فلسطين بعد عدوان غزة والدولة

بقلم: مصطفى إبراهيم

الانجاز والانتصار المعنوي الذي حققته المقاومة وأدائها المفاجئ والشجاع الذي اظهر مدى المثابرة والاستعداد المتواصل للتصدي للاحتلال وعدوانه المستمر على قطاع غزة تحسبا لهذه اللحظة، المقاومة استطاعت قصف تل ابيب ومنطقة القدس، كان للصمود الاسطوري وفشل اسرائيل في كسر عزيمة وإرادة الفلسطينيين، والالتفاف الشعبي من الكل الفلسطيني حول المقاومة دور كبير في تحقيق هذا الانجاز، واظهر حقيقه لا مجال للشك فيها ان الشعب الفلسطيني لديه القدرة على مقاومة الاحتلال، وانه مؤمن بان المقاومة بكل اشكالها هي السبيل الوحيد لدحر الاحتلال وإقامة دولته المستقلة.
اسرائيل ادعت ان اهداف العملية العسكرية التي خرجت من أجلها هي لتعزيز وتحقيق قوة الردع التي تآكلت عبر السنوات الثلاث الماضية، وانها تريد فرض هدنة طويلة الامد من خلال فرض شروطها على المقاومة بمساعدة الولايات المتحدة الامريكية والرهان على ان مصر بقيادة الاخوان ستعمل على كبح المقاومة خاصة حماس في اطار صفقة ما.
إلا ان اسرائيل لم تحقق الاهداف التي خرجت من اجلها، فالردع لم يتحقق والمقاومة حققت انجازات ونصرا معنويا، والتفاف الشعب حول خيار المقاومة، وإسرائيل اصيبت بالخيبة والشعور بالفشل، لكنها لم تقدم للفلسطينيين أي تنازلات سياسية مثل رفع الحصار، بل هي قدمت تسهيلات بفتح المعابر وحرية حركة على الشريط الحدودي وفي البحر، كما انها لم تحقق ما تصبوا اليه من هدنة طويلة الامد في محاولة منها لدفع غزة باتجاه مصر.
وهذا ما يدفعنا للتفكير في ما بعد العدوان، مع عدم التقليل من صمود المقاومة وشجاعتها وصمودها وتوجيهها ضربات مؤلمة لإسرائيل وعقيدتها الامنية، وأيضاً عدم التهويل والمبالغة بان ما قامت به المقاومة هو تسونامي، وان هناك ارتدادات للزلزال الذي احدثته ضربات المقاومة سنراها قريباً، هذه مبالغة و اوهام في ظل تفوق اسرائيل عسكرياً وسياسياً، ويجب علينا التنبيه منها ووضع حد لها خاصة وأننا شعب تحت الاحتلال والحصار ويعاني ويلاته وأننا ضحية الانتهاكات الاسرائيلية اليومية والعدوان المستمر واستهداف المدنيين والأطفال والنساء، ويجب علينا الاستمرار في لعب دور الضحية لان هذه هي الحقيقة، وعدم السماح لإسرائيل المساواة بين الضحية والجلاد.
كما ان المقارنة ظالمة مع ما تملكه المقاومة من قدرات عسكرية بسيطة وبدائية، وما تملكه اسرائيل النووية من قدرات عسكرية فائقة وتكنولوجيا متقدمة في المجال العسكري، فشعور إسرائيل العنصرية والعدوانية بالفشل، وما تملكه من فائض للقوة والغطرسة لا تستطيع العيش من دون حروب وعدوان وانتقام، والتسليم بما جرى خاصة ضرب تل ابيب، وخروج الناس في غزة للاحتفال بما حققوه من انجازات وصمود، فهي مجروحة وتنتظر الوقت المناسب للرد على الفلسطينيين، وهي لا تحتاج للتبريرات والتهدئة فهي مستعدة لخرقها تحت أي سبب وفي أي وقت.
وهي في كل جولة تحقق اهداف من الاهداف التي تضعها وتستخلص العبر عبر لجان الفحص والتقييم السياسي والعسكري والأمني، هذا يدفعنا إلى استخلاص العبر ليس من خلال جلد الذات والمقاومة بقدر ما هو تغليب المصلحة الوطنية العليا، والبحث عن الأساليب والوسائل المناسبة لاستمرار مشاركة الشعب الفلسطيني وقواه السياسية في مقاومة الاحتلال، وعدم جر شعبنا إلى حرب تريدها إسرائيل يدفع ثمنها الناس.
علينا التوقف عن ما يقوم به البعض من مزايدات وتهويل واتهامات بالتفرد بغزة ودفعها باتجاه مصر، وتغليب المصلحة الوطنية التي تتطلب العمل المشترك، والتوافق على آلية الرد على العدوان الإسرائيلي وكيفيته وبشكل موحد، وتجنيب شعبنا ويلات الحرب والدمار ليس من باب الضعف والاستسلام، لكن بما يخدم المصلحة الفلسطينية.
وهذا ما يتطلب من الفلسطينيين التوجه سريعا للقيام ببناء خطوات ايجابية وإجراءات بناء الثقة فيما بينهم خاصة ما تم تحقيقه بعد العدوان من وحدة وطنية حقيقية وتعطش الناس للوحدة الحقيقية يجب البناء عليها بسرعة واستغلال الانجاز السياسي الجديد بحصول فلسطين على صفة الدولة غير العضو في الامم المتحدة، وهذا ما يدفعنا للسؤال ماذا بعد؟
ما يهمنا في هذا الانجاز الرمزي هو اننا اصبحنا نتملك ادوات نستطيع ليس فقط التهديد بها بل القيام بها، وهي حقنا في التوجه الى المحكمة الجنائية الدولية، وما ينص عليه ميثاق روما، وحقنا في الشكوى ورفع الدعاوى ضد اسرائيل على ما ترتكبه من جرائم الحرب وإنصاف الضحايا، وكذلك الممارسات التي تقوم بها اسرائيل من بناء المستوطنات غير الشرعية التي ترفض إسرائيل حتى تجميدها.
ومن خلال هذه الأدوات، اذا قمنا باستغلالها بشكل جيد سكون بإمكاننا عزل اسرائيل دوليا ورفع الشرعية عنها وفضحها وحماية شعبنا من أي عدوان قادم، ووضع اسرائيل دولة الاحتلال تحت طائلة المحاكم، وحد لممارساتها العدوانية، وللرد على تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي نتانياهو بان القرار لن يغير شيئا على الارض، والانتقام والتهديد الاسرائيلي الذي جاء فوريا ببناء 3000 وحدة سكنية في القدس، لن يثنيا عن عزمنا في مواصلة النضال والمقاومة، والاتفاق على استراتيجية وطنية من اجل الحرية والاستقلال لدحر الاحتلال.
الخشية من الانجاز الدبلوماسي الذي حققه الرئيس محمود عباس، كذلك ما قدمه من التزام بالعودة للمفاوضات المباشرة مع اسرائيل من دون شروط مسبقة، وما قدمه من تعهدات لـ 11 دولة من دول الاتحاد الاوروبي مقابل التصويت لفلسطين للحصول على العضوية، ان يكون عائقا امام اتمام الوحدة الحقيقية وتعزز من مواقفه امام حماس، ونعود لما قبل العدوان على غزة وقبل الحصول على صفة الدولة غير العضو.
مع ذلك هذا يتطلب منا اقتناص الفرصة من الانجازات والانتصارات المعنوية، وأجواء الوحدة وتضامن الفلسطينيين مع انفسهم وتحديهم لغطرسة الاحتلال وعدوانه المستمر، والمضي في اجراءات الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، وبناء ما دمره الاحتلال في غزة وإعادة الثقة للفلسطينيين في نظامهم السياسي من خلال اعادة بناء المؤسسات الفلسطينية التمثيلية، وليكن شعار قبل العدوان والدولة ليس كما قبلهما.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت