تُعتبر زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل لغزة يوم أمس الجمعة (7/12/2012م) زيارة تاريخية وشجاعة وهامة لأنها جاءت في لحظات تاريخية فارقة انتصر فيها الشعب الفلسطيني المناضل في قطاع غزة على سيف الجلاد المحتل وكال له الصاع صاعين , وحاز الشعب الفلسطيني على ثقة وإرادة المجتمع الدولي بالاعتراف بفلسطين دولة (مُراقب) في الأمم المتحدة , ففي هذه اللحظات التاريخية الهامة يشق الشعب الفلسطيني طريقه نحو صناعة الحرية والمجد والنصر المُؤزر بكل كبرياء وشموخ وطني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم بكافة أشكاله العسكرية والاستيطانية وإقامة دولته على أرضه بين دول وشعوب المنطقة والمعمورة .
لا شك بأن زيارة خالد مشعل بكل ما يُمثله من رمزية تنظيمية في حركة (حماس) ورمزية وطنية في الشعب الفلسطيني , ليست زيارة عادية , وليست زيارة احتفالية للمشاركة في الذكرى الخامسة والعشرين لانطلاقة حركة (حماس) فقط , والآمال معقودة أن تساهم هذه الزيارة في ترجمة الإرادة السياسية العليا لدى قيادة حركة (حماس) إلى سلوك ملموس لرسم الضلع الثالث المفقود من المثلث الفلسطيني ، وتتويج انتصار الشعب الفلسطيني المناضل ومقاومته الباسلة في غزة وانتصار الدبلوماسية الفلسطينية في الحلبة السياسية الدولية , بالعمل على إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية والأهلية واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية , ولا شك أن ترجمة الإرادة السياسية العليا إلى سلوك , ومقارنة الأقوال بالأفعال , يحتاج إلى تعاون مشترك وعميق يقوم على الثقة والمصداقية بين أقطاب الكل الوطني الفلسطيني خاصة بين طرفي الانقسام , وهذه مسؤولية وطنية وسياسية عليا تقع على عاتق جميع القوى الوطنية والإسلامية وفي مقدمتها طرفي الانقسام أيضاً , والبدء في تطبيق خطوات عملية والشروع في تنفيذ اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية .
قد تكون زيارة خالد مشعل لغزة مرتبطة بالأوضاع والترتيبات التنظيمية داخل حركة (حماس) وهذا شأن داخلي لحركة (حماس ) نحترمه وحق لها أن تستفيد وأن تستثمر هذه الزيارة التاريخية النادرة والأولى لخالد مشعل لغزة وللوطن , لترتيب وتصليب الأوضاع الداخلية لحركة (حماس) التي تعيش لحظة تاريخية فارقة بالنصر , ولكن من الأهمية بمكان أن تنعكس هذه الزيارة إيجاباً على مُجمل الأوضاع الوطنية الفلسطينية وخاصة الدفع باتجاه الخروج من مربع الانقسام الفلسطيني البغيض , لما عهدناه من خالد مشعل من حرص وطني كبير , وما أبداه من دراية وحنكة سياسية عميقة في التعامل مع التطورات التي عصفت بالمنطقة , فلقد استطاع أن يُحقق نقلة نوعية في الموقف السياسي لحركة (حماس) استفادت منه في بلورة شخصيتها السياسية و توسيع دائرة انتشارها العربي والإقليمي وفتح آفاق جديدة أمامها .
السؤال الذي يتبادر للذهن ويقفز إلى صدارة الموقف , هل تنطوي زيارة خالد مشعل والفريق القيادي الكبير المرافق له إلى غزة على ترتيبات جديدة ذات صلة بحركة (حماس) وبالمنطقة , خاصة بعد توقف العدوان الإسرائيلي على غزة واستعادة التهدئة مع الجانب الإسرائيلي في ظروف جديدة ومغايرة برعاية الأشقاء في مصر والتي تمَّ الإعلان عنها من قِبل وزير خارجية مصر بحضور وزيرة خارجية أمريكا وبمتابعة شخصية من الرئيس المصري ودعم أطراف دولية وإقليمية وعربية مؤثرة في المنطقة والعالم ، وهذا الإخراج له دلالاته السياسية , والسؤال المطروح إلى أي حد زيارة خالد مشعل والفريق القيادي المرافق له في هذا الوقت تحديداً مرتبطة بهذه المتغيرات وهذه الدلالات والإشارات الهامة , خاصة أن انتصار الشعب الفلسطيني المناضل ومقاومته الباسلة في غزة , وانتصار الدبلوماسية الفلسطينية في أروقة الأمم المتحدة , من شأنه أن يعيد رسم المشهد السياسي وصياغة المعطيات والمفردات السياسية وتوزيع الأدواء في المنطقة والإقليم , وهل نحن في الشعب الفلسطيني فعلاً على أعتاب مرحلة جديدة عمادها العمل الوطني المشترك والشراكة السياسية العميقة , تعيد الاعتبار للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وحقوقه المشروعة وثوابته المقدسة في أفئدة ووجدان وعقول الأشقاء والأصدقاء والأحرار في العالم , وتوحد الجهود والطاقات والإمكانيات الفلسطينية في بوتقة واحدة لتحقيق المزيد من الانتصارات والمنجزات الوطنية الرائعة , وتعيد وضع القضية الفلسطينية في مكانها الصحيح على أجندة الأمة العربية والإسلامية والمجتمع الدولي , وأن يكون أداء القيادات السياسية الفلسطينية بمستوى أداء ووحدة المقاومة الباسلة في الميدان .