ما تقوم به إسرائيل منذ بداية احتلالها لأراضي الدولة الفلسطينية سنة 1967 في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بهدف إقامة المستوطنات عليها من اخطر أشكال الاستعمار القديم الجديد..حيث هذه الفكرة راودت قادة إسرائيل منذ أن أنشأة دولتهم سنة 1948 بحسب قرار الجمعية العامة 181 لسنة 1947 وما زالت تمثل إكسير الحياة للحركة الصهيونية العالمية .
كما أن الخطوات الإسرائيلية تبرهن من جديد بان الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ترفض التعامل مع الفلسطينيين على قاعدة قراري مجلس الأمن 242 و 338 و اللذان يطالبان إسرائيل بالانسحاب حتى حدود الرابع من حزيران سنة 1967 كمرجعية لأي مفاوضات تجري بين الجانبيين الفلسطيني والإسرائيلي .. زد على ذلك ترفض إسرائيل تطبيق قرار مجلس الأمن 465 لسنة 1980 و الذي يطالبها بتفكيك وإزالة المستوطنات التي أقامتها في أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة بما فيها عاصمتها القدس الشرقية وتتحدى العالم في توسيعها وبنائها لوحدات استيطانية جديدة تحت مسميات وحجج واهية لا تنطوي بشكلها وجوهرها على احد للتهرب من التزاماتها الدولية وتضييع الوقت مع الفلسطينيين بهدف التهرب من استحقاقات السلام .
وعلى ضوء ما ذكره أعلاه فان الواقع السياسي هو الذي يفرض نفسه على ارض الواقع..فإسرائيل تتباهى بأنها معنية بالسلام من جهة وتمارس الاستيطان من جهة ثانية ..ناهيك عن مطالبها وشروطها التي تحاول فرضها بشتى الطرق على الجانب الفلسطيني للاعتراف بيهودية الدولة لتفريغ القضية الفلسطينية من جوهرها ومن مكانتها كأولوية في سلم الأولويات الدولية .
وهذا يقودنا إلى استنتاج مفاده ,بان إسرائيل غير معنية بأي تسوية سلمية للقضية الفلسطينية من خلال أقوالها وممارساتها على ارض الواقع فهي تستولي على الأرض وتبني المستوطنات عليها وتنقل جزء من سكانها إلى ارض تحتلها وتقوم بجهود حثيثة لتهويد مدينة القدس الشرقية وفصلها عن محيطها وتهجير سكانها الأصليين فيها من جهة أولى وتخدع الرأي العام من خلال مناشدتها للتفاوض مع الفلسطينيين في نفس الوقت تتهرب من استحقاقات السلام من جهة ثانية وتريد أن تتفاوض مع الفلسطينيين على قاعدة التفاوض دون التوصل إلى نتائج من جهة أخيرة ..
ويؤكد قادة إسرائيل وعلى رأسهم رئيس حكومة إسرائيل بان الاستيطان بجميع أشكاله مشروعا قوميا واجتماعيا, وسيعملون على تحسين قدرة المستوطنات لمواجهة التحديات و الصعوبات.
وهنا إشارة واضحة تبين بان جوهر الاستراتيجيا الاستيطانية الصهيونية تكمن "ليس الاستيطان هدفا في حد ذاته فحسب, انه أيضا وسيلة الاستيلاء السياسي على البلد فلسطين..حيث قام الاستيطان الصهيوني –الإسرائيلي دائما بدور أساسي في رسم حدود الكيان الصهيوني ,وخصوصا منذ بداية عرض خطط تقسيم فلسطين في النصف الثاني من الثلاثينات,وصولا إلى صدور قرار تقسيمها سنة1947م,ولا شك في أن الإسرائيليين يطمحون في أن يقوم الاستيطان الجديد بدور مماثل في توسيع كيانهم,والذي من وجهة نظرنا يتنافى بشكل صريح مع طابع الاحتلال المؤقت المنصوص عليه في القانون الدولي:
1) حيث ترتدي المادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م أهمية خاصة "إذ تعتبر الاحتلال الحربي حالة مؤقتة تنتهي مع إيجاد تسوية سلمية بما يترتب عل ذلك من التبعات القانونية".
2) واستنادا إلى النظام رقم 43 من أنظمة "لاهاي"الصادر عام 1907م, يجب على القوة المحتلة أن تستمر في تطبيق المبادئ القانونية التي كانت مرعية الأجراء قبل بداية الاحتلال.
3) وهناك قرار مجلس ألان رقم 465 بتاريخ 1/آذار /1980م-الذي يطالب إسرائيل بتفكيك المستوطنات القائمة و التوقف عن التخطيط للمستوطنات وبنائها في الأراضي العربية المحتلة, بما فيها القدس.
4) وفي الدورة السابعة و الخمسين للجنة الدولية لحقوق الإنسان بتاريخ 18/4/2001 اتخذت قرارا, جاء فيه "أن أنشطة الاستيطان الإسرائيلي بما في ذلك توسيع المستوطنات وتوطين المستوطنين في الأراضي المحتلة, والاستيلاء على الأراضي, وهدم المنازل, وطرد الفلسطينيين, وشق الطرق الالتفافية, التي تغير الطابع المادي والتكوين الجغرافي للأراضي المحتلة, بما فيها القدس الشرقية, هذه الأعمال كلها غير شرعية وتشكل انتهاكا لاتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب, وعقبة رئيسية تعترض تحقيق السلام.
5) وفي توصيات لجنة ميتشل, حثت اللجنة الحكومة الإسرائيلية آنذاك على تجميد كافة النشاطات الاستيطانية, بما في ذلك النمو الطبيعي للمستوطنات القائمة.
وبالتالي فان الوجود الاستيطاني على أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة هو مخالفة واضحة للقانون الدولي الإنساني, خاصة المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949, ويتوجب إزالته برمته وان أي تسوية لا تتضمن ذلك لا يمكن أن تكون عادلة ودائمة أولا والسلطات الإسرائيلية تتحمل المسؤولية الكاملة عن كل ما يترتب عن الوجود غير القانوني للمستوطنين ثانيا.
بقلم الدكتور حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت