اسرائيل تتحدى حلفاءها أم أن الأمر أخطر ؟

بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي

هناك مشهد مكرر منذ قيام الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين في صورة الصراع الفلسطيني العربي الإسرائيلي ، ويتلخص في " كل نصر عسكري فلسطيني عربي على الكيان الإسرائيلي يعقبه حراك سياسي ينتهي بتحقيق مصلحة إسرائيلية وكل إنجاز سياسي فلسطيني عربي يعقبه تصعيد عسكري إسرائيلي يفرغ الإنجاز السياسي من مضمونه ".

ولدينا في هذه المرحلة انتصار عسكري وإنجاز سياسي ، أما الانتصار العسكري فقد عقبه تحرك سياسي يتلخص في جهود التهدئة التي تم التوصل إليها بين الأطراف المعنية بالمواجهة وبرعاية مصرية أمريكية أممية ، وبدأت العملية السياسية التفاوضية لقطف ثمار المواجهة العسكرية ولكنها في نهاية المطاف فعل سياسي مليء بالتفاصيل التي تزداد وتتعقد فصولها كل يوم ، ودائما يحرص قادة الكيان الصهيوني على تعويض خسارتهم في المعركة بربح في عملية التفاوض مستندين على خبرتهم الطويلة في هذا المجال وقدرتهم على الخداع والمماطلة ومستندين على القوى التي تقف خلفهم وتدعمهم وكذلك على ما يملكونه من قوة واستقرار ومؤسسات والتقاء مصالحهم مع مصالح أطراف عديدة في المنطقة .

وهناك إنجاز سياسي كبير تحقق في الأمم المتحدة حيث صوتت غالبية دول العالم لصالح منح فلسطين مكانة دولة عضو مراقب في الأمم المتحدة وهذا الإنجاز السياسي واجهه لكيان الإسرائيلي بإعلان الحرب المباشرة على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية بإعلانها الموافقة على بناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية استيطانية في المنطقة الممتدة من القدس الى عمق الضفة الغربية وهذا المخطط في حال تنفيذه تكون الحلقة الأخيرة قد اكتملت في استحالة حدوث تواصل جغرافي بين محافظات الضفة الغربية مما يعني استحالة قيام الدولة الفلسطينية الموعودة .

وهكذا تستمر السياسة الإسرائيلية فعل سياسي عقب أي مواجهة عسكرية وفعل مقاوم عقب كل نصر سياسي ، وكل هذا على مرأى وسمع المجتمع الدولي الذي صوت لصالح الحق الفلسطيني قبل أيام ، ولكن هل ما يقوم به الكيان الإسرائيلي يشكل تحديا للمجتمع الدولي وخاصة الأطراف الحليفة والداعمة له مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمانيا وبريطانيا ؟ أم هناك رؤية إسرائيلية تحاول بكل ما اتملك من قوة لفرضها على الأطراف الدولية والإقليمية ؟ وهذه الرؤية قد لا تكون بعيدة عن بعض الأطراف المحلية ، وقد لا تتعارض مع كل ما يحدث من انتصارات وإنجازات سواء سياسية أو عسكرية .

السيناريو الأسوأ الذي سنبقى دائما من التحذير منه هو ما يدور في عقل بعض قادة الكيان الإسرائيلي بأنهم يعترفون بحق الشعب الفلسطيني في قيام دولة لهم وأن قيام دولة فلسطينية هي مصلحة إسرائيلية للتخلص من بقايا الشعب الفلسطيني المتواجد في القلب الإسرائيلي وستكون هذه الخطوة الأكثر عملية لتحقيق يهودية الدولة الإسرائيلية لأنه لا يمكن الوصول الى هذا الهدف طالما هناك حوالي مليونين فلسطيني داخل الكيان الإسرائيلي وحوله تكاثر كبير من الشعب الفلسطيني – أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية - ، ولكن في نفس الوقت لا يرغب الكيان الإسرائيلي أن تكون الدولة الفلسطينية في قلبه وفي عمقه – الضفة الغربية – ولكن يجب قيام هذه الدولة على مساحة يمكن السيطرة عليها أو التحكم في حدودها ، ومن هنا فلا خلاف أن تكون الدولة الفلسطينية على مساحة الأرض التي تم احتلالها في الرابع من حزيران 1967 وليس على حدود الرابع من حزيران 1967 ، ومن هنا نحذر من خطورة هذا السيناريو الذي لازال يراه البعض أنه مستحيل ولا يمكن حدوثه بينما من يقرأ بواطن الأمور ويرسم الصورة بشكل ينسجم مع هذه الرؤية يجد أن ملامحها بدأت تبرز بشكل أكثر وضوحا ، الكيان الإسرائيلي لا يتحدى حلفاءه ولكنه يطلب منهم مساعدته فقط في منحه ىالوقت الكافي لتنفيذ على الأرض ما سيتم التوافق حوله مستقبلا بحيث ستخرج كل الأطراف راضية ومنتصرة في نهاية المطاف ، سيكون هناك دولة فلسطينية كاملة السيادة في قطاع غزة مع توسيعه بذات المساحة التي تم مصادرتها في الضفة الغربية مع زيادة – مراعاة الكم والكيف في طبيعة الأرض - ، تبادل مدن مع سكانها مقابل المستوطنات الكبيرة وحل مقبول للمقدسات الإسلامية والمسيحية – تدويل القدس - ، وتأييد غالبية دول العالم لهذا الحل وتقديم كل الدعم المطلوب لإعادة تأهيل اللاجئين الفلسطينيين على أراضيهم التي ستنسحب منها إسرائيل وهي الأرض الفلسطينية التي تم احتلالها في العام 1948 ، وكل ذلك سيعتبره البعض مرحلة متقدمة لاستكمال التحرير فيما بعد وهذا حقه .

هذا السيناريو الذي يفكر فيه بعض قادة الكيان الإسرائيلي وبالتأكيد ليس كل ما يخطط له عدونا سينجح بالضرورة ، ولكن من حقنا أن نعلم ذلك ونضعه في حساباتنا ، ولعل المصالحة الفلسطينية ستقطع الطريق أمام كل اجتهاد وستعيد ربط أطراف – بقايا الوطن – ببعضه ، مع التحذير أن لا يأتي البعض للمصالحة وفي رأسه تنفيذ ما نحذر منه ، هناك مفاوضون بارعون في الحلول السهلة وتحقيق الانجازات السريعة ولا يرغبون في إغضاب الراعي الأمريكي لدواعي المصلحة العامة وهناك دعاة التجريب تحت شعار " ليس لدينا ما نخسره " ، وهناك من يحسن فن التسويق لكل حل ويجد فيه من الاإيجابيات أكثر من السلبيات ، وهناك الأطراف العدمية التي لا تملك أي رؤية لأي حل قادم وكل ما يملكونه هو فن الرفض المطلق .

ولاشك أن قابل الأيام تحمل لنا الكثير مما نجهله اليوم أو ما نحاول تحليله .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت