امام الانجازات التي تحققت على المستوى الدولي بأعتراف العالم بدولة فلسطين كدولة غير عضو ، او من خلال الميدان بانتصار غزة وتوحد الشعب الفلسطيني ، نرى ان المصالحة الفلسطينية اصبحت اليوم هي الاساس وذلك مما يتطلب تطبيق الاتفاقات الموقعه والذهاب الى رحاب الوحدة الوطنية التي ينتظرها الشعب الفلسطيني بكافة مكوناته .
امام هذا المشهد نرى ان الشارع الفلسطيني بل وفي الشارع العربي يتطلع الينا حول كيفية الوئام ووحدة الصف الفلسطيني في هذه الفترة الحرجة من تاريخ القضية الفلسطينية حيث الغرور الإسرائيلي وصل مداه بالتزامن مع الهجمة التهويدية والاستيطانية الشرسة في الضفة الفلسطينية والقدس المحتلة، فهل نحن فعلا على طريق اتمام المصالحة ، وهل ما زال هناك "لغزا" مع ان الجميع يطلق الكثير من التصريحات التي تثير التفاؤل، ولكن تبقى الحالة الفلسطينية انظارها مشدودة الى الايام القادمه .
تساؤلات مشروعة، ولا يمكن لاحد امام هذا المشهد ، الا ان يقف متسائلا ، لان ما يريده الشعب الفلسطيني وحدة وطنية حقيقية تشارك فيها كافة الفصائل والقوى بعيدا عن الثنائية وتقاسم الحصص والادارات الذاتية لغزة والضفة ، المصالحة بالنسبة لنا تمثل عودة الروح للشارع الفلسطيني ولقضيته ومسارها نحو الحرية والاستقلال، فالشعب الفلسطيني كفاه استئثار بالهيمنة وتغيب للحريات واضعاف للنضال وممارسات واخطاء بحق والمواطنين ومنع النشاطات وإغلاق المؤسسات والسيطرة على بعضها .
ان مرحلة الترقيع لم تعد مقبولة في هذه المرحلة التي نشهد فيها انجازات لقضية فلسطين على المستوى الدولي والعربي والميداني وهذا يتطلب إعادة صياغة نظامنا السياسي لتجاوز عقبات ضعف الأداء، وحتى نتمكن من مواجهة عدو ينتهك منهجيا كل مقومات الوجود الوطني ويتجاوز كل الواقع السياسي الراهن من خلال تجاوز القوانين الدولية ، وان كان البعض ما زال معلقا املا على المفاوضات ، فان مسار المفاوضات قد فشل ، وان اي حديث للعودة الى هذا المسار دون مرجعية دولية ومؤتمر دولي للسلام برعاية الامم المتحدة ستكون مضيعة للوقت حيث يمارس الاحتلال سياسته القائمة على تدمير مقومات الاستقلال الفلسطيني الحقيقي وبناء الدولة المستقلة.
ان جملة القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية بشكل عام، توفر الغطاء الدولي القانوني الشرعي للحق الفلسطيني في تقرير المصير، وحق العودة وبناء الدولة المستقلة، وقد اعترفت تلك القرارات بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، ومن ضمنها حق العودة وحق تقرير المصير وحق وشرعية مقاومة الاحتلال باستخدام كافة الوسائل المتاحة، لذلك فإن الحديث يجب ان يستند بالأساس إلى قرارات الشرعية الدولية المتراكمة مع وقف التنفيذ بسبب الفيتو الأمريكي المتصهين والبلطجة الإسرائيلية المنفلتة، وان انتصار فلسطين في الامم المتحدة يعطيها الحق في المطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني ، وخاصة بعد ان حصلت على عضويتها في الجمعية العامة، والى تحشيد كل الطاقات والقدرات على صعيد المجتمع الدولي من اجل اجبار “اسرائيل ” على التنفيذ .
ان إحياء المشروع الوطني الفلسطيني على قاعدة التمسك بالثوابت الوطنية التاريخية وحق شعبنا في استعادة حقوقه كاملة غير منقوصة وضرورة إجراء حوار وطني شامل تشارك فيه الفصائل والشخصيات الوطنية للاتفاق على الجوانب التكتيكية والاستراتيجية للبرنامج الوطني يؤكد اهمية الحفاظ على المكتسبات الوطنية التي تتحقق بفعل تضحيات الشعب الفلسطيني .
ان تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على م.ت.ف وتفعيل مؤسساتها على أسس تضمن المشاركة الفاعلة لكل مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية بما يؤهلها لاستعادة دورها ومكانتها ويمكنها من التعبير عن التطلعات المشروعة لجماهير شعبنا في كافة أماكن وجوده ويعيد الروح والحياة لفعلها وتأثيرها السياسي والدبلوماسي على كل الصعد والمستويات الإقليمية والدولية اصبحت مطلب ملح لانه ما زال الشعب الفلسطيني يعيش مرحلة تحرر وطني وعلينا أن نواصل كفاحنا على هذا الأساس، وأن نضع البرامج الكفيلة بتعزيز قدراتنا النضالية وأشكالها وأساليبها في ظل المرحلة ومعطياتها، وإعطاء الفرصة لبحث كل عناصر فعلنا الوطني وتفعيلها بما يؤسس لمرحلة جديدة والسير بمنجزات الحركة الوطنية الفلسطينية قدماً للأمام من أجل نجاح المشروع الوطني.
من يتابع مشاهد الأحداث في المنطقة بتفاصيلها يجد الإصرار الأميركي الحثيث على إعادة رسم خريطة المنطقة وترتيبها وفق ما يخدم الأهداف الأميركية والصهيونية، من خلال الواجهة الإسلامية الشكلية بهدف تعميم سيطرة "الفوضى الأميركية الخلاقة" في كل بلد من البلدان العربية وتغذية نزعات الانفصال والتناحر عبر تأجيج الصراع الطائفي والمذهبي، والتحريض والتأليب وإدارتهما بين التيارين الإسلامي والليبرالي والعلماني على النحو الذي نراه الآن من تنازع وتشاحن، ، أو بين مختلف الطوائف الدينية والمذهبية، حيث تسعى الولايات المتحدة من خلال هذا الترتيب الجديد إلى تحقيق أهدافها عبر السيطرة على مقدرات وثروات المنطقة وتأمين كيان الاحتلال الصهيوني وبقاؤه القوة الأوحد ، وهذا يدعونا الى التنبه من تأجيج الصراع المذهبي والطائفي ، إلا أنه في ظل التجاذبات السياسية والطائفية والمذهبية التي تشهدها المنطقة والصراع المحتدم بين الدول الكبرى والإقليمية ذات المصالح تبقى المنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات.
ان على الاحزاب والقوى العربية مهام كبيرة وتاريخية في دعم القضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني ومواجهة المخاطر التي تحاك ضد المنطقة ، وخاصة ان فلسطين ما زالت غائبه نسبيا عن تلك الثورات العربية. والعما من اجل استنهاض طاقاتها من اجل مواجهة المشاريع التي تستهدف تفتيت المنطقة.
وامام هذه السيناريوهات المتسارعة، على مستوى المنطقة يجب العمل من اجل حماية القضية الفلسطينية حتى لا تكون موضع الاستقطاب الاقليمي والدولي ، وحتى يبقى حضور القضية الفلسطينية الاقوى في معادلات المنطقة ، وهذا لا يحسمه سوى حضور الفعل الفلسطيني والنضال مع العدو، وغير ذلك سيبقى استخداما وتوظيفا محكوماً لمصالح وغايات أطراف المعادلات المحلية والخارجية. وهذا ما أفرزته حرب غزة الأخيرة، بغياب القيادة الفلسطينية وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية عن ساحة الفعل المباشرفي اتفاق التهدئة ، مما يخلط الأوراق ، حيث برزت مساعي وجهود الأدوات الأمريكية في المنطقة والتي تهدف الى إجهاض انجازات المقاومة، ومن ثم الانتقال الى تدجينها وتحويلها الى مجرد وسيلة حماية لنظام حكم قادم في غزة، وهذا ما برز نمن تصريحات بعض قادة حركة حماس في إنشاء "وزارة دفاع" لتطوير القدرات القتالية للمقاومة الفلسطينية، او من عدم تلقي الحكومة المقالة من الرئيس محمود عباس دعوة لزيارة غزة .
لذلك نؤكد ان حياكة ما سمي التهدئة، برعاية أمريكية مصرية، ودورٍ تركي ، قطري وراء الكواليس يشير الى احتياجات السلطة في غزة من شرعية واعتراف عربي ودولي، وفتح مطار غزة الدولي وبناء ميناء بحري وستكون مؤهلة من خلال ذلك ان تلعب دورا سياسيا يتجاوز حدود غزة الجغرافي من خلال التماهي مع مشروع إخواني في مصر والمنطقة ، فالمحور المصري التركي القطري يعزز أطروحته بأنه قادر على تأمين الردع السياسي من خلال علاقاته الدولية والاقليمية القادرة على الضغط على اسرائيل، في خلفية هذه الاطروحة مقولة وزير الخارجية القطري بان "معظم العرب نعاج" وهم فاقدي الحول والقوة، وليس من خيار سوى اللجوء الى الولايات المتحدة لاستجدائها حلا مقبول .
هذا المناخ يتطلب موقفا فلسطينيا موحدا للمضي قدماً في معركة الحصول على الاعتراف الدولي الكامل بدولة فلسطين، واعتبار أي تعد على حدودها المعترف بها بقوة القانون الدولي، وهي خط الرابع من يونيو 67، سيغدو انتهاكاً للقانون الدولي، وجريمة حرب تعاقب عليها العدالة الدولية، وهذا بالضبط ما جعل قادة الاحتلال يشعرون بأن الأمر جدي، ومن الممكن أن يساقوا إلى المحاكم الدولية.
من الواضح أن حكومة الاحتلال ستسعى في الفترة القادمة لاختبار مدى الجدية الدولية في موضوع الانتهاكات التي تمارسها في كل وقت ضد الشعب الفلسطيني، ولذلك يبدو أن قرار حكومة الاحتلال بناء ثلاثة آلاف وحدة استيطانية يندرج في هذا السياق، ويشكل محاولة مكشوفة لجعل موضوع التوسع الاستيطاني أمراً عادياً، شأنه شأن الكثير من الانتهاكات التي تجري كل يوم ولا يقف العالم عندها.
ولذلك يبدو أن معادلة الصراع تغيرت، وهو ما يقتضي استراتيجية فلسطينية جديدة، تضع على رأس أولوياتها تنفيذ المصالحة الوطنية مهما كان الثمن، وإعادة اللحمة إلى الضفة والقطاع، باعتبارهما دولة فلسطين الموحدة، وبغير ذلك سيغدو طريق الاستقلال النهائي بعيد المنال.
ختاما : ان ما نريده هو تكريس ثقافة الوحدة لان فلسطين تحتاج لتضامن عالمي وموقف عربي موحد، وبعد ان حصلت على عضويتها في الجمعية العامة، والعمل من اجل تحشيد كل الطاقات والقدرات على صعيد المجتمع الدولي من اجل اجبار “حكومة الاحتلال ” على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ، كما يتطلب حماية الانجازات الوطنية من خلال التمسك بخيار المقاومة الشعبية بكافة اشكالها من اجل تحرير الارض والانسان .
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت