المصريون اكتشفوا مؤخراً بعد عام انهم فجروا ثورة حقيقية، وليس انتفاضة اصلاحات مطالبة برحيل الرئيس وبعض رموز النظام، وان ازمتهم بنيوية وليست أخلاقية كما يعتقد عواجيز قادة الاخوان المسلمين، فمشكلات المصريين عميقة وصعبة وحقيقية، والآن هم يطالبون بالقطع مع كل شيئ قديم مع النظام واستبداده وفي مقدمتها القوانين وأجهزة الدولة المدنية والأمنية.
فهموا ذلك متأخرين لكن ان تأتي متأخرا افضل من ان لا تأتي، والمؤسف أن الكل المصري يشارك في فتنة مصر، فالمعارضة تأخرت كثيرا في توحدها ولملمة صفوفها وفهم ما يجري، وتوحدت لكن بوجود شخصيات غير مقبولة شعبياً ومطعون فيها وفي شرعيتها وعلاقتها بالنظام القديم، وفي الوقت ذاته اعينهم على الحصول على حصة في النظام الجديد، والمعارضة كما الاخوان تستعجل في السيطرة على السلطة ولم تمارس الديمقراطية سابقا ولم تجرب، وهي بحاجة الى عقد تحالفات اكثر جدية وحقيقية من اجل مستقبل مصر.
وجماعة السلطة ممثلة بالرئيس وجماعة الاخوان المسلمين تتحمل المسؤولية باستعجالها الحكم والسيطرة على مفاصل الدولة، كما ان مؤيدي الرئيس من مستشاريه الذين فقدوا الثقة فيه اكتشفوا انه خذلهم، فعلى الرئيس محمد مرسي ان لا يخشى المعارضة الوطنية فهي تحصن الدولة، ويعيد الثقة لنفسه مع الشعب المصري و لمؤيديه من مستشاريه الذين قدموا استقالاتهم.
لذلك من الصعب على النظام المصري بقيادة مرسي ان يجد من يصدق وصف الاحتجاجات التي تقودها المعارضة بأنها غوغائية وخيانة، خصوصا في ظل استقالة مستشاري الرئيس من مختلف انتماءاتهم السياسية.
وعليه ان لا يقبل بتوجيه اتهامات التخوين والتكفير للمعارضة، والقضاء ووسائل الاعلام والصحافيين، وان وجد بينهم اصحاب مصالح، وان يعمل معهم لمصلحة مصر، وعليه سماع كل المصريين خاصة الشباب، ولا يستمع فقط الى العواجيز كما قال هيكل، ومجموعة من مستشاريه المنتمين لجماعته، وهم غير مقتنعين بالتعددية والمشاركة.
فحماية المجتمع من سطوة واستبداد السلطة وتغولها لا تكون فقط بالنصوص القانونية، فالحماية الحقيقية تكون بسيادة القانون و بأجواء الحرية السائدة بين الناس واحترامها والتنوع السياسي والمشاركة، وقوة المجتمع وأحزابه ومؤسساته القوية القادرة على التصدي للسلطة ووقف تغولها ومحاسبتها على استبدادها.
في مصر الزمن غير الزمن، لقد تغيرت امور كثيرة سواء من الناحية الرمزية او الفعلية، فالناس اصبحوا اكثر جرأة ولديهم القدرة على التعبير عن ارائهم بحرية اكبر، والخروج للشارع وتحدي السلطة وأجهزتها القمعية، ولا يمكن لأي سلطة اياً كانت امكاناتها وأدواتها لن تستمر بحكم الناس من غير ارادتهم، وهذا ما لم يكن في قدرة المصريين القيام به في فترة النظام المستبد.
وفي ظل مناخ الحرية السائد بفعل الثورة وزخمها الذي تجدد رفضا لقرارات الرئيس محمد مرسي تحت ذريعة تحصين الثورة وقراراته، عادت الروح الثورية للشباب المصري الذي لم يعد يأبه بكل ادوات القمع والتخويف والتخوين والتكفير، حتى تلك التظاهرات التي خرجت تأييداً لقرارات الرئيس وحماية الشرعية، ما كانت لتكون لولا الثورة.
لكن المحزن تلك العصبية الحزبية المقيتة في الخلاف الدائر في مصر ورؤية جماعة الاخوان المسلمين للمعارضة بشكل فوقي وغير ديمقراطي، وهم غير مؤمنين بحرية التعبير عن الرأي وحقهم في المعارضة، وانها من اهم قواعد النظام الديمقراطي، و انها ليست منة من احد، وانها حق مكفول للجميع، وان من حق الناس التعبير عن افكارهم بحرية، ومن دون ارهاب واتهامهم بوطنيتهم، واتهام المعارضة بالفلول وبقايا النظام، فهذا هو الاستفراد والاستئثار بالحكم، وشكل من اشكال الديكتاتورية.
في مصر جميع القوى السياسية مستعجلة في السيطرة على السلطة في حين ان مصر بحاجة الى تغليب المصلحة الوطنية المشتركة، والاستمرار في الحوار، ومنح الحزب الحاكم الفرصة للحكم على ان لا يستأثر بالسلطة، وتكون المشاركة في ظل نظام ديمقراطي لا غالب فيه ولا مغلوب، و لا الحزب الحاكم يستطيع نفي المعارضة او العكس، ولن يستطيع طرف الانتصار على طرف.
و حتى لا يكون الكل المصري شريكا في قتل مصر، فمصلحة مصر العليا هي في الحوار الجدي والحقيقي وهو السبيل للخروج من الازمة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت