إستكمال شروط الانتصار

بقلم: محمد السودي


ما أن وضعت حرب الايام الثمانية العدوانية على قطاع غزة اوزارها ، حتى بدأت تتكشف الخفايا ثم النوايا التي ارادت الاطراف الضالعة بها تحقيق غاياتها ، قبل كل شيء لا بد من التذكير بأن أي حرب مهما كان حجمها لا يمكن عزلها عن الاهداف السياسية المراد الوصول اليها ،واذا سبرنا اغوار الاسباب التي جعلت حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة تخوض غمار هذا العدوان الغاشم نجد ان هناك مجموعة من العوامل الداخلية الصرفه دفعت ائتلاف " نتنياهو ليبرمان " الاقدام عليها اهمها تفاقم الازمة الاقتصادية الاجتماعية الى الذروة حيث استحوذت على اولويات مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية الامر الذي بات يهدد بالخسارة الحتمية لهما في الانتخابات العامة للكنيست المزمع اجراؤها مطلع العام القادم لذلك فان قرار اللجوء للحرب كان بمثابة الهروب من مواجهة استحقاقات الازمة الداخلية باتجاه ما يسمونه القضاء على "الارهاب الفلسطيني "، بعد ان فشلت مساعي تحشيد المجتمع الدولي وفي مقدمتهم الادارة الامريكية السابقة واللاحقة التي فازت بالانتخابات اثر هزيمة المرشح الجمهوري ميت رومني المفضل لدى قوى التطرف في اسرائيل ضد ايران تحت ذريعة اجهاض القدرات النووية الايرانية الساعية لامتلاك الاسلحة النووية حسب زعمهم ، غير مكترثة بالعقوبات الاقتصادية الدولية التي تهدف ايضا الى الحد من الطموحات الايرانية من خلال سياسة فرض العقوبات الاقتصادية ثم التفاوض معها ، من جهة اخرى تفهمت الادارة الامريكية بشكل مسبق ضرورات الحرب على قطاع غزة لاسبابها الخاصة مقابل التخلي عن فكرة الحرب على ايران باعتبار ان الوضع الفلسطيني المنهك المنقسم يمكن التحكم بمجرياته في اللحظة التي يريدون ، كما ان الحاجة اقتضت الى اختبار الاوضاع الناشئة في المنطقة العربية من حيث معرفة ردود الافعال الرسمية والشعبية التي لا زالت تعيش مرحلة المخاض دون وضوح الاتجاه الذي سترسي عليه ، وان كانت المؤشرات تدلل على ضبط ايقاعها وفق رؤية الهيمنة الامريكية للمنطقة نتيجة سيطرة الاسلام السياسي على مقاليد السلطة في دول ما يعرف بالربيع العربي التي ترى في دعم امريكا والغرب عموما ترسيخ دعائم اسس الانظمة الاسلاموية السياسية وبالتالي كان على رأس الاهتمامات تطمين تلك الدول وتأكيد التزامها بالاتفاقيات الدولية والاقليمية خاصة ما يتعلق منها باتفاقية كامب ديفيد الاولى مع مصر ، أما ما يخص الشأن الفلسطيني فلقد بدا واضحا ان امريكا اوكلت مهمة ضبط الايقاع الفلسطيني الحمساوي الذي يشكل جزءاً من الحركة العالمية للاخوان المسلمين للنظام الجديد في مصر الذي لعب دور الوسيط بين الطرفين وانتج تهدئة جديدة مقابل تشريع تدريجي لحركة حماس سياسيا على المستوى الدولي حيث هرولت تركيا وقطر وتونس وغيرهما من الدول بشكل مختلف عما جرى بالعدوان السابق على قطاع غزة باتجاه القاهرة غزة ليس لتقديم الدعم بالمال والسلاح تعزيزا لصمود المقاومة بل من اجل تقديم المشروع الوطني الفلسطيني الذي تقوده منظمة التحرير الفلسطينية قربانا لحركة حماس من اجل عصر جديد ومرحلة لها عنوان مختلف ، تحقق من وراءه قطع الطريق على القيادة الفلسطينية التوجه للجمعية العامة للامم المتحدة وارباك الوضع الفلسطيني وبالتالي فرض الشروط الاحتلالية بخلق حالة هدنة طويلة تتساوق مع الافكار التي كانت مطروحة سابقا ، غير ان العدوان على غزة خلق شروطا جديدة اظهرتها الوقائع الميدانية على الارض تجلت بأبهى صورها بالوحدة الميدانية في المواجهة مع قوات الاحتلال ، الذي تفاجأ بأن الصدمة التي اراد احداثها بالضربة الاولى لم تتحقق بل تم استيعابها بشكل سريع ثم الانتقال الى توسيع دائرة الاهداف الاسرائيلية تجاوز الغلاف النظري الذي وضعه جنرالات الحرب الصهاينة ويفترض ان يكون مداه حوالي اربعين كيلو مترا ً من الشريط الحدودي الذي يفصل غزة عن بقية الاراضي المحتلة وبالتالي اضحت مناطق الوسط في تل ابيب والقدس الغربية في مرمى النيران الفلسطينية بغض النظر عن اختلال التوازن من حيث الكم والنوع مقارنة مع ترسانة جيش الاحتلال والسيادة الجوية ، كما ان التجاوب الشعبي والفصائلي بين الضفة الفلسطينية وقطاع غزة اضافة الى الشتات اذهل حكومة الاحتلال العنصرية وخلقت مناخا من الوحدة الوطنية الفلسطينية بشكل لم يسبق له مثيل منذ بداية سنوات الانقسام الداخلي ، لذلك كان من الطبيعي ان تطيح لعنة غزة بوزير الحرب " ايهود باراك " واعتزاله الحياة السياسية وهذا يعني اعتراف مباشر لا يقبل التأويل عن فشل اهداف العدوان الذي سيلقي بضلاله على مجمل الائتلاف اليميني المتطرف .
إن تحقيق شروط الانتصار ينبغي استكمالها بعد توفر المناخ الملائم على المستويين الشعبي والفصائلي ومغادرة الانقسام الرأسي بالذهاب الى تنفيذ اتفاق المصالحة الوطنية بشكل فوري وعدم السماح للاصوات التي من شأنها توتير الساحة الوطنية واعادتها الى نقطة الصفر خدمة للمصالح الضيقة والاجندات الفصائلية ، من اجل مواجهة مخططات العدوان التي لا زالت تبحث عن ثغرات تستطيع من خلالها رد ّ الصفعة التي تلقاها في غزة الصمود والضفة الفلسطينية ، التي تواجه العدوان المستمر وتهويد القدس وعربدة قطعان المستوطنين .
لعل الذهاب الى الجمعية العامة للامم المتحدة واستصدار قرار يرفع مكانة فلسطين الى دولة غير عضو في ظل اجواء الانتصار يشكل العامل المكمل للمشروع الوطني الفلسطيني واعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بكونها مفتاح السلام والحرب في المنطقة ، وبالتالي لا يجب ان يقيد الاعتراف الدولي بشروط او وعود من اي نوع كانت تعيق الفلسطينيين من استخدام حقوقهم بالانضمام الى المنظمات الدولية في مقدمتها محكمة الجنايات الدولية ومنظمات حقوق الانسان كما تحاول بعض الاطراف ربط اعترافها بهذه الشروط المجحفة ، خوفا من تقديم الجناة الى محاكم جرائم الحرب ،واستصدار احكام توقف السرطان الاستعماري وتغيير معالم الاراضي الفلسطينية المحتلة ...
الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية الذي سطر اروع ملاحم الصمود والصبر والمؤازرة ، مطالب اليوم في اكثر من اي وقت مضى باستمرار فعالياته حتى يستعيد وحدته الوطنية الشرط اللازم للانتصار وبناء استراتيجية وطنية شاملة للمواجهة فلا سلاح اقوى من ارادة الوحدة ... فهل سنفوت هذه الفرصة الذهبية ...؟
عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية
.................................

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت