لم نعد نطيقك كذبكم
وصف الرئيس الفرنسي السابق "ساركوزي" رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتانياهو" بأنه شخص كاذب، تذكرت تلك المقولة وأنا أستمع لكلمة مندوب حكومة الاحتلال في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تعقيباَ على طلب فلسطين بالاعتراف بها دولة مراقب في الأمم المتحدة، تقمص في كلمته كالعادة دور الضحية، وأن حكومة الاحتلال تبحث عن السلام، ولا تجد شريكاً فلسطينياً يمكن أن يحقق معها السلام في المنطقة، وكانت كلمة السلام هي الأكثر حضوراً في خطابه، وفي أحيان كثيرة اغتصبت مكانها بين الكلمات، وبطبيعة الحال جاء على الجملة المقيتة، التي لطالما كررها سيده "نتانياهو"، بأن إسرائيل تمد يدها للسلام، وأنه على استعداد للجلوس فوراً مع القيادة الفلسطينية لصنع السلام في المنطقة، ما لفت الانتباه أن الرئيس الفلسطيني قوطع أكثر من مرة بالتصفيق من قبل الحضور وهو يتحدث عن الحقوق والثوابت الفلسطينية، فيما المندوب الإسرائيلي، الذي أكثر من استخدام كلمة السلام ومحاولته المستميتة الظهور بمظهر الحمل الوديع، قوبل خطابه بجفاء ملحوظ، وكأن الحضور يتجرع كلماته الغير قابلة للهضم والابتلاع.
المهم في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار الاعتراف بفلسطين كدولة مراقب في الأمم المتحدة لم يكن بعدد الدول التي قالت نعم، فالجميع كان يعرف مسبقاً أن القرار سيحظى على أغلبية مريحة، ولكن الأهمية تكمن في بعض الدول التي قالت نعم أو حتى في تلك التي امتنعت عن التصويت، وكانت تنتظر حكومة الاحتلال منها أن تقول لا للقرار، بالتأكيد أعين المهتمين كانت تتجه صوب دول الاتحاد الأوروبي، فذهبت جمهورية التشيك لوحدها من بين دول المجموعة الأوروبية إلى المربع الأمريكي الإسرائيلي، فيما بقية دول الاتحاد الأوروبي اختارت بين النعم والامتناع عن التصويت.
لا شك فيه أن نتيجة التصويت على القرار يحمل العديد من الدلالات التي لا يمكن لأي متتبع تجاهلها أو التقليل من أهميتها والتي تتمثل في التالي:
أولاً: أن الولايات المتحدة بتبنيها للموقف الإسرائيلي وجدت نفسها في عزلة عن المنظومة الدولية، ولم تفلح تهديداتها والضغوط التي مارستها على العديد من دول العالم في جذب القليل من هذه الدول لمربعها، حتى تلك الدول التي تدور في فلكها تمردت هذه المرة على تعليماتها وخالفتها الرأي والقرار، ولعل الشعور بفشلها وعجزها دفع مندوبتها لانتقاد القرار في كلمتها التي أعقبت التصويت، وحملت نبرات صوتها ملامح الهزيمة.
ثانياً: أن دول الاتحاد الأوروبي شقت هذه المرة عصا الطاعة لأمريكا، وإن كانت دول مهمة في المجموعة الأوروبية قد صوتت لصالح القرار، إلا أن الدول الأخرى الصديقة لدولة الاحتلال لم تتجرأ على معارضته، فلجأت إلى الامتناع عن التصويت وهذا بحد ذاته ضربة موجعة للسياسة الإسرائيلية.
ثالثاً: أن الدول التي شاركت أمريكا وإسرائيل في رفض القرار هي دول خارجة عن التغطية في صناعة السياسات الدولية، باستثناء كندا التي لم تستطع أن تبتعد كالعادة عن المظلة الأمريكية، وأعتقد أن تصويت كندا في الجمعية العامة للأمم المتحدة سيكون مادة مهمة في يد المعارضة في الانتخابات القادمة.
رابعاً: سجلت الدبلوماسية الفلسطينية نجاحاً ملحوظاً في حشد التأييد الدولي للقضية الفلسطينية، وأحدثت اختراقات مهمة سيكون لها انعكاسات ايجابية في المستقبل القريب على العلاقات الثنائية وبما يدعم حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
ما يمكن أن نخلص إليه أن دول العالم سئمت كذب حكومة الاحتلال، وأنها لم تعد تطيق عنجهيتها وصلفها، وأنها ترغب في وضع نهاية لأطول احتلال في العالم، وأنها باتت تؤمن بضرورة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، حتى أصدقاء إسرائيل أخذوا بالابتعاد عنها، وبالتأكيد أن هذه الحكومات ما كانت لتتخذ ذلك دون أن يكون هنالك تغير كبير في الرأي العام لدى شعوبها فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فاستطلاعات الرأي المختلفة داخل دول الاتحاد الأوروبي حملت إسرائيل دوماً المسؤولية الأساس في تهديد السلم الدولي، وداخل الدول الصديقة لإسرائيل لم يكن الحال بأفضل منه عن باقي الدول الأوروبية.
بالمقابل بات من الضروري على الدول العربية أن تأخذ بعين الاعتبار نتائج التصويت وتترجم سياستها الخارجية بما يتناغم مع هذه النتائج، وأولها أن تشعر الإدارة الأمريكية بأن تبنيها للموقف الإسرائيلي أضر بمصالحها في المنطقة العربية، فلا يعقل أن نستمر في تلقي الضربات من أمريكا دون أن نحرك ساكناً، وإن كنا نتحدث عن ربيع عربي فما الذي يتضمنه هذا المعنى إن خنعت دوله للإرادة الأمريكية؟، وإن كانت دول العالم سئمت من كذب إسرائيل ولم تعد قادرة على استيعاب المزيد منه، فنحن أيضاً سئمنا من الموقف الأمريكي المتبني دوماً للسياسة الإسرائيلية، وحان الوقت كي نقول لها كفى لم نعد نطيق وجهكم القبيح.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت