شيء من النخوة
تنوع رد الفعل الأوروبي على قرار حكومة الاحتلال بناء ثلاثة آلاف وحدة استيطانية في القدس الشرقية والضفة الغربية، لكن المهم في رد الفعل الأوروبي أنه جاء من أكثر من دولة أوروبية في ذات الوقت، حيث أقدمت كل من بريطانيا وفرنسا واسبانيا والسويد والدنمارك على استدعاء السفير الإسرائيلي لديها، ووصلت إسرائيل رسائل لم تعهدها من قبل، الحكومة البريطانية وعبر مصدر رسمي أكد على أن كافة الخيارات موضوعة على طاولة البحث، سواء ما يتعلق منها بسحب السفير البريطاني من إسرائيل أو فرض مجموعة من العقوبات بالتنسيق مع دول الإتحاد الأوروبي، فيما الموقف الفرنسي لم يبتعد كثيراً عن الموقف البريطاني، حيث وصف وزير خارجيتها القرار الاستيطاني بالخطير ويشكل عقبة جدية أمام حل الدولتين، وسلمت السويد رسالة احتجاج شديدة اللهجة للسفير الإسرائيلي، فيما وجهت الخارجية الألمانية دعوة صريحة للحكومة الإسرائيلية بالتراجع عن قرارها.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية وصفت رد الفعل الأوروبي بالتسونامي السياسي، فقد دأبت حكومة الاحتلال على سماع ردود أفعال من الدول الأوروبية ضمن حيز الرد اللفظي، والتي غالباً ما يتم فيها وصف التوسع الاستيطاني بأنه عقبة في وجه السلام في المنطقة، لكن رد الفعل الأوروبي هذه المرة جاء على غير المتوقع بالنسبة لحكومة الاحتلال، وهنالك جملة من الأسباب تقف وراء ذلك:
أولاً: أن الدول الأوروبية التي امتنعت عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حول قرار الاعتراف بفلسطين دولة مراقب غير عضو، لم تتمكن بعد من معالجة موقفها داخلياً، فقد وصفت الصحافة البريطانية موقف حكومتها يومها بالجبن ويغيب عنه البعد الأخلاقي، وبالتالي لم تكن هذه الحكومات بحاجة إلى لطمة أخرى من قبل حكومة الاحتلال.
ثانياً: أن الموقف الأوروبي المتقدم نسبياً ما كان له أن يخرج بدون ضوء أخضر إن لم يكن بتنسيق مع الإدارة الأمريكية، خاصة وأن الأخيرة تلقت صفعة من نتائج تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، ظهر من خلاله أن سطوتها ونفوذها يكاد يقتصر على دول قليلة العدد ولا وزن لها في المنظومة الدولية، ولم تخرج الإدارة الأمريكية بعد من فشلها في الأمم المتحدة حتى أقدمت حكومة الاحتلال على قرارها بالتوسع الاستيطاني الذي يزيد الطين بلة ويشكل إحراجاً مضاعفاً للإدارة الأمريكية.
ثالثاً: أن قرار حكومة الاحتلال ببناء الوحدات الاستيطانية الجديدة جاء في منطقة "E1" شديدة الحساسية، حيث يعمل التوسع الاستيطاني في هذه المنطقة على عزل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، مما يعني إجهاض حل الدولتين.
رابعاً: أن التوسع الاستيطاني جاء بعد اعتراف المجتمع الدولي بفلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة، وبالتالي هنالك حقائق جديدة لها ارتباطها القانوني بمنظومة العمل الدولي، والقرار الاستيطاني الإسرائيلي فيه تحد سافر لأبجديات عملها.
القيادة الفلسطينية رحبت بالموقف الأوروبي، المثير للدهشة أن الموقف الأوروبي جاء في ظل صمت عربي مطبق، باستثناء "الاستنكار" الذي جاء من جامعة الدول العربية الذي لا يغني ولا يسمن من جوع، اللحظات الحاسمة لا يجوز التردد أو التخاذل فيها، نحن اليوم أمام واقع جديد لم تعد فيه مصطلحات الشجب والإدانة والاستنكار ذات قيمة، قد نتفهم المشاكل الداخلية التي تعاني منها بعض الدول العربية، وبخاصة الشقيقة الكبرى مصر، ولا ننتظر من الدول العربية أن تحرك جيوشها، كل ما نطمع فيه أن ينشط وزراء الخارجية العرب لتكثيف الجهد الدبلوماسي، لنطور به الموقف الأوروبي لمجابهة المخطط الإسرائيلي الذي يهدف لوأد الحلم الفلسطيني بالدولة المستقلة، كنا ننتظر من الدول العربية موقفاً تجاه الدول التي صوتت ضد قرار الاعتراف بفلسطين دولة مراقب غير عضو، وعتاب منها للدول التي امتنعت عن التصويت، لكن على أي حال نحن اليوم بحاجة منهم لرسالة تصل الإدارة الأمريكية فيها شيء من النخوة العربية التي لطالما تضمنها منهاجنا الدراسي، رسالة بكلمات قليلة "لم نعد قادرين على تحمل المزيد من الاهانات، ليت اللجنة الوزارية العربية المصغرة تلتئم سريعاً لوضع خطة لتحرك دولي فاعل لمواجهة هذه العربدة الإسرائيلية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت