كاميرا وصورة

بقلم: أسامه الفرا

حواديت ...
كاميرا وصورة
تقنية الاتصالات باتت اللاعب الأهم في حياة البشرية، والكل يسعى للاستفادة منها بما يخدم مصالحه، سواء كانت المصالح جماعية أم فرديه، وهذه التقنية سريعة التطور لا تتوقف عند من لا يجيد استخدام أدواتها، ويستفيد منها بالقدر الكافي من تعرف على مدخلاتها ويقدر اتساع سطوتها، ولعل هذا ما مكن الإعلام من الاستحواذ على هذه المكانة المؤثرة في حياتنا المعاصرة، هو لم يكتف بتحويل الكون إلى قرية صغيرة، بل يشهد فضائه اليوم حرباً خفية للتأثير على الرأي العام العالمي، ولم تعد أدوات الإعلام اليوم بحاجة إلى قدرات مالية كي تسجل حضورها كما كان عليه الحال في السابق، فمع تعدد الأدوات بات بإمكان المواطن وهو جالس في منزله أمام جهاز الحاسوب الصغير أو من خلال الهاتف النقال أن يلعب دوراً محورياً لا يقل في أهميته عن دور المقاتل في الخطوط الأمامية للجبهة.
خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة تنامى بشكل أكبر دور الإعلام، لم تعد الحرب تدور رحاها بمعزل عن الناس، بل باتت في معظم فصولها تبث للعالم بالصوت والصورة في بث حي ومباشر، والمؤكد أن وقع الصورة في العقل الباطني للإنسان أبلغ بكثير من سماع التحليلات والتعليقات على الأحداث، مهما تمتع المعلق من قدرات فائقة على تطويع الكلام وتزوير الحقائق لإيصال المتلقي للهدف الذي ينشده، من خلال هذا التطور الهائل في تقنية الإعلام بتنا اليوم نطلع على تفاصيل ما يدور في الخطوط الخلفية للعدو، ولعل هذا بالتحديد ما دفع المحلل الإسرائيلي في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي "يهود يعاري" من الخروج عن طوره ويقاطع المتحاورين قائلاً " إنهم على الهواء مباشرة يسمعون ما نقول ويترجمون ذلك"، في إشارة منه لما كانت تقوم به فضائية الأقصى وشبكة معا.
مما لا شك فيه أن قوة تأثير الإعلام هي ما دفعت قوات الاحتلال لاستهداف العاملين في الإعلام بشكل مباشر، سواء كان ذلك من خلال استهداف المنشآت التي تتواجد فيها وسائل الإعلام، أو من خلال استهداف العاملين أنفسهم كما حدث مع العاملين في فضائية الأقصى وإذاعة القدس، ناهيك عن المحاولات المتكررة للتشويش على عملها واختراق موجاتها لبث الدعاية المغرضة.
أعتقد من المفيد لنا أن نقيم الأداء الإعلامي كي نعمل على تكريس الجوانب الايجابية ونتفادى السلبيات، كنت من المتابعين لفضائية الأقصى، وهنا أسجل دون تحفظ أن أداء فضائية الأقصى ومعها كافة القنوات الفضائية المحلية تحلت خلال العدوان الأخير على غزة بدرجة من المسؤولية لم تتوفر في العدوان الإسرائيلي السابق على غزة عام 2008، حيث كانت اللغة الوحدوية هي السمة المميزة لها، ولعل هذا أسهم بشكل واضح في تمتين الجبهة الداخلية وصعود التكاتف والتلاحم بين كافة أطياف المجتمع الفلسطيني، وهذا ما انعكس بدوره على صفحات التواصل الاجتماعي، حيث باتت تلك الصفحات والتعليقات عليها تحمل كل ما يدعو للوحدة والتكاتف والوقوف خلف المقاومة الموحدة في مجابهة العدوان، وتناسى الجميع الخلافات الحزبية المقيتة، وبالتأكيد كان لكل ذلك دوراً محورياً في تمتين الجبهة الداخلية ورفع المعنويات من خلال الحديث عن انجازات المقاومة وتأثيرها على العدو.
لكن بالمقابل علينا أن ندرك بأن هذا النجاح على المستوى المحلي والإقليمي لم يقابله نجاحاً على المستوى الدولي، فما كان مطلوب بثه على المستوى المحلي والعربي لا يصلح أن نخاطب به العالم، فنحن الضحية ويجب أن ننقل للعالم الغربي تفاصيل المأساة التي يتعرض لها شعبنا، وأعتقد أن في ذلك قصوراً بيناً، فأدواتنا الإعلامية جميعها تنطق باللغة العربية، ونحن بحاجة لأن نخاطب العالم بلغة يفهمها،بعض الشباب الذي يجيد اللغة الانجليزية أخذ على عاتقه عبر شبكات التواصل الاجتماعي نقل الصورة الحقيقة للضحايا الفلسطينيين من الأطفال، ولصور الدمار التي خلفتها آلة البطش الإسرائيلية بلغة يفهما الغرب، وهذا محل تقدير، ولكن في اعتقادي أن ذلك كان بصورة وبإمكانيات فردية، ولم نستطع أن نترجم ذلك لعمل جماعي منظم، وكان يمكن لنا، لو توفرت منظومة عمل واضحة في هذا المجال، الاستفادة من الجاليات الفلسطينية المنتشرة في أصقاع العالم لنقل الصورة الحقيقة للجريمة الإسرائيلية، أعتقد أننا بحاجة لإعادة النظر في آلية مخاطبتنا للعالم الغربي بما يخدم مصالحنا، فالكاميرا من خلال التقاط الصورة قادرة على أن تحدث تأثيراً يفوق في أحيان كثيرة ما تحدثه القذيفة في خطوط العدو، يبقى لزاماً علينا أن نقف باحترام أمام كافة العاملين في المجال الإعلامي الذين أبدعوا في نقل ما يتعرض له الوطن من انتهاكات وعربدة إسرائيلية يومية، فكانوا نعم الجنود في الدفاع عن الوطن والهوية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت