إنتصار أم إنتحار..أم مهزلة فلسطينية جديدة

بقلم: د.محمد رياض


كان من الممتع حقاً متابعة كوميديا الهدنة الفلسطينية-الإسرائيلية وخصوصاً مشاهدة الجماهير التي خرجت من بين حطام الازقة في شوارع غزة لتتغنى بالنصر الإلهي وبركات حجارة سجيل وثمرات مبادرات حكومات التحرر العربي من قطر إلى تونس، على الأقل من باب شر البلية ما يضحك.
ذكرتني هذه الجماهير المبتهجة بجماهير مماثلة خرجت عام 1988م عشية إعلان المجلس الوطني الفلسطيني قيام الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس، في المنفى طبعاً.
هذه الجماهير المبتهجة خرجت ايضاً في العام 1993م لتعلن عن فرحتها العارمة بتوقيع إتفاق أوسلو وإنتزاع إعتراف إسرائيلي بحكومة ذاتية فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة
واليوم تخرج نفس هذه الجماهير لتبتهج بالنصر المؤزر للمقاومة التي أجبرت إسرائيل على الإعتراف بمطالبها والقبول بوقف شامل لإطلاق النار بضمانات عربية وتركية
ولا أفهم حقاً دواعي الرقص والإبتهاج على هذه "المسخرة" الدبلوماسية وعن أية نصر يتحدث السيدان مشعل وشلح للاسباب التالية:

1. إيقاف الإجتياحات والإغتيالات: إسرائيل لم تحتج ابداً طوال تاريخ الإحتلال لقصف غزة ولا لإجتياحها لو لم تكن هناك مقاومة أصلاً، بمعنى أن إسرائيل ككيان عسكري تقوم بضرب من يضربها اما حين تتوقف المقاومة عن ممارسة أي نوع من النضال العسكري ضد إسرائيل بل وتتعهد بان تضبط حدود القطاع بنفسها نيابة عن حرس الحدود الإسرائيلي فلماذا بحق السماء ستضطر او تحتاج إسرائيل لقصف غزة إو إستهدافها، يعني تحصيل حاصل، ولو لم تكن هناك مقاومة اصلاً فهذا يكون هو الوضع الطبيعي ولم نكن بحاجة لا لعمليات ولا لمفاوضات وكنا وفرنا دماء الألاف من الأطفال والمدنيين الأبرياء على الأقل طوال هذه السنوات!!

2. فتح المعابر: وهذه (مسخرة) أخرى فقد كانت المعابر مفتوحة ايام سيطرة سلطة رام الله على قطاع غزة وفق ألية متفق عليها بين السلطة ومصر والإتحاد الأوروبي، فهل سيطرت المقاومة على القطاع منذ 2006م وقامت بتجويع الناس وإدخالهم في كل هذه المغامرات والحروب لنضطر في النهاية لإيقاف المقاومة رسمياً مقابل الرجوع لفتح المعابر وفق صيغة فلسطينية مصرية دولية أخرى، بل اكثر من ذلك لو رضي الشعب الفلسطيني بالتفاوض مع إسرائيل على إيقاف المقاومة منذ توقيع السادات لإتفاقية كامب ديفيد عام 1978م لكانت المعابر مفتوحة على مصراعيها منذ ذلك الحين إلى الآن، فما هو إنجاز المقاومة الذي تريد أن تفخر به إذن..؟

3. الهدنة الأبدية: لاحظ ان الهدنة التي أقرتها فصائل المقاومة الفلسطينية مع إسرائيل هي هدنة ابدية غير موقتة بتوقيت زمني، وهذه تختلف عن الهدنة المؤقتة لعشر سنوات التي إقترحها الشيخ أحمد ياسين مقابل دولة فلسطينية كاملة السيادة على الضفة وغزة وعاصمتها القدس، فهل نزلت حماس من سقف السنوات العشرة مقابل دولة إلى طرح الهدنة الأبدية مقابل وقف العمليات العدوانية على قطاع غزة وتسهيلات المعابر فقط؟؟؟؟

4. فك الحصار: رسمياً تم فرض حصار عسكري وإقتصادي على قطاع غزة من قبل إسرائيل والسلطات المصرية بعد تشكيل حكومة حماس في العام 2006م وإستمر الحصار بعد سيطرة حماس على القطاع وطرد الأجهزة الامنية التابعة لسلطة عباس، إذن حماس هي التي جاءت بالحصار أصلاً، ولم تاتي لفك الحصار على الشعب الفلسطيني لأنه لم يكن هناك حصار قبل وجودها كسلطة، وبعد وصول قيادة تنظيم الإخوان إلى الحكم في مصروالتي تعد حماس جزءاً منه كان من المتوقع والمفروض أن ينتهي الحصار تلقائياً فمن غير المعقول ان تقوم حكومة مركز القاهرة بمحاصر إخوانهم في شعبة غزة، ولكن الحصار من الجانب المصري إستمر تحت حكم إخوان القاهرة، وبالتالي فإن قبول إخوان مصر بفك الحصار تدريجياً ونسبياً عن قطاع غزة من جانبهم مقابل تعهد حماس والجهاد بوقف المقاومة ضد إسرائيل يعبر عن إختراق صهيوني على اعلى المستويات ولا ادري في هذه ايضاً لماذا يبتهج المبتهجون، لأن مصر هي التي سترفع الحصار عملياً وليس إسرائيل.

والخلاصة: على حماس بصفتها الجهة الرئيسية الموقعة على الهدنة الدائمة المضمونة مصرياً وقطرياً وتركياً أن تقوم بتأمين حدود القطاع ومنع اي عمل "عدائي" تجاه إسرائيل وهذا أقصى ما كانت إسرائيل لتحلم بتحقيقه لولا الدعم السياسي الهائل للشعب الفلسطيني من حكومات الربيع العربي الجديدة!


بقلم د. محمد رياض

كلية جيمس روجر للقانون-جامعة أريزونا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت