الرفع والنصب في الحالة المصرية

بقلم: سامي الأخرس


كلّنا نعرف ونتقن قاعدة لغوية عربية إن وأخواتها الّتي تنصب الاسم وترفع الخبر، وكان وأخواتها ترفع الاسم وتنصب الخبر، وهي قاعدة تبادلية يُدركها الطفل العربي من المشرق إلى المغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، لأنّها أساسيات قواعدنا اللغوية الّتي يجب أنّ نتقنها ونتعامل بها دومًا على الورق، والصياغات الأدبيَّة والسيَّاسيَّة والثقافيَّة، دون أنّ نستدرك آليات التطبيق على الأرض في الحالة المفاهيمية التعبوية والوطنيَّة، وخاصة في بلدان الرّبيع العربيِّ عامة، وعلى وجه التحديد مصر.
مصر قبل وبعد:
إنّ حالتنا العربيَّة الحاليَّة ترفع اسم إنّ وتنصب خبرها، وتعكس القاعدة على أوطانها الّتي أصبحت كان وأخواتها المنسيَّة.
تمكن الشباب المصري أنّ يخوض ثورته الّتي رفعت شعار" يسقط النّظام" وهو ما أفلح به شباب ميدان التحرير بعد سبعة عشر يومًا، وأنهى حقبة رجل جثم على صدر مصر ثلاثون عامًا، ولّم تُسقِط النّظام الذي تمثل بالمجلس العسكريِّ، وهو المجلس الذي يقف على رأسه المشير طنطاوي لمدة عشرين عام تحت قيادة مبارك ونظامه، كما أنّ المؤسسة أو السلطة القضائيَّة المصرية الّتي كانت تُدين بالولاء لمبارك استمرت على رأس عملها وبهيكلها التكويني، ورموزها الذين عاثوا فسادًا ومهادنة، لمبارك ونظامه إلَّا أنّ الثوار المصريّين ضغطوا على المجلس العسكريِّ، وأكدوا على ثورتهم، ونهجهم الثوّري، ممّا شكّل ضغط على المجلس العسكريِّ والمحكمة الدستوريّة المصرية ليستكملا نصب الشِرك لمصر عامة، حيث أعلن المجلس العسكريِّ عن انتخابات رئاسية دون إعادة صياغة الدستور المصري الأهمية والأولوية الّتي كان يجب القيام بها استجابة للحالة الثورية، وكذلك تعطيل وحل مجلس الشعب المُنتخبَ، المؤسسة أو السلطة التشريعيَّة، ليتم من خلالها إغراق أيّ رئيس قادم في حالة إرباك دائمة ومستمرة، وفراغ سلطوي ودستوري شامل يجبره على البحث عن مخارج ( أحلاها مُر)، وهو ما حدث مع الرئيس المصريِّ محمد مرسي المُنتخب بارادة شعبية، وخيار ديمقراطي، فمنذ اليوم الأوّل لإعلان فوز الرئيس المصريِّ محمد مرسي ممثل الإخوان المسلمين، بدأت حلقات التخطيط الممنهج، فاستلم الرئيس المصري مفاتيح القصر الرئاسيِّ في حالة جدل وارتباك بين فئات الشعب المصريِّ، وكذلك على مستوى الصراع بين المجلس العسكريِّ والرئاسة، وبدأت حالة الغليان، وردات الفِعل والتحريض من بعض القوى، وخاصة فلول النّظام السابق الذي لا يمكن إغفال وجودها ودورها وتعمقها بالحالة المصرية عامة، قابلها أحداث جِسام مثل عملية سيناء الإرهابيَّة والّتي اعتبرت فرصة للتخلص من قيادات المجلس العسكريِّ وجهاز الاستخبارات المصرية، وبدأ بعض الترتيبات الموازية من الرئيس الذي يحاول لملمة خيوط الحالة المصرية المبعثرة تحت ضغط فلول النّظام السابق، والقوى الوطنيَّة الرافضة لفكرة الإخوان المسلمين أيديولوجيًا.
حتى كانت لحظة الحسم بالإعلان الدستوري المكمل الذي أعلنه محمد مرسي قبل عدة أيام، والّتي رصدت كحالة استباقيَّة لعملية انقلابية يتمّ إعدادها في السلطة القضائيَّة، وهو ما فجر الشارع المصري وعلى رأسه القوى الوطنيَّة وعلى وجه التحديد الوطني المصري ( حمدين صباحي) الرجل الذي فاجئ الجميع بموقفه الحازم من الرئيس المصريِّ الذي يعتبر خيار شعبي وديمقراطي طالب به ويطالب به الشعب المصريِّ.
هنا لسنا بصدد الدفاع عن شخص أو أيديولوجيا، بقدر تحليلنا وحرصنا على الحالة المصرية والاستقرار المصريِّ، ومصر الّتي تتعرض لحالة فوضى بعيدة عن جوهر الثوّرة المصريّة الّتي أرادت خيار شعبي ديمقراطي، وهو ما تحقق لها، فكان يجب عليها أنّ تحافظ على الاستقرار ومنح الفرصة للخيار الديمقراطي أنّ يعبّر عن حالته الديمقراطية، ومحاسبتها من خلال السُبل والطرق الرسميَّة الديمقراطيَّة ومنح السلطة الرئاسيَّة فرصة أنّ تُعيد صياغة مؤسسات الدولة بناء على أسس ثوّرية، وتشكيل مؤسسات السلطتين التشريعيَّة والقضائيَّة.
إنّ ما يحدث في مصر حاليًا من فوضى تلعب من خلالها العديد من القوى الخارجية والداخلية الّتي تمتلك مفاتيح التحريض الممنهجة والمخطط لها الّتي تقود مصر للمجهول، وما النزول للشارع لا يمكن أنّ حسمها في النزول إلى الشارع المصريِّ، وخلق حالة فوضى عارمة تكاد تعصف بمصر وأمنها ووحدتها، واستقرارها، وتقودها لحمام دماء لن يوقف سريانه قوة بعد ذلك، وتحقق المخطط الممنهج لفلول النّظام السابق والقوى الخارجية.
ما الحل؟
اللجوء للفوضى والعنف لن يحل المعضلة المصريِّة، ولن يثني المؤسسة الرئاسيَّة المصريَّة الّتي تعتبر نفسها خيار ديمقراطي وشعبي عن المضي قدمًا بسلوكها وسيَّاستها، ولذلك فهي تحاول اللجوء للتشريعات الثوّرية الطريق الأوحد الذي يمكن من خلاله استيعاب كلّ القوى والشخصيات الوطنيَّة المصريَّة لإعادة مصر إلى حالتها الثوّرية الديمقراطية الّتي ينصهر في بوتقتها الكل المصريِّ، من أجل استعادة التوزان للدولة المصريَّة السيَّاسيَّة، وانجاز الدستور المصريِّ، وانتخاب هيئة تشريعيَّة تحدد السلطات العامة للرئيس، وللمؤسسات الرسمية الوطنيَّة.
أما الحالة الحالية فهي ضرب من المراهنة على الفوضى لن تؤدي إلى لشرذمة مصر، وانتهاك لحرمتها السيَّادية، في معركة الأيديولوجيات السيَّاسيّضة والتطاحن الحزبي.
سامي الأخرس
29 نوفمبر( تشرين ثانٍ)2012-11-29

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت