قراءة في خطاب المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة

بقلم: أحمد إبراهيم الحاج


في المعركة الدبلوماسية الأخيرة بالأمم المتحدة آثرت الإستماع الى خطاب المندوب الإسرائيلي في رده على القرار الأممي بالإعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967م وذلك لإستنتاج الدروس الدبلوماسية التي ينتهجها العدو في دفاعه عن موقفه لعلنا نستنتج مقاومة دبلوماسية مضادة ونتعلم كيفية توظيف الأحداث على الأرض في تحركنا من خلال العملية الدبلوماسية المقاومة، وتوجيه عملنا النضالي ليخدم هدفنا السياسي.
ركز المندوب الإسرائيلي على ثلاثة نقاط أساسية في دفاعه ورفضه للقرار الأممي الكاسح وهي:
• الرواية التاريخية وهي رواية من نسيج الخيال والقصص الممجوجة والخزعبلات التي لا تستند الى حق واضح على الأرض، بالرغم من البحث المضني والحفريات المستمرة والدائبة في أرض فلسطين للعثور على أثر واحد يدلل على وجود يهودي والتي كلها باءت وستبوء بالفشل. ولو ذهبنا معه وصدقناه في ادعائه بأن فلسطين هي أرض أجدادهم منذ ثلاثة آلاف سنة، على الرغم من ظهور الباحثين المشككين في قيام مملكة سليمان على أرض فلسطين وأنا من المؤيدين لهم من واقع النص القرآني وقصة بلقيس ملكة سبأ باليمن، ولو أخذنا بحديثه ليكون قاعدة للأوطان القومية لكان للعرب الحق بالمطالبة بإسبانيا التي ما زالت آثارهم قائمة فيها وتشهد لهم بذلك، وهنالك الأمثلة الكثيرة في العالم على هذا المنوال، ولدارت حروب بالجملة لا تنتهي لمطالبة القوميات بأوطانها السابقة، ولكان للهنود الحمر وما تبقى منهم ونجا من حرب الإبادة أن يطالبوا بالولايات المتحدة الأمريكية التي تشابه في تكوينها ونشوئها إسرائيل.
• استند المندوب الإسرائيلي في دفاعه ورفضه الى نظرية الأمن لهذا الكيان الإسرائيلي الذي شبهه كجزيرة آمنة مطمئنة وسط بحر من الأعداء المعتدين الشرسين، والذي كان يدافع عن شعبه من عدوان فلسطيني على المدنيين الإسرائيليين العزل، وقارن بين الصواريخ المحدودة الفاعلية التي يطلقها الفلسطينيون من غزة على المدن الإسرائيلية المجهزة بالملاجيء والقبة الحديدية، وبين القاذفات العسكرية العملاقة التي تغير على المدنيين الفلسطينيين العزل في غزة المحاصرة وغير المجهزة بالملاجيء، وتلقي هذه القاذفات المتطورة بحممها من القنابل الذكية والعنقودية والصواريخ المدمرة على منازل المواطنين الفلسطينيين العزل في غزة. وأحدث المندوب الإسرائيلي توازناً عسكرياً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لا بل صورالميزان العسكري بأنه يميل قليلاً لصالح الفلسطينيين. وبين أن موت أربعة اسرائيليين في الحرب الأخيرة واحد منهم بسكتة قلبية يساوي موت حوالي مئة وسبعين فلسطينياً وحوالي الف وخمسماية جريح معظمهم من المدنيين من بينهم عائلة كاملة من اثني عشر شهيداً. من هنا نستنتج كيف يوظف الإسرائيليون الأحداث والعمل الفلسطيني المقاوم المشروع والذي هو بكل أسف غير ممنهج، وغير مبني على أساس من التخطيط والتنسيق الوطني الفلسطيني في إطار العمل المقاوم بشقيه العملياتي والدبلوماسي، وبدون احتساب دقيق لمعادلات القوة بين الخصوم، وجاء توقيت استخدامه في وقت غير مناسب كمقدمة غير متوائمة مع هذه المعركة الدبلوماسية في الأمم المتحدة حيث استخدمه الإسرائيليون حجة دفاع ربما كانت مقنعة لمن لا يفهم حقيقة الصراع القائم. وهنا لا يعني رفضنا لهذا النوع من السلاح المقاوم بقدر ما نعني متى وكيف نستخدمه ليوظف في صالح الأهداف السياسية التي تتمركز حول الإستقلال.
• استند المندوب الإسرائيلي في رفضه للقرار لعدم أهلية الفلسطينيين المنقسمين على جغرافية الدولة التي يطالبون بها، وقال أن عباس لا يسيطر على 40% من وطنه الذي يطالب به، وهنا يجب التدقيق في النسبة التي ذكرها المندوب الإسرائيلي، يعني أن الوطن الفلسطيني في نظرهم يساوي غزة + بقية الضفة الغربية ناقصاً القدس وما هو داخل الجدار العازل. وتبدو هذه النقطة الخاصة بالإنقسام الجيوسياسي الفلسطيني واقعية ومطابقة للواقع الفلسطيني المنقسم، وعليه يجب أن يكون الرد الفلسطيني سريعاً وعاجلاً بإنهاء هذا الإنقسام الذي أصبح حجة علينا أمام العالم. وكان في طرحه هذا محقاً لأننا نحن المخطئون. ويتوجب علينا هنا تصويب الخطأ لنستفيد ونعتبر من هذه المعركة.
كان النصر الفلسطيني الدبلوماسي مبهجاً ومفرحاً، وقد لاحظت الوجوم على وجوه أعضاء الوفد الإسرائيلي عند إعلان نتيجة التصويت، وبدا المشهد مظاهرة عالمية لصالح الحق الفلسطيني من خلال الترحيب والتصفيق لخطاب الرئيس وخطابات مندوبي الدول المؤيدة للقرار وخاصة وزير الخارجية التركي الذي من خلاله نشكر تركيا حكومة وشعباً على هذا الدعم.
نأمل أن يكلل هذا النجاح بعمل فلسطيني منظم متناسق ومتوحد حول هدف واحد وبرنامج وطني واحد، وأن يراعي توظيف الأحداث والأفعال على الأرض لتخدم الأهداف الوطنية المرسومة بنوايا مخلصة وصادقة، وأن يعمل على بطلان الدفاعات الإسرائيلية بعمل مضاد لهذه الحجج الواهية. وأن لا نتوقف عند هذا الإنجاز وأن نحسن استثماره قانونياً ودبلوماسياً وأن يكون مقدمة ومنارة لمراحل تالية ومتطورة في العمل الدبلوماسي الفلسطيني الذي يعززه العمل المقاوم المتوائم مع الواقع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت