على الهواء مباشرة

بقلم: أسامه الفرا

حواديت ...
على الهواء مباشرة
المعلق الرياضي المرحوم محمد لطيف كان يمتعض من التعليق على مباراة كرة القدم المسجلة، ويصفها "بالطبخة البايتة"، كونها تفتقر للجاذبية ويغيب عنها التشويق، قبل ثلاثة عقود من الزمان كان البث الحي والمباشر يقتصر على نقل بعض مباريات كرة القدم، فيما الغالبية يتم تسجيلها وإعادة بثها في وقت لاحق، تغيرت الأحوال وتبدلت، بات باستطاعة المواطن اليوم أن يتابع ببث حي ومباشر تفاصيل ما يدور في أرجاء المعمورة، وتخصصت قنوات فضائية في نقل الحدث دون تجميل أو مونتاج ولا يخضع عملها لمقص الرقيب، لم يعد المواطن بحاجة لطابور من المحللين والمعلقين للوقوف على حقيقة ما يجري.
الكاميرا باتت تتكفل بنقل كل شاردة وواردة لترسلها مباشرة عبر الفضاء الرحب، يتلقفها المواطن قبل أن يقدم محترفو الدعارة الفكرية على تشويه وجهها، وعبر البث الحي والمباشر بات من الصعوبة بمكان تزوير الحقائق، أو حتى التقليل من وقعها على الرأي العام، والبث الحي بالصوت والصورة لم يعد حكراً على مكونات الحدث الرئيسية، بل في كثير من الأحيان يتم متابعة الانعكاسات الثانوية للحدث، بالأمس القريب عشنا تفاصيل العدوان الإسرائيلي على غزة ببث حي ومباشر، وشاهد العالم على الهواء مباشرة كيف نبحث عما تبقى من أشلاء الطفولة تحت الركام، لم نكن بحاجة لأن نتحدث كثيراً للعالم عن مأساتنا، كانت الصورة تتكفل بذلك نيابة عنا.
على الهواء مباشرة لست لوحدك، وقد يدفعك ذلك لاتخاذ قرار لا تجرؤ أن تقدم عليه في صومعتك، بالأمس كانت استقالات مستشاري الرئيس المصري على الهواء مباشرة، عرف المواطن بها قبل أن تصل إلى مسامع السيد الرئيس، واستقال الإعلامي من قناة "cbc" على الهواء مباشرة احتجاجاً على منعه من استضافة مرشح الرئاسة السابق حمدين صباحي، وعلى الهواء مباشرة خرجت إعلاميات عن النص فتم إيقافهن عن العمل بحجة تجاوز الخطوط الحمراء لسياسة القناة الفضائية، لم يقتصر الأمر في البث الحي والمباشر عند حدود "القفشات الإعلامية" والسبق الصحفي، بل امتد ليصل إلى تفاصيل ما كان بالإمكان حدوثها أو الوصول إليها، كحال ذلك الرجل الذي أنهى اتصاله مع مقدم برنامج ديني بتطليق زوجته على الهواء مباشرة، بعد أن "نصحه" الشيخ بفعل ذلك، أو تلك المستشفى التي تبث إجراء العملية للمريض عبر بث حي لأقاربه في قاعة خصصت لهم لمشاهدة ومتابعة ما يجري مع مريضهم.
لا يقتصر أمر النقل المباشر على ما تتفضل به الفضائيات علينا، والذي يصبح مع دخوله الأثير في متناول الجميع، ولكن هنالك ما يقتصر تداوله على مراكز التجسس عبر ما توصلت إليه التكنولوجيا، فأقمار التجسس الصناعية ومعها الطائرات بدون طيار "الزنانة" تقوم بنقل حي ومباشر لكل ما هو تحت بصرها، الكثير من حياتنا بات ينقل على الهواء مباشرة والقادم أكثر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت