في صندوق بريدي بقسم اللغة الإنجليزية وجدت بيانات مذيلة بـ "طلاب وطالبات قسم اللغة الإنجليزية- جامعة الأزهر"، الأمر الذي حفزني على التساؤل والبحث والتحري لأجد على الصحافة الإلكترونية المزيد من المعلومات والمزيد مما لم أكن أعلم. غير أنني لن ألتفت في مقالتي هذه إلى أي شيء إلا تلك البيانات التي ذيلها "طلاب وطالبات قسم اللغة الإنجليزية في جامعة الأزهر" باسمهم.
حينما أقرأ في أحد هذه البيانات شيئاً من نوع "لا نريد للصمت أن يأكل ألسنتنا ولا للخوف أن يستطيب ضيافتنا، لذلك نتوجه إلى أصحاب القرار في جامعتنا بعد أن فاض الكيل منا بالمطالبة بحقوقنا..."، فإنني أسعد سعادة لا تعدلها سعادة لسببين: أولهما، أنني أشعر أن غرسنا قد بدأ ينتج ثمراته في طلابنا وطالباتنا، وثانيهما، أن غرسنا الذي استجاب لنا ها هو أيضاً يستجيب لطلابنا وطالباتنا الذين استوعبوا تماماً شاعرنا العربي العراقي، أحمد مطر، وهو يقول:
أكل الصمت فمي
لكنني أشكو من الصمت بصمت
خوف أن يأكلني
لو أنا بالصوت شكوت
رب إن الصمت موت
رب إن الصوت موت
إنني حينما أقرأ في هذه البيانات مطالبة أبنائنا وبناتنا بـ (1) "قاعات دراسية تصلح للآدميين بدلاً من حاويات الخردة" (2) و"استبدال المراوح التي أصبحت بيوتاً للعناكب وفريسة للصدأ" (3) و"نوافذ تبعد البرد وتخفي قليلاً من أصوات الباصات والضوضاء الخارجية" (4) و"إصلاح أبواب القاعات التي تحتاج معجزة لفتحها حين الدخول أو الخروج" (5) و"منع أعمال البناء أثناء الدراسة" (6) و"تبييض الجدران والإضاءة داخل القاعات لتتناسب مع الحالة النفسية لمتلقي العلم" (7) و"تنظيف الحمامات التي لا تليق بالطلبة الجامعيين، ناهيكم عن عدم وجود الماء فيها" (8) و"توفير المياه الصالحة للشرب" (9) و"توفير كافتريا محترمة تلائم احتياجات الطلبة وترشيد الأسعار" (10) و"إلغاء الاختبارات النصفية" بسبب الحرب العدوانية على غزة....، فإنني أرى أن ما كان يتوجب على إدارة الجامعة أن تفعله، هو أن تجري مع الطلاب والطالبات حواراً تصل من خلاله معهم إلى ما يقنعهم ويهدئ روعهم، لا أن تقمعهم أو أن تدير ظهرها لهم.
لقد بدأت الحرب العدوانية ذات الأيام الثمانية على غزة يوم الأربعاء 14/11/2012 بينما كان موعد بدء الامتحانات النصفية يوم السبت 17/11/2012، الأمر الذي جعل الجميع- ومن بينهم الطلبة- يتصورون أن الحالة الوطنية الراهنة قد تجاوزت مرحلياً موضوع الامتحانات النصفية. وبعد انتهاء الحرب العدوانية خاسئة خاسرة، أصدرت الجامعة قرارها باستئناف العمل والدراسة في الجامعة اعتباراً من صباح السبت 24/11/2012. في تلك الأثناء كان الطلبة والعاملون والأكاديميون قد وطنوا النفس على أن الامتحانات النصفية إما أنه سيتم تأجيلها أو إلغاؤها واعتبار الامتحانات النهائية من مائة. هذا ما قر في الذهن الطلابي وفي الذهن الأكاديمي لسبب واحد وحيد لا غيره ولا سواه وهو صمت إدارة الجامعة… صمت رئيس الجامعة… صمت النائب الأكاديمي الذي يجب أن يكون مخ الجامعة… صمت العمداء (عمداء الكليات) الذين ظلوا صامتين ساكنين دون أن يبادروا وهم يسمعون الدعايات والإشاعات عن تأجيل الامتحانات تارة وعن إلغائها أخرى.
لقد كان ينبغي لهذه الجامعة ألا تجعل الوسط الطلابي والبيئة الأكاديمية فيها أرضاً خصبة للإشاعات والدعايات، الأمر الذي كان يحتم عليها أن تصدر قرارها الوضح والحازم والحاسم في أول يوم من أيام استئناف الدوام بعد انتهاء الحرب العدوانية على غزة، لكنها بصمتها وسكوتها وسكونها لعبت دوراً سلبياً في تغذية الإشاعات والدعايات التي ذهب معظمها إلى إلغاء الامتحانات وليس إلى فرضها في موعدها أو إلى تأجيلها. لقد سكتت الجامعة عن كل ذلك وصمتت صمت القبور، غير أنه ما أن تأكد للطلبة إشاعة أن الامتحانات قد تم إلغاؤها حتى أصدر المجلس الأكاديمي العتيد يوم الثلاثاء 27/11/2012 فرمانه القاضي ببدء الامتحانات يوم السبت 1/12/2012 دون أن تضع في اعتبارها الحرب العدوانية والحالة النفسية وتبعاتها، ودون أن تفكر ولو قليلاً في الاستجابة للمطالب الطلابية عبر حوار جاد مقنع. ما الذي جعل إدارة الجامعة تصمت الصمت الذي لفها منذ يوم السبت 24/11/2012 وحتى ظهر الثلاثاء 27/11/2012 لتعلن عن الامتحانات فجأة؟ ما الذي جعل إدارة الجامعة تسمع الإشاعات والدعايات بإلغاء الامتحانات فيما تظل ساكنة ساكتة؟! ثم ما الذي جعلها تخرج عن صمتها فجأة لتعلن يوم الثلاثاء 27/11/2012 عن بدء الامتحانات في 1/12/2012؟! وما الذي كان يعيب إدارة الجامعة لو أنها استجابت لدعوات تأجيل الامتحانات لمدة أسبوع واحد؟! ما الذي كان سيحدث لو أجرت إدارة الجامعة مع الطلبة حواراً توصلت من خلاله إلى تأجيل الامتحانات أسبوعاً؟!
كل هذه الأسئلة أعادت إلى ذاكرتي مقالاً نشرته بعنوان: "جامعة الأزهر والتخطيط: بين الامتحانات ومناسبة الإسراء والمعراج". فكما أخطأت الجامعة حينما قامت بتأجيل الامتحان الذي كان مقرراً عقده يوم الأحد 17/6/2012 إلى ما بعد آخر يوم من أيام الامتحانات النهائية، فكانت النتيجة أنه بسبب غياب التخطيط في الجامعة فقد تم تأجيل 40 امتحاناً تخص آلاف الطلبة وعشرات الأساتذة، فها هي الجامعة تخطئ اليوم فتصم الآذان وتغمض الأعين، مركِّزة فقط على أن تملي دون أن تفكر أو تتفكر ودون أن تدبر أو تتدبر.
وبعد، فكما وضع المخططون لهذه الجامعة يوم الأحد 17/6/2012 (اليوم الذي صادف مناسبة الإسراء والمعراج) خطته الامتحانية ثم انهزموا عنها متناسين تبعاتها واستحقاقاتها، ها هم اليوم يغمضون الأعين ويصمون الآذان عن حرب عدوانية فرضت علينا وعلى طلابنا وطالباتنا واقعاً ليس من العدل وليس من الأصول ألا يوضع في الاعتبار، ذلك أن هذه الجامعة ما كان يضيرها لو قامت بتأجيل الامتحانات أسبوعاً، لا سيما وإنها هي التي أبقت الطلبة خمسة أيام فريسة لدعايات وإشاعات ذهبت كلها إلى إلغاء الامتحانات حتى أن الطلبة وأساتذتهم- وفي ظل غياب إدارة الجامعة وغياب تخطيطها أو انعدامه والإعلان عن رؤيتها وقراراتها- قد ظلوا للدعايات والإشاعات نهباً.
أما آخر الكلام، فأليس عيباً مستبشعاً أن يقول رئيس الجامعة بالحرف الواحد- إن كان قد قال وأحسبه قد قال- للطلاب والطالبات المعترضين على الامتحانات والمعترضات: "من بين 1200 طالب، ما في إلا طلاب قسم اللغة الإنجليزية معترضين، ما بيلزمونا إذن". لقد صدق طلابنا وطالباتنا في تعليقهم على قول رئيس الجامعة في بيانهم حين قالوا إن قول رئيس الجامعة هذا يؤكد كلامنا بأن قرارات إدارة الجامعة تتم وفقاً لأهواء شخصية بعيدة كل البعد عن مصلحة الطالب والتي لم يضعوها في الحسبان". أما أنا فأقول: "إن قول رئيس الجامعة:" من بين 1200 طلاب، ما في إلا طلاب قسم اللغة الإنجليزية معترضين، ما بيلزمونا إذن"، هو حجة لطلبتنا الذين أثبتوا وعيهم وصدق ما كان من غرس فيهم، وهو في الوقت نفسه حجة على رئيس الجامعة الذي يأبى إلا أن يثبت المرة تلو الأخرى أنه لا يؤمن بالرأي ولا بقيمته ولا بحرية التعبير عنه. إنه يحب أن يملي كما يملى عليه. كان الله في عونك يا جامعة الأزهر!
بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت