رسائل وقحة
دعوني أكرر أن هذه الإدارة على غرار الإدارات السابقة أبلغت إسرائيل بوضوح شديد أن هذه الأنشطة الاستيطانية تؤدي إلى تراجع قضية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، هذا ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون" تعقيباً على قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر ببناء ثلاثة آلاف وحدة استيطانية في القدس الشرقية والضفة الغربية، وجاء القرار الإسرائيلي بعد ساعات قليلة من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اعترف من خلاله المجتمع الدولي بدولة فلسطين كمراقب غير عضو في الأمم المتحدة، التعقيب الأمريكي على قرار إسرائيل ببناء المزيد من الوحدات الاستيطانية لم يختلف على سابقه، وكأن الإدارة الأمريكية باتت عاجزة كلياً عن ممارسة أي ضغوطات على حكومة الاحتلال، رغم ما تسببه قرارات حكومة الاحتلال من إحراج لها، وهذا يعيد للأذهان القرارات السابقة التي اتخذتها حكومة الاحتلال بالتوسع الاستيطاني والتي جاءت بتوقيت فيه الكثير من الاستفزاز للإدارة الأمريكية، فقد سبق لها أن اتخذت قراراً ببناء المزيد من الوحدات الاستيطانية في مارس عام 2010 أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي "جوزيف بايدن" إلى إسرائيل، وعادت تكرر الشيء ذاته في ابريل عام 2011 أثناء زيارة رئيس دولة الاحتلال "شمعون بيرس" إلى أمريكا.
القرار الإسرائيلي ببناء الوحدات الاستيطانية الجديدة يحمل أكثر من رسالة:
أولاً: أنه يأتي كرد فعل من حكومة الاحتلال على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، لإيصال رسالة للمجتمع الدولي مفادها أن قراراتكم لا تغير من الواقع شيئاً، وفيه أيضاً تحدي سافر لمنظمة الأمم المتحدة مفاده أن ما يصدر على هذه المنظمة من قرارات ليست محل احترام من دولة الاحتلال.
ثانياً: أن التوسع الاستيطاني هذه المرة جاء في منطقة "أي 1"، وهي المنطقة الفاصلة بين مستوطنة معاليه أدوميم والقدس، والتي من شأنها أن تخلق تواصلاً جغرافياً بينهما، وهذا بدور سيعمل على فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، ورغم حساسية هذه المنطقة وقد سبق للإدارة الأمريكية أن حذرت إسرائيل بعدم البناء فيها، إلا أن القرار الإسرائيلي بالبناء فيها يهدف إلى خلق واقع جديد يصعب من خلاله الحفاظ على التواصل الجغرافي المطلوب لتجسيد الدولة الفلسطينية.
ثالثاً: أن إسرائيل ماضية قدماً في التوسع الاستيطاني رغم كل الانتقادات الدولية لها، بما في ذلك ضربها بعرض الحائط لقرار محكمة العدل الدولية التي أكدت فيه على عدم مشروعية الاستيطان ويجب إزالته.
رابعاً: أن قرارها يأتي لممارسة المزيد من الضغوطات على القيادة الفلسطينية لدفعها على العودة من جديد لمسار المفاوضات دون توقيف أو تجميد للاستيطان.
مما لا شك فيه أن سياسة التوسع الاستيطاني تسعى حكومة الاحتلال من خلالها لوأد الدولة الفلسطينية المستقلة، من خلال خلق وقائع على الأرض تعمل على عزل التجمعات السكانية الفلسطينية عن بعضها البعض، وأن حكومة الاحتلال تبحث عن المزيد من الوقت لتنفيذ سياستها الاستيطانية، ويشكل ذلك التحدي الأكبر الذي يواجه القيادة الفلسطينية، ولعل هذا ما دفع الرئيس الفلسطيني للربط بين تجميد الاستيطان والعودة للمفاوضات.
بعد الانجاز الدبلوماسي الفلسطيني الهام في انتزاع اعتراف المجتمع الدولي بفلسطين دولة مراقب، بات علينا أن نستخدم كل الأوراق التي يتيحها هذا الاعتراف نحو تجسيد الدولة الفلسطينية، وملاحقة حكومة الاحتلال قانونياً في المنظمات الدولية المختلفة، وهذا يتطلب منا مواصلة هجومنا الدبلوماسي والقانوني، ومواجهة الاستيطان يجب أن يحتل سلم أولويات عملنا، خاصة وأن المجتمع الدولي، بما فيه الإدارة الأمريكية، يقر بعدم مشروعيته وأنه عقبة أساسية في وجه السلام في المنطقة، وبات من الضروري أيضاً تغيير أدواتنا في مواجهة عربدة المستوطنين.
إن التحديات الكبيرة التي تواجه مشروعنا الوطني، وحاجتنا الماسة لترجمة قرار الجمعية العامة عملياً على أرض الواقع، خاصة في ظل الإجماع الفلسطيني على أهمية القرار، تتطلب منا أن نطوي صفحة الانقسام دون تباطؤ، ونتوافق حول حكومة وحدة وطنية ببرنامج متفق عليه للمرحلة القادمة يستند على المتغيرات الأخيرة المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويحتاج من الكل الفلسطيني الالتفاف خلف القيادة الفلسطينية والبرنامج المتفق عليه.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت