فلسطينيو سوريا .. مؤشرات ومعطيات

بقلم: علي بدوان


قاربت أعداد اللاجئين الفلسطينيين (مواطني الإقليم الفلسطيني من بلاد الشام أو مواطني الإقليم الفلسطيني من سوريا الطبيعية) على أرض سوريا العربية نحو يفوق بقليل نصف مليون مواطن (فلسطيني سوري) مع نهاية العام 2011 وبزوغ فجر العام 2012. مضافًا إليهم نحو (200) ألف مواطن فلسطيني من حملة الوثائق المصرية واللبنانية والعراقية، ومن حملة الجنسية الأردنية. ليصل مجموع الفلسطينيين الكلي في سوريا إلى نحو (700) ألف مواطن، يخضع منهم فقط ما اصطلح على تسميتهم بـ (فلسطينيي سوريا) وهم اللاجئون المسجلون في القطر العربي السوري منذ العام 1948، للقوانين والتشريعات السورية من حيث حقوق المواطنة، أما الباقي منهم فيعتبرون كمواطنين عرب.


ويعتبر المجتمع الفلسطيني في سوريا مجتمعا فتيا تتسع قاعدته العمرية الصغيرة باطراد مع مرور الزمن بفعل عامل الخصوبة لدى المرأة الفلسطينية، وظاهرة النمو الأسي حيث تزداد أعداد أفراد المجتمع الفلسطيني في سوريا بمعدل شبه ثابت في وحدة الزمن (في المتوسط 3,5% سنويًّا)، ونتائجه في زيادة عملية الإنجاب والنمو الطبيعي لنسبة السكان، فنسبة (43.2%) منه دون سن الخامسة عشرة، ونسبة (62%) منه دون سن السادسة عشرة، لذا يشكل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا مجتمعًا فتيًّا تكبر فيه قاعدة الهرم السكاني الممثلة بالأطفال والشباب ما قبل السابعة عشرة.


ففي التوزع العمري وفق أهرامات العمر يطغى طور الشباب، ويليه طور الإنتاج، وطور ما بعد الإنتاج، ويتحدد شكل الهرم السكاني لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بمسقط مثلثي على المستوى أشبه بالمثلث المتساوي الساقين ذي القاعدة العريضة، ما يترتب عليه تراجع نسبة القوة البشرية العاملة، وازدياد أعباء الأسرة والإعالة تجاه متطلبات الحياة اليومية الصحية والاجتماعية والتعليمية، أما نسبة كبار السن (65 عامًا وأكثر) فتكاد تكون (3.2 %).


ومن هنا يتمتع مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بخصوبة مرتفعة نسبيًّا وتكاد تماثل نسبة الخصوبة في المجتمع السوري وتعادل (7.35). وتحدد الخصوبة القدرة الإنجابية للمرأة الواحدة في سن حياتها الإخصابية، وتبلغ بالنتيجة (43 بالألف).
وتعتبر التنمية البشرية بين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا تنمية بشرية متوسطة وفق مقاييس برنامج الأمم المتحدة، بينما حجم القوة البشرية بينهم بلغت بالمتوسط عام 2010 نسبة (54.5%).


وبالنتيجة إن مرد اتساع قاعدة الهرم العمري السكاني وطغيان الطور الشاب في الهيكل العمري للتجمع الفلسطيني في سوريا يعود إلى:

ارتفاع معدلات الخصوبة الكلية للمرأة الفلسطينية في سوريا مقارنة حتى بالمرأة العربية بالأقطار المجاورة وبالحدود النسبية. مع التراجع الملموس خلال السنوات الخمس الأخيرة "المحدود والمتدرج البطيء" لمعدلات الإنجاب تبعًا لتعقيدات الحياة الاقتصادية وضعف مردود الأسرة ودخول المرأة سوق العمل الإنتاجي. وبالإجمال فإن عوامل التأرجح في النمو السكاني للاجئين الفلسطينيين في سوريا لم تبرز على السطح بعد، ولم تسبب حتى بتجلياتها الأولية أية تغييرات حادة في النمو السكاني للفلسطينيين فوق الأراضي السورية. وعليه، كان لارتفاع نسب التعليم عند المرأة الفلسطينية في سوريا، ودخول العديد من الإناث في سن العمل سوق الإنتاج، وفق وتيرة متزايدة، الأثر الكبير في التراجع المحدود لمعدلات الخصوبة للمرأة الواحدة للعام الواحد كما تم ذكره.


عدم وجود هجرة غير طبيعية (عدد الذكور 104 لكل 100 أنثى) أي أن نسبة الذكور تبلغ (51%) داخل مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وهي نسبة اعتيادية وطبيعية جدًا في المجتمعات المستقرة.


وجود مقدرة حيوية على التزايد خلال وحدة الزمن بفعل وجود: مقدرة كامنة على التزايد، ومقدرة فعلية ضمن شروط وتحت ظروف الواقع المعاش.
إضافة لما تقدم، وصل العمر المتوقع عند الفلسطينيين في سوريا خلال الأعوام الأخيرة نحو (68.5) سنة للذكور، وحوالي (72.5) سنة للإناث. في حين يصل العمر في الدول المتقدمة إلى (78) سنة للذكور



وتعتبر هذه المؤشرات مهمة وضرورية لما تلقيه من رؤية لواقع التجمع الفلسطيني في سوريا. خاصة وأن العمر المتوقع للذكر والأنثى يحمل دلالاته بما يتعلق بدرجة تطور المجتمع ورقية، ودرجة استفادته من الخدمات المقدمة له بجوانبها الصحية والاجتماعية والتعليمية عبر وكالة الأونروا، والحكومة السورية والجهات الفلسطينية المعنية.
وبالنسبة للقوة البشرية بين الفلسطينيين في سوريا فتبلغ (63.8%) من إجمالي المجموع، وهي تتفاوت بين الذكور والإناث.


إن القطاع العام في سوريا يستوعب أكثر من ثلثي عدد المشتغلين بأجر من الفلسطينيين في سوريا. حيث تتألف القوة البشرية من قسمين: فئة من هم خارج قوة العمل لكنهم لا يعملون ولا يرغبون بالعمل كالطلبة والمتقاعدين وربات البيوت والذين يعيشون من إيراد استثماراتهم. والفئة الثانية فتضم فئة قوة العمل ذوي النشاط الاقتصادي.
ووفق البحوث الميدانية التي أجراها المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني بدمشق قبل فترة، فإن هناك نحو (74%) من إجمالي العاملين الفلسطينيين في سوريا يعملون بشكل دائم في حين لا تتعدى نسبة المشتغلين بأعمال موسمية أو متقطعة (26%).
أما مساهمة المرأة الفلسطينية اللاجئة في سوريا في النشاط الاقتصادي فقد بلغت نحو (23.5%)، استحوذ قطاع الخدمات على (59.5%) منهن، والصناعة التحويلية (26.5%)، وباقي النسبة توزعت على القطاعات الاقتصادية المتبقية، ولوحظ أن (70%) يعملن بصورة دائمة نظرًا لأن الغالبية يعملن في القطاع العام.
وبالنسبة لمؤشرات التنمية البشرية عند الفلسطينيين في سوريا، فقد دلت المعطيات والإحصائيات المتوفرة بأن التنمية البشرية متوسطة لديهم وفق المقاييس الدولية لمنظمات الأمم المتحدة.


وباختصار شديد، يعتبر التجمع الفلسطيني اللاجئ في سوريا مجتمعًا نشيطًا ومبادرًا على كل محاور الحياة، كما هو حال التجمعات الفلسطينية اللاجئة في البلدان العربية المختلفة. ولم يشكل في أية لحظة عامل إعاقة، أو عالة، ان كان على محيطه أو في مكان اللجوء الجغرافي.
وكما بادر الفلسطينيون للمساهمة ببناء دول الخليج العربي خلال عقود استقلالها الأولى، فإن اللاجئين الفلسطينيين في سوريا خاصة وأن نكبة فلسطين تزامنت مع سنوات الاستقلال الأولى لسوريا العربية، شكلوا عاملا بناء في الجوانب الاقتصادية والثقافية التربوية التعليمية والسياسية وفي باقي أوجه الحياة في القطر العربي السوري. وبرز منهم أسماء لامعة في صفوف الأنتلجنسيا العربية وفي حياة سوريا على مختلف الصعد، ويمكن تلمس بعض المؤشرات من خلال الأمية شبه المعدومة في الوسط الفلسطيني اللاجئ في سوريا وارتفاع نسب التعليم والتعليم العالي. وساعد على هذا القرار (256) لعام 1956 الذي ساوى بين السوري واللاجئ الفلسطيني المقيم والمسجل في سجلات الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا من حيث الحقوق والواجبات، فضلاً عن ما ولدته النكبة وألم اللجوء والشتات من طاقات أعطت نتائجها بسيادة روحية الاقدام عند الفلسطيني، وسيطرة إرادة التحدي أمام معترك الحياة بعد نكبة ضياع الوطن.


إن المجتمع الفلسطيني اللاجئ على أرض سوريا العربية يتمتع بمجموعة من الخصائص التي تؤكد على عمق انتمائه الوطني وتمسكه بحق العودة. فهو مجتمع يتأكد فيه:

الهوية الوطنية التي تميزه كمجتمع فلسطيني يحمل أبناؤه الجنسية العربية الفلسطينية المندغمة في الإطار القومي على أرض سوريا العربية.


اعتباره جزءا من الوعاء الحاضن للحركة الوطنية الفلسطينية في الشتات. فجميع قوى وفصائل الشعب الفلسطيني تنشط وسط هذا التجمع فوق عموم الأرض السورية، فضلاً عن النقابات والاتحادات والمنظمات الشعبية.



حفاظه على الموروث الشفهي ولذاكرة الوطن في صفوف الأجيال التي نمت ونشأت خارج فلسطين بعد نكبة 1948.


ديمومة الحلم المشروع في العودة إلى أرض الوطن، والحفاظ على الكينونة الخاصة التي يتميز بها هذا التجمع الفلسطيني



صحيفة الوطن العمانية


تاريخ الخميس 29/11/2012


علي بدوان

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت