فلسطين على خارطة الامم .. وينتظرها الكثير

بقلم: عباس الجمعة


تنتظر فلسطين بعد ان اصبحت دولة لها مواصفات الدول المعروفة على خارطة من اجل متابعة الصراع الطويل لتبيت وجودها على الارض، ولهذا نرى ان فلسطين بعلمها المرفوع في افراح الشعب الفلسطيني المصمم على مواصلة النضال باعتبار ان هذه خطوة الألف ميل حتى يرسم الشعب الفلسطيني الحاضر والمستقبل من خلال أجياله ومن اجل كتابة مجد الثورة الفلسطينية المعاصرة في الحرية والاستقلال والعودة .
إن ما يحسب للقيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) هو إصرارها ورغم الظروف الاستثنائية القاسية التي تمر بها المنطقة العربية والتغيرات التي خلخلت موازين القوى منذ مطلع التسعينيات في تعدد القطبية وانفراد القطب الواحد للتحكم في السياسات الدولية الاستراتيجية، وغيرها من ظروف الانقسام الفلسطيني الداخلي التي مرت - ونتمنى أن تزول عواملها سريعاً من اجل المضي قدماً صوب تحقيق حلم الشعب الفلسطيني.
ربما تتذكر وقفة الزعيم الفلسطيني الرئيس الرمز ياسر عرفات بـ "بكوفيته" التي باتت رمزاً للنضال والحرية عام 1974 في مبنى الأمم المتحدة حين حصلت منظمة التحرير الفلسطينية على الاعتراف بها ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني وحصول المنظمة على صفة مراقب في المنظمة الدولية كحركة تحرر وطني، وما وقفة الرئيس عباس في المنصة ذاتها إلا امتداد لأيام النضال المشرف ، ولقد أثبت الفلسطينيون أنهم أقوى من الظروف المرة التي عاشوها لعقود، وأثبتوا للعالم أن الحرية أغلى من الدم ، مهما اشتدت المؤامرات لن تنال يوماً من تشبث الشعب الفلسطيني بحقوقه.
من المهم أن تدرك الفصائل والحركات الفلسطينية المختلفة وهي تحتفل بهذا الإنجاز التاريخي أن طريق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة لا يزال طويلاً وشائكًا ويستوجب الكثير من الجهد، وفي مقدمة هذا الجهد تحقيق الوحدة الوطنية ورصّ الصف الداخلي استعدادًا لاستحقاقات المرحلة القادمة، التى تقتضي إنجاز المصالحة الوطنية التي أصبحت ضرورة ملحة وواجبة على الجميع، ولذلك فإن المطلوب العمل على توحيد الصف الوطني وتتويجه بتشكيل حكومة وحدة وطنية، والتي لن تتم إلا بتغليب المصالح الوطنية العُليا.
اليوم نحن امام واقع سياسي جديد يتجلى فيه الانهزام والانقسام العربيان اللذان ينعكسان على قضية فلسطين وشعبها بأشكال سلبية عدة، وفي ظله يقبل الفلسطينيون والعرب، هذه الدولة، الملغمة بالمستوطنات وبمخططات لتهويد القدس، تجعل وضعها عقدة العقد بوصفها المدينة المقدسة وعاصة لدولة فلسطين ، حيث ان الاحتلال يواصل صلفه وعنجهيته تلك يهدد ويتوعد معتمدا على الدعم غير المحدود الذي تقدمه له الولايات المتحدة الاميركية وعلى قوتها وقوة حلفائها د المساندة تاريخيا للاحتلال الصهيوني وإرهابه وممارساته العنصرية وعدوانه المتجدد على الشعب الفلسطيني.
ان قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة بانضمام دولة فلسطين كدولة غير عضو يفرح الشعب الفلسطيني، ويسجله يوما تاريخيا مشرقا في مسيرة نضاله السياسي الدبلوماسي على الخصوص، وهو يوم يغيظ أعداءه واعداء الانسانية الصهاينة ومن يأتمر بأوامرهم ، ونحن مع ان يفرح شعبنا الفلسطيني العملاق في صبره وصموده ومقاومته وتضحياته وتمسكه بحقوقه، شعبنا الخارج بنصر على العدوان الصهيوني الاخير في غزة الذي كلف الكثير، ولكنه نصر للحق والشعب والمقاومة والارادة.
ان القرار الدولي التاريخي بمنح فلسطين صفة (دولة غير عضو بصفة مراقب)، يمكن الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال الصهيوني، من خلال دولته المعترف بها عالميا اليوم، والمعترف بها عربيا منذ الاعلان عنها بلسان الرئيس الشهيد ياسر عرفات في مؤتمر الجزائر عام 1988 ، من المشاركة بالاجتماعات العامة دون حق التصويت، وطلب الانضمام لبروتوكول المحكمة الجنائية الدولية والكثير من الاتفاقيات العالمية، الأمر الذي يجعله قادرا على اقامة دعاوى قضائية دولية ضد الجانب الإسرائيلي على الخصوص، والمطالبة بقوة معززة بموقف دولي ينهي الاحتلال، لان الدول المعترفة بدولته لا توافق على بقاء الدولة التي اعترفت بها تحت الاحتلال ، والانضمام إلى هيئات الامم المتحدة الكثير ومنها مجلس حقوق الانسان، وإلى اتفاقيات جنيف وملحقاتها، لا سيما الاتفاقية الرابعة، والدخول في المواثيق الدولية المتعددة.
ان هذه الخطوة التي تأتي في ظل التردي العربي الراهن تشكل "انجازا" للقيادة الفلسطينية ولكنها يجب ان تبقى قضية حق تقرير مصير لشعب فوق ارض وطنه المحتل وانها بدون قضية لاجئين لا يمكن الشعور بالفرحة، وان هذا الحق هو مقدس قضى على طريق تحقيقه عشرات الالاف من شهداء فلسطين والامة العربية واحرار ناصروا قضية عادلة لشعب عظيم.
نبارك لشعبنا هذا الانتصار ، ونبقى من المتشبثين بحق الشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين كل فلسطين ، ونذكر بأن فلسطين عربية لشعبها في كل ذرة من ترابها ومفصل من تاريخها ، وان تحرير فلسطين مسؤولية عربية قومية عامة تقع على عاتق العرب المؤمنين بأمتهم وحقوقها وكرامتها، وفي المقدمة الشعب الفلسطيني المؤمن بحقه التاريخي في وطنه فلسطين، والمتمسك بحق تقرير مصير تام وشامل ومشرف، وفي مقدمته حق العودة وتقرير المصير بحرية على كامل التراب الفلسطيني.
ان هذا الوقت بالذات نؤكد ان اعلان دولة فلسطين كدولة غير عضو هي دولة يمليها الحق الطبيعي لشعب وليست منة من أحد عليه، وانها لا يمكن ان تكون منقوصة السيادة على جغرافية فلسطين التاريخية كلها بنسيجها السكاني الغني، فهي دولة الشعب على كامل ارضه.. وهو ما بذل الشهداء على طريقه دمهم وفي مقدمتهم الرئيس الرمز ياسر عرفات وابو العباس وجورج حبش وابو علي مصطفى وطلع يعقوب وسمير غوشه وفتحي الشقاقي والشيخ احمد ياسين وعمر القاسم وعمر شبلي" ابو احمد حلب ، وعبد الرحيم احمد وزهير محسن وفضل شرورو، وما ضحى الأسرى والمعتقلون وغيرهم من اجله، وما يجب ان نحفظه لهم من اهداف ونعمل على تحقيقه.
ومن هنا، فان الرد الطبيعي على الاستمرار في الاستيطان والاستهتار بالشرعية الدولية، وحقوق الشعب الفلسطيني غير قابلة للتصرف، يجب ان يخرج من مربع التنديد والاستنكار، والشجب والادانة، الى دائرة الفعل الحقيقي الموجع، بعد ان ثبت ان نهج الادانة قد فقد صلاحيته منذ زمن بعيد، واصبح فاقداً لمعناه، لا بل يشجع العدو على الاستمرار في تنفيذ مشاريعه الاجرامية التوسعية، ما يستوجب مراجعة عربية فلسطينية لمسيرة هذا الصراع، وللمسيرة السلمية التي استغلها العدو لتكريس الامر الواقع، وادت الى مصادرة اكثر من 60% من اراضي الضفة الفلسطينية، و86% من اراضي القدس ورفضه المطلق الاعتراف بالحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني واصراره على تهويد القدس والاقصى، وهذا ما اعلنه مندوب دولة العدو في الامم المتحدة في كلمته عشية التصويت على القرار.
فلسطين اليوم تضع المجتمع الدولي بأسره أمام الامتحان الأخلاقي الكبير في عصر الحرية والاستقلال والديمقراطية فالعالم عليه أن يختار ما بين استمرار الظلم والعدوان والاحتلال والفاشية وما بين إنجاز الحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني والعدل والسلام للعالم اجمع .
ان فلسطين تضع العالم أمام مسؤولياته في زمن لم يعد فيه مكان لشرعنة الاحتلال والاستيطان ولا مكان للفاشية أو الديكتاتورية، فالعالم معني بوضع حدٍ للتسلط الصهيوني وإنهاء احتلاله للأراضي الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المشروعة، وقبول فلسطين عضواً كامل العضوية في المجتمع الدولي.
وفلسطين اليوم لا تستجدي هذه الحقوق المشروعة من الأمم المتحدة وجمعيتها العامة، وإنما هي تنتزع هذه الحقوق، وعلى الأمم المتحدة القيام بواجبها الأخلاقي والقانوني في هذا الشأن، مستندة إلى الحق الطبيعي للشعب الفلسطيني وإلى المسيرة الطويلة من الصبر والصمود والنضال والكفاح التي سطرها الشعب الفلسطيني على كافة المستويات وقدم خلالها التضحيات الجسام من أجل تحقيق أهدافه المشروعة التي يقرها ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها في هذا الشأن.
الدولة الفلسطينية قادمة لا محالة، وعلى الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تنحاز إلى الشرعية الدولية التي يمثلها الطلب الفلسطيني بالارتقاء بعضوية فلسطين دولة مراقب، كخطوة هامة على طريق إنهاء آخر احتلال على وجه الكرة الأرضية، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المشروعة في وطنه، وقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس مع ضمان حق العودة لشعبنا اللاجئ الى دياره وممتلكاته التي هجر منها وفق القرار الاممي 194 .
مجمل القول: ان مواجهة المرحلة القادمة تستدعي موقفا عربيا وفلسطينيا حازما ، وهذا يتطلب من كافة الفصائل والقوى ان تدرك وهي تحتفل بهذا الإنجاز التاريخي أن طريق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة لا يزال طويلا وشائكا ويستوجب الكثير من الجهد، وفي مقدمة هذا الجهد تحقيق الوحدة الوطنية ورصّ الصف الداخلي استعدادا لاستحقاقات المرحلة القادمة، التى تقتضي إنجاز المصالحة الوطنية التي أصبحت ضرورة ملحة وواجبة على الجميع، ولذلك فإن المطلوب العمل على توحيد الصف الوطني وتتويجه بتشكيل حكومة وحدة وطنية، والتي لن تتم إلا بتغليب المصالح الوطنية االعليا للشعب الفلسطيني .
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت