المؤمنون يفرحون بفضل الله عزوجل وبرحمته ، ونحن المسلمون - وعلى وجه الخصوص أهل فلسطين - أحوج ما نكون إلى الله سبحانه وتعالى ، نستمد منه الهداية ، ونستمد منه الرزق ، ونلجأ إليه في الشدائد والكروب ، وقد أخرجنا من ديارنا ، وشتت أعداؤنا شعبنا في أقطار الأرض ، وبددوا شملنا ، ولا يزالون يمكرون بنا ، لا يقرون بحق ، ولا يوفون بعهد ، ولا ينجزون بوعد ، ويحاولون الليل والنهار الصد والمراوغة لئلا نسير في طريقنا الصحيح لنيل حقوقنا السليبة ، ولكن الله لنا خير حافظ وهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير ، وهذه المبشرات بالنصر تحققت لنا في بلادنا في غزة وفي الضفة وحيثما وجد أهل فلسطين ، وتوجت هذه المبشرات باعتراف الأمم بحقوقنا ودولتنا الليلة الماضية ، وعلينا أن نشكر الله عزوجل على هذه النعم التي تتوالى ، وأن نسعى جاهدين لتأسيس بنائنا المبارك ودولتنا العتيدة على التقوى من أول يوم ، و بملاحظة تاريخنا الطويل ، فلا يمكن لنا بناءٌ متين إلا بالاستناد إلى الماضي ، والوقوف على الحاضر ، والتطلع إلى المستقبل ، مستلهمين هداية ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وما كان عليه سلفنا الصالحون رضي الله عنهم ، وخلفهم المباركون جيلاً بعد جيلٍ حتى يومنا وساعتنا هذه ، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، اللهم فأتم علينا نعمتك ، ويسر لنا هدايتك ، وردنا إلى أهلنا وديارنا منصورين بك ربنا ، موفورين ، إنك على كل شيء قدير.
إخوة الإسلام :نزل في النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم قوله عز وجل في سورة الحج : { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } ، فقد قال الإمام ابن كثير في تفسير القرآن العظيم : (..قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الربيع الزَّهْرَاني، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب وهشام، عن محمد قال: قال عثمان بن عفان: فينا نزلت: { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ } ، فأخرجنا من ديارنا بغير حق، إلا أن قلنا: "ربنا الله" ، ثم مُكنّا في الأرض، فأقمنا الصلاة، وآتينا الزكاة، وأمرنا بالمعروف، ونهينا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور، فهي لي ولأصحابي وقال أبو العالية: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقال الصباح بن سوادة الكندي: سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو يقول: { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ } الآية، ثم قال: إلا أنها ليست على الوالي وحده، ولكنها على الوالي والمولى عليه، ألا أنبئكم بما لكم على الوالي من ذَلكم، وبما للوالي عليكم منه؟ إن لكم على الوالي من ذلكم أن يؤاخذكم بحقوق الله عليكم، وأن يأخذ لبعضكم من بعض، وأن يهديكم للتي هي أقوم ما استطاع، وإن عليكم من ذلك الطاعة غير المبزوزة ولا المستكرهة، ولا المخالف سرها علانيتها ) اهـ.
وقد جعل الشيخ السعدي رحمه الله ما تدل عليه الآية علامة نصر الله ودينه فقال في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان : (..ثم ذكر علامة من ينصره، وبها يعرف، أن من ادعى أنه ينصر الله وينصر دينه، ولم يتصف بهذا الوصف، فهو كاذب فقال: { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ } أي: ملكناهم إياها، وجعلناهم المتسلطين عليها، من غير منازع ينازعهم، ولا معارض، { أَقَامُوا الصَّلاةَ } في أوقاتها، وحدودها، وأركانها، وشروطها، في الجمعة والجماعات.{ وَآتُوا الزَّكَاةَ } التي عليهم خصوصا، وعلى رعيتهم عموما، آتوها أهلها، الذين هم أهلها، { وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ } وهذا يشمل كل معروف حسنه شرعا وعقلا من حقوق الله، وحقوق الآدميين، { وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ } كل منكر شرعا وعقلا معروف قبحه، والأمر بالشيء والنهي عنه يدخل فيه ما لا يتم إلا به، فإذا كان المعروف والمنكر يتوقف على تعلم وتعليم، أجبروا الناس على التعلم والتعليم، وإذا كان يتوقف على تأديب مقدر شرعا، أو غير مقدر، كأنواع التعزير، قاموا بذلك، وإذا كان يتوقف على جعل أناس متصدين له، لزم ذلك، ونحو ذلك مما لا يتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا به.
{ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ } أي: جميع الأمور، ترجع إلى الله، وقد أخبر أن العاقبة للتقوى، فمن سلطه الله على العباد من الملوك، وقام بأمر الله، كانت له العاقبة الحميدة، والحالة الرشيدة، ومن تسلط عليهم بالجبروت، وأقام فيهم هوى نفسه، فإنه وإن حصل له ملك موقت، فإن عاقبته غير حميدة، فولايته مشئومة، وعاقبته مذمومة ) اهـ.
أيها المسلمون يا عباد الله:في الآية العظيمة{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } القواعد الأربع التي تشكل الأساس الذي نبني عليه دولتنا المنشودة والماثلة أمام أعيننا وهي بين أيدينا إن شاء الله ونحن جميعاً بناتها وأساتها لا يتخلف أحدٌ لا رجل ولا امرأة ، يقول الشيخ أبو بكر جابر ابن موسى بن عبد القادر بن جابر الجزائري في تفسيره المسمى [ أيسر التفاسير ] : ( وقوله { الذين إن مكناهم } أي وطأنا لهم في الأرض وملكناهم بعد قهر أعدائهم المشركين فحكموا وسادوا أقاموا الصلاة على الوجه الملطوب منهم ، وآتوا الزكاة المفروضة في أموالهم ، وأمروا بالمعروف أي بالإسلام والدخول فيها وإقامته ، ونهوا عن المنكر وهو الشرك والكفر ومعاصِى الله ورسوله هؤلاء الأحقون بنصر الله تعالى لهم لأنهم يقاتلون لنصرة الله عز وجل ، وقوله تعالى : { ولله عاقبة الأمور } يخبر تعالى بأن مرد كل أمر إليه تعالى يحكم فيه بما هو الحق والعدل فيثيب على العمل الصالح ويعاقب على العمل الفاسد ، وذلك يوم القيامة ، وعليه فليراقب الله وليُتق في السر والعلن وليُتوكل عليه ، وليُنب إليه ، فإن مرد كل أمر إليه ) ثم يقول : ( من هداية الآيات .. بيان أسس الدولة التي ورثَ الله أهلها البلاد وملكهم فيها وهي: إقام الصلاة ، إيتاء الزكاة ، الأمر بالمعروف ، النهي عن المنكر ) اهـ.
أيها المسلمون : في الحديث عند الإمام مسلم وأحمد واللفظ له ، قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا هشام، حدثنا قتادة، عن مُطَرّف، عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم فقال في خطبته: "إن ربي، عز وجل، أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا، كل مال نحلته عبادي حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، ثم إن الله، عز وجل، نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان. ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشا، فقلت: يا رب إذًا يَثْلَغُوا رأسي فيدعوه خبُزَةً. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نُغْزِك، وأنفق عليهم فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بِمَنْ أطاعك مَنْ عصاك". قال: "وأهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مُقسط متصدق موفق ، ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم، ورجل عفيف فقير متصدق. وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زَبْرَ له، الذين هم فيكم تَبَعًا، لا يبتغون أهلا ولا مالا. والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك"وذكر البخيل، أوالكذاب، والشنظير: الفحاش ".
يا أهل فلسطين العمل الصالح فالزموا ، والسيئ فاهجروا ، والثبات الثبات على حقكم في بلادكم أنتم الأمناء المنصورون بإذن الله، ولكن أوفوا لله بشرطه يوف لكم بوعده ، ففي سورة النور الآية (55) قال تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }.
فلنتق الله إخوة الإسلام ، ولنعمل وفق الحنيفية السمحة ، والفطرة القويمة ، والطريقة المستقيمة ، كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ونهج السلف الصالحين ، ولنلزم السنة والطاعة والجماعة ، ولنتق الفتن من الشرك والبدع والمعاصي وأصحابها المفتونين ، يا عباد الله بل يجب أن نسعى لاستعادة الحق في القدس والمسجد إلى نصابه ، والعمل في ذلك على صوابه، والسبيل العودة إلى الله تعالى بالتوبة من الأخطاء وإصلاح العمل وفق السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " واللفظ للبخاري في كتاب الاعتصام،باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فيا إخواني أهل فلسطين أدعو نفسي وإياكم للاستقامة والتوحد بالعمل وفق سبيل واضح ليس فيه التواء طائعين لله وطائعين لرسوله صلى الله عليه وسلم بقرار واحدٍ وموقفٍ واحدٍ للتصدي لمخططات التهويد للقدس والتهجير لأهلها ، وسائر المكائد المتربصة بنا لابتلاع أرضنا وإضاعة حقنا ، ولندفع إلى المصالحة والإصلاح بين المتخاصمين منا في جميع الأحوال ولا مناص من الاتفاق والوفاق والتوافق الوطني المتسق مع الإسلام الدين الذي ندين، حتى لا تنقلب السفينة بنا جميعاً ويبتلعنا الموج العاتي للصراع الدولي القائم والمستمر في هذه المنطقة الهامة من العالم و لنوحد الله تعالى بصحيح الاعتقاد ، والإحسان إلى العباد ، والصلاح والإصلاح والعدل في البلاد ، ولنتجنب المفسدين والفساد ، ولنتحقق قبل التهور في طريق الجهل والعناد ، فالصدق مع اليقين لئلا تعتدى الحدود ، وتنتهك الحرمات ، وتضيع الأمانات ، ولنقدم ما قدمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولنؤخر ما أخره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن يجترئ على الله يجازه بمثله ، ولنأخذ أنفسنا بالعزائم وصالح الأعمال ، ولا نتتبع ما يهواه الضعاف الرويبضات عن المكارم من أشباه الرجال ، القانعين عن العظائم ببعض اللحم العالق بالعظام ، ولنظن بأنفسنا خيراً ولننشغل بما فيه صلاح أولانا وأخرانا ، ولنجعل التقوى سبيلنا ، والصبر مقيلنا ، والثبات والاستقامة على السنة والطريقة كهفنا ، والله غالب ٌعلى أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
بقلم/الشــيخ ياســين الأســطل
الرئيس العام ورئيس مجلس الإدارة
بالمجلس العلمي للدعوة السلفية بفلسطين
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت