نعم متفائل
هل أنت متفائل؟، السؤال الأكثر حضوراً بعد السؤال عن الصحة وتوابعها، والسؤال وإن حمل بعموميته إجابات لا حصر لها، كون المنسوب إليه مجهول الهوية، فقد يكون التفاؤل والتشاؤم له علاقة بمستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحلم الدولة الفلسطينية المستقلة، ويمكن له أن يتمدد جغرافياً ليرتبط بالمستقبل العربي، أو يتراجع عند ضرورة من ضرورات الحياة، بدءاً بموسم المطر وما له من علاقة بملوحة المياه الجوفية التي تزداد بشكل مقلق، مروراً بالتهدئة ومدى صمودها في ظل انتهاكات حكومة الاحتلال المتكررة لها، وصولاً إلى الراتب وقدرة السلطة الوطنية على توفيره في ظل التهديدات بمحاصرتها مالياً بعد قرار الأمم المتحدة بالاعتراف بفلسطين دولة مراقب.
رغم الأفق الواسع للإجابة على السؤال لما يحمله من إبهام مطلق، إلا أن المقصود به لا يتطلب الإفصاح عنه، كون تكراره على مدار السنوات الأخيرة من العامة والخاصة جعله محصوراً في موضوع المصالحة، فعلى مدار سنوات الانقسام عشنا التفاؤل بين مد وجزر، أحياناً كنا نراه أقرب من حبل الوريد قبل أن نكتشف فجأة بأنه أضغاث أحلام، حين نراه يتسلل من بين أيدينا ليعيدنا إلى نقطة البداية، ورغم ذلك نحاول أن نبقيه دوماً ضمن مكونات سلوكنا، لأننا ندرك أن لا مفر لنا منه إلا إليه، وإن عاجلاً أم آجلاً سنطوي هذه الصفحة بكل مرارتها وآلامها.
نعم أنا متفائل، وليذهب المتشائمون بشطحاتهم أينما أرادوا، والتفاؤل لدينا مرتبط بوقائع توسع من مساحته، حيث غابت عن ساحتنا الكلمات المسمومة، وتغير خطابنا الإعلامي المليء بالاتهامات ما عظم منها وما صغر، وتحركت عجلة المبادرات التي تمنحنا هذا التفاؤل وإن كانت ببطيء إلا أن قوة النهر تأتي من روافده الصغيرة، ولم يعد كل منا يمتلك المطلق في الصواب، فلا المقاومة لوحدها قادرة على تحرير فلسطين، ولا المفاوضات هي الأخرى لوحدها قادرة على ذلك الفعل، وإن كنا نحقق انجازاً بالمقاومة، فالعمل الدبلوماسي أيضاً يجسد لنا ذلك، وتغير سلوكنا حين أدركنا بأن التنافر الداخلي يستنزف قوانا، وأن آلة الحرب الإسرائيلية تستهدف الكل فينا، وخفت حدة الاحتقان، وانخفض معها منسوب التوجس من الآخر، كل ذلك يدفعنا نحو التفاؤل.
الدلالات تشير إلى أن بيئة الوفاق والمصالحة تتوفر اليوم بشكل أفضل مما كانت عليه منذ أن طل علينا الانقسام بوجهه القبيح، ونحن قاب قوسين أو أدنى من إعادة الوحدة لشقي الوطن؟، ، نحن بحاجة لقليل من الصبر ولكثير من التفاؤل، تفاؤل تحصنه دوماً اللغة الوحدوية، الشقيقة مصر الراعية لجولات حوار المصالحة الفلسطينية المطولة مشغولة اليوم بهمها الداخلي، وأخلاقياً وموضوعياً لا يمكن لنا تجاهل جهدها المضني على مدار سنوات ونبحث عن رعاية من غيرها، لذا ننتظر قليلاً متسلحين بالكثير من التفاؤل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت