أرواح الناس وصحتهم أغلى من كل الأموال يا معالي الوزير

بقلم: عبد القادر فارس


منذ أن تولى وزير الصحة الفلسطيني الدكتور هاني عابدين منصبه على رأس وزارة الصحة الفلسطينية في رام الله , كانت أولى قراراته وقف تحويل مرضى السرطان للعلاج في المستشفيات الاسرائيلية , وذلك بحجة توفير أموال الخزانة الفلسطينية التي تعاني من أزمة مالية , والاكتفاء بعلاج المرضى في المستشفيات الفلسطينية في القدس والضفة الغربية , أو تحويل المرضى من أصحاب الأمراض المستعصية والخطيرة , التي قارب أصحابها على الموت , إلى مستشفيات تتعاقد معها الوزارة في مصر لأهالي قطاع غزة , ولمستشفيات الاردن لأبناء الضفة الغربية , مع العلم بالمشقة التي يلاقيها المريض وأهله في السفر والانتقال .
وفي غزة التي تعاني الصحة فيها ومستشفياتها حالة تردي بالغة , كان مرضاها هم الأكثر تضررا بقرار معالي الوزير عابدين , وأصبحت دائرة العلاج بالخارج عاجزة أمام المواطن الفلسطيني , الذي يطالب بحقه في العلاج في الخارج , لعدم توفر أدنى الرعاية الصحية , في ظل الحصار ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية , وهجرة الأطباء الأكفاء , وتكفي زيارة واحدة لمستشفى الشفاء بغزة , وهو أكبر مستشفيات القطاع , للوقوف على حجم المأساة الصحية في غزة .
ولقد كان للقرار الذي اتخذه معالي الوزير هاني عابدين بإقالة مدير العلاج الخارجي بغزة الدكتور بسام البدري , صاحب الخبرة الطويلة في التعامل مع المرضى , وتعيين طبيب آخر في مكانه هو الدكتور فتحي الحاج , في خطوة لاقت استغراب واستهجان موظفي الدائرة والمرضى , على حد سواء في غزة , نظرا لأن الدائرة كانت تسير بشكل جيد , ولم يكن هناك داع للتغيير الذي اٌقدم عليه معالي الوزير , ولم تكد تمضي أشهر قليلة على تولي المدير الجديد لدائرة العلاج في غزة منصبه , حتى أعلن عن تقديم استقالته , لعدم تمكنه من العمل في ظل هذه الظروف , التي يمنع فيها المرضى من التحويل للعلاج في الخارج , و"زاد الطين بلة " , اضراب الأطباء في مصر , والأوضاع الأمنية التي تمر بها مصر الشقيقة , مما أدى إلى تكدس آلاف الحالات من المرضى من أصحاب الأمراض الخطيرة , وتعرضهم للموت في أي لحظة.
ومع الحديث عن الموت – والأعمار بيد الله - , نشير إلى الأخطاء الطبية الجسيمة في مستشفياتنا الطبية التي يتم التحويل إليها في الضفة الغربية , وأشير هنا إلى حالة مرضية بسيطة هذا الأسبوع , حين تم تحويل سيدة فلسطينية من غزة , هي السيدة عبير ابو شعبان , كانت تعاني من آلام في المرارة , ولم يستطع الأطباء في مستشفى الشفاء علاجها , وقالوا إنها بحاجة لعمل منظار للمرارة في المستشفى الأهلي في الخليل , وعند وصولها إلى الخليل , ورغم حالتها الصحية , أعلمتها إدارة الصحة في المستشفى أن دورها سيكون بعد عدة أيام , وكان عليها الانتظار هي وشقيقتها التي ترافقها , حيث استقبلتهما إحدى العائلات الكريمة في مدينة الخليل , وفي يوم إجراء عملية المنظار , انتظرت الأخت المرافقة خروج شقيقتها , لأخذ التقرير والعودة إلى غزة , لكن الساعات طالت عليها , ليخبرها الأطباء أن شقيقتها موجودة في غرفة العناية المركزة , ولا يمكن مشاهدتها أو زيارتها , بعد أن انفجرت المرارة أثناء إجراء المنظار, وأدى ذلك إلى حالة تسمم في الدم , وأنه يجرى الآن تنقية الدم من السموم حتى يتم إجراء عملية لها لاستئصال المرارة , وبقيت المريضة على تلك الحالة لمدة أربعة أيام , أسلمت بعدها الروح , بسبب خطأ طبي عند إجراء المنظار أدى إلى اختراق المرارة ووفاتها.
ولمناسبة الأخطاء الطبية في مستشفياتنا , فقد تعرضت أنا شخصيا لخطأ طبي كبير , لا زلت أعاني منه منذ أكثر من عام ونصف , حين توجهت إلى مستشفى " المطلع " بالقدس , للعلاج من مرض سرطان البروستاتا , وتم التشخيص والاتفاق على العلاج بـ " الاشعاع " , وبعد 38 جلسة من العلاج , على مدار 70 يوما مكثتها في القدس , عدت إلى غزة وأنا أعاني من تضخم في الكلى , وأوجاع شديدة في المسالك البولية , وعدم التحكم في التبول ( سلس البول ) , وبعد معاناة لأكثر من شهرين مستشفيات غزة , تم تحويلي إلى المستشفى الفرنسي بالقدس , حيث تم إخبارى أن الكلى بحالة متأخرة , وأن الكلية اليسرى لا تعمل تماما , أما اليمنى فعملها ضعيف , وتم إجراء عملية تنفيس للكلية اليمنى , ودعامة للكلية لليسرى , لإنقاذ ما يمكن إنقاذه , بسب العلاج الخاطئ في علاج الاشعاع على البروستاتا , حيث لم يكن يتم تركيز الاشعاع على البؤرة السرطانية فقط , بل أن الاشعاع كان يقوم بتدمير الخلايا الحية في باقي الجهاز البولي المحيط بالبروستاتا , وبالفعل قام الدكتور وائل أبو عرفة مشكورا برعايتي , وإجراء عملية تنفيس الكلى من التضخم الحاصل بها , وذلك بواسطة عملية " نوفريستومي " , أي التبول بواسطة خرطوم في الكلى والتبول من الخاصرة , وبعد شهرين عدت للمستشفى الفرنسي بالقدس, حيث أزيل الخرطوم وكيس البول من خاصرتي , بعد التأكد من تحسن عمل الكلى , حيث تبين أن الكلية اليمنى تعمل بنسبة 75%, بينما الكلية اليسري فتعمل بنسبة قصور كبيرة ووصل عملها على 25% فقط.
ولم يقتصر الضرر على الكلى فقط , بل امتد إلى المثانة التي تضررت بشكل كبير, بعد أن أحدث العلاج الخاطئ بالإشعاع تلفا وتليفا وضمورا شاملا لأنسجة المثانة , مما أدى إلى عدم التحكم في التبول , مع حدوث انسدادات دائمة وحصر البول وتراجع في عمل الكلى , مع حدوث آلام شديدة , وعندها تم تحويلي إلى المستشفى الفرنسى لمتابعة حالتي , وهناك أخبرني الدكتور أبو عرفة , أنه لا يستطيع إجراء أي عمل جراحي لى في الجهاز البولي , لأن الاشعاع يمنع إجراء أي عمل جراحي بعده , خوفا من عدم التئام الجرح .
بعد ذلك قررت التوجه الى القاهرة , للبحث عن حل طبي لحالتي , بعد أن حصلت على تحويلة من الخدمات الطبية العسكرية برام الله إلى مستشفى فلسطين بالقاهرة , وهناك تم عرضي على عدد من الأطباء المختصين في الأورام والمسالك البولية , وتقرر بعدها إجراء عملية زراعة وترقيع للمثانة التالفة من خلال أخذ جزء من القولون ليعمل عمل المثانة , ومكثت هناك ثلاثة أشهر , عدت بعدها إلى غزة , لكن تبين أن عضلات المثانة والصمام لا يعملان , وأنني سأبقى أعاني من حالة سلس البول , مما اضطرني إلى استخدام حفاظات " البامبرز " بشكل دائم , والقسطرة الخارجية في بعض الأحيان عند الاضطرار للخروج من البيت لساعات أطول .
بعد هذه المعاناة كتبت رسالة مرفقة بالتقارير الطبية لمعالي الوزير هاني عابدين , منذ حوالي ثلاثة أشهر , من أجل تحويلي إلى دولة متقدمة , أو إلى مركز متخصص للمسالك البولية , من أجل ايجاد حل لمشكلتي , التي جعلتني حبيس المنزل لعدة أشهر , حيث يمكن تركيب صمام صناعي للتحكم في التبول , وهذا غير متوفر في مستشفياتنا , ولكن يبدو أن رسالتي كان مكانها " سلة القمامة " في مكتب السيد الوزير , بعد أن علمت أنها بالفعل وضعت على مكتبه , وأنه بصدد دراستها , ولكن يبدو أن التقشف المالي لوزارة الصحة برام الله , يزيد من آلام المرضى , وسيزيد من عدد الأموات من المرضى , وهنا أقول لمعالي الوزير , إن أرواح المرضى , وصحة المواطنين أغلى من كل الأموال , يا معالي الوزير , وأنه إن لم تعد قادرا على علاج المرضى , وتحسين الأوضاع الصحية للمواطن الفلسطيني , فعليك الاستقالة من منصبك , مثلما فعل مدير دائرتك للعلاج الخارجي في غزة .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت