمد مرسي وبعد نجاحه في إبرام اتفاق الهدنة وتلقيه الشكر والثناء والدعم من الولايات المتحدة والغرب الأوروبي استقوى على المعارضة الداخلية وأصدر قرارات رئاسية من شأنها تحكم سيطرته على السلطات الثلاث في مصر.
• اسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها من هذا العدوان، وايران خسرت حليفا وذراعا من اذرعتها في العالم العربي.
• الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفض الضغوط الأمريكية الجديدة من كلنتون بتأجيل توجه القيادة الفلسطينية الى الأمم المتحدة ولم يصغ الى التحذيرات والتهديدات الإسرائيلية والأمريكية وأصر على موقفه.
• رسائل تأييد ودعم من بعض قادة حماس لتوجه القيادة الى الأمم المتحدة لطلب العضوية مما يثير في نفوس الفلسطينيين التفاؤل الحذر بإنهاء الإنقسام.
ما زال الطريق ممتداً وطويلاً ولم نصل نهايته بعد، وينطوي على محاذير ومخاطر ومنحنيات ومنعطفات ووعورة تستدعي الوعي التام والحذر. وما ذكر من عناوين هي نتائج مبدئية قابلة للنقض، حيث ما زال الحكم على نتائج الحرب النهائية مبكراً، ولكل طرف فيها اجتهاده ووعيه بالإستثمار لحرف محصلة هذه الحرب لمصالحه الوطنية. ومن جد وعمل بنية وطنية خالصة وجد. ومن سعى الى مكاسب شخصية فسيعود سعيه بالضرر على الصالح العام ونسأل الله الهداية للجميع.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت