القضية الفلسطينية وحسابات فتح وحماس

بقلم: أحمد إبراهيم الحاج


تشهد الساحة السياسية الفلسطينية سباقاً محموماً بين القطبين الفلسطينيين (فتح وحماس) نحو التأثير في مستقبل القضية الفلسطينية، فكلا الطرفين يحرص على إضافة نقاط إلى رصيده الوطني في هذا المارثون السياسي، فبعد سيطرة الجناح السياسي في حركة حماس على الجناح العسكري بعد استشهاد أحمد الجعبري الذي كان يمسك بالقرار لأنه المسيطر على الأرض، انفتحت شهية السياسيين في حماس على كعكة السلطة الوطنية الفلسطينية التي هي نتاج إتفاق أوسلو، وصدرت إشارات تشجيعية من قبل رئيس المكتب السياسي لحماس ومن قبل بعض أعضاء المكتب نحو القبول بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967م. وبدأت الحملات الإنتخابية لصالح خالد مشعل تشتعل بقيادة قناة الجزيرة القطرية وخاصة في تغطية مطولة لزيارته الى غزة والتي ربما حظيت بموافقة اسرائيل عبر قطر ومصر. وما تصريحه ووعده بإتمام المصالحة الفسطينية الاّ رافداً من روافد هذه الحملة ليكون بطلاً لعملية المصالحة الوطنية الفلسطينية التي نتمنى إتمامها وأن لا تذهب وعوده أدراج الرياح كما ذهبت من قبل حينما أطلقها من الدوحة وما قبل الدوحة. ولكن هذه المرة يبدو أنها تبدو اليوم جدية لإنتقال القرار في حماس من العسكر الى السياسيين ولأنها ستضيف الى رصيده الإنتخابي نقطة أو نقطتين على الرغم من مد يد ابو مازن ونداءاته المستمرة للمصالحة والتي لم تلاق صدى لدى مسئولي حماس في السابق لأنها كانت تنتظر تبلور الأوضاع في دول الربيع العربي وخاصة في مصر حيث استبدلت حماس اليوم أحضان ايران وسوريا بحضن مصر إضافة الى حضن قطر القديم المتجدد والموجه حسب البوصلة الأمريكية، وغيرت إصطفافها بحركة انحرافية بمائة وثمانين درجة وبنحو متسارع كسرعة البرق نحو محور (مصر – قطر) بدلاً من (سوريا – ايران). وإن تمت المصالحة بعد اقتناع حماس بها وتوافقها مع حساباتها الإنتخابية فسوف تكون نقاطها لصالح كفة حماس أكثر من فتح لأنها ستبدو ظاهرياً من بادر للمصالحة، حيث كانت هي الممانعة لها وأفرجت عنها بمبادرة شجاعة من رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل.

في حقيقة الأمر فإن فتح قد أضافت لرصيدها نقطة مضيئة في الحصول على إعتراف دولي بفلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة.

وبمقارنة بين القطبين فإن حماس تدعمها قدرات إعلامية انتخابية متطورة على رأسها قناة الجزيرة ذات الإنتشار الواسع، وتفوق قدرات فتح الإعلامية، ولا ننكر هنا أهمية تأثيرها على المتلقين الذين يعتمدون العين قناة ثقافية ومعلوماتية. كم أن حماس تملك المال الذي يمكن توظيفه في معركة الإنتخابات وتجد من يمولها من الدول العربية والإقليمية في حملتها الإنتخابية. ويقابل ذلك شح بموارد فتح نظراً لإنفاقها مدخراتها على السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى مساعدة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وكذلك مساعدة حماس زمن ياسر عرفات كما أن جزءاً كبيراً من موازنة السلطة يصب لصالح قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، وكذلك إضافة الى تجفيف مصادر الدعم العربية والإسلامية لفتح واستمرارها لحماس.

كما أن حماس تلعب في هوامش إقليمية واسعة داعمة لها وخاصة في دول ما يسمى بالربيع العربي، وبالمقابل فإن فتح تملك هوامش إقليمية ضيقة تقل بكثير عن حماس. وتتمتع حماس ببنية تنظيمية متماسكة وقادرة على إنتاج وولادة قيادات بديلة من الصف الثاني إذا دعت الحاجة لذلك، وبالمقابل فإن فتح ونظراً لتداخلها مع كوادر السلطة الوطنية الفلسطينية تملك تنظيماً أقل تماسكاً وتتابعاً من حماس، وإنتاج قيادات وولادة قيادات بديلة في فتح ربما يتم في مخاض أصعب من حماس. ولكن فتح تملك الخبرة الدبلوماسية والسياسية والقبول الدولي وخاصة الأوروبي، وتتفوق على حماس في هذه الناحية.

وهنالك نقطة جوهرية في المقارنة بينهما، وهي أن فتح تسيطر على الضفة الغربية التي تشكل هدفاً اسرائيلياً للسيطرة عليها وضمها للكيان الإسرائيلي وخاصة القدس الشريف، كجزء من الحلم الصهيوني في أرض الميعاد (يهودا والسامرة)، بينما حماس تسيطر على غزة والتي تحاول اسرائيل حذفها الى مصر، لذلك تتعرض فتح لضغوطات وتهديدات وعقوبات اسرائيلية باهظة وثقيلة اكثر مما تتعرض له حماس على أمل أن تنجح اسرائيل في مسعاها المتمثل في إعادة غزة الى مصر كما كانت، مستغلة بذلك تصريح مرشد الإخوان المسلمين الذين يحكمون في مصر بعدم ممانعته في إقامة مخيمات للفلسطينيين في سيناء. فقبضة اسرائيل محكمة على فتح وحركتها أكثر بكثير من إحكامها على حماس.

وبالنتيجة فمن مصلحة اسرائيل فوز حماس بالإنتخابات لأنها مصنفة على قائمة الإرهاب، وبالتالي فلا سلام مع الإرهابيين، وتتملص اسرائيل من السلام، ومن هنا نتفهم تصريح السيد عزت الرشق عضو المكتب السياسي لحركة حماس بقبولهم بمفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل بخصوص قطاع غزة والهدنة المتبادلة، لقاء شطب الإتحاد الآوروبي حماس من قائمة الإرهاب لتدخل في مفاوضات مع اسرائيل.

من الناحية الظاهرية لمشهد السباق الماراثوني ومن وجهة نظر المثقفين البصريين الذين يعتمدون العين كقناة ثقافية لهم، حيث يلتقطون الأخبار بسياقها الظاهري الموجه لخدمة هدف مخفي، دون تحليل عميق للأحداث واستشراق للمستقبل على أساس الماضي والحاضر، فإن كفة حماس في ميزان الحكم بين الطرفين في موضوع المصالحة والحرب الأخيرة تغلب على كفة فتح. نظراً لتصوير حماس للأحداث على طريقة أفلام هوليود الأمريكية بمساعدة قناة الجزيرة وما يتبعها من قنوات موالية للإسلاميين. تلك الطريقة التي تخطف الأبصار في تغييب للعقل بحيلها السينمائية غير الحقيقية المبهرة الظاهرة للعين دون مرور على العقل. فتشد المشاهد بخيوط تنبعث من عينيه الى الحدث بطريقة مباشرة ولا تمر على العقل ليربط بين الأحداث والنتائج ويحكم في مدى صحتها وصدقها ودقتها ونقائها.

وللمتبصّرين بالأحداث الذين يملكون الحاسة السادسة وهي البصيرة المستنيرة بالوعي والحساسية الذهنية وهم قلة في المجتمعات، والذين هم يعتمدون التحليل والتدقيق بالأحداث من بداياتها الى نهاياتها، يدركون أن حماس منذ انطلاقتها عام 1987م كحركة مقاومة إسلامية تتخطى حدود الوطنية الى حدود اقليمية ودولية بعيدة المدى كالسراب الذي لا يمكن الوصول اليه في ظل الواقع ، والى يومنا هذا قد تغيرت وتبدلت وتلونت بألوان طيفية سياسية وتقلبت بين أحلاف إقليمية تحت شعار المقاومة والممانعة، الى أن أوصلتنا الى مشروع منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة فتحاوية بعد كفاح مسلح استمر اثنين وعشرين عاماً قبل انطلاقة حماس. وبعد تضحيات فلسطينية جسيمة أجبرت العالم والعدو على الإعتراف بالهوية والكيانية الفلسطينية على الأرض الفلسطينية. وفي هذا الوقت الذي كانت تقاوم فيه فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، كانت حماس تنام في بيات وطني في شرنقة الإخوان المسلمين الذين كانوا يعارضون منظمة التحرير الفلسطينية ويشككون في تضحياتها وفي نضالاتها وفي شهدائها. وانطلقت حماس كحركة مقاومة عند ظهور بوادر حل الدولتين وفي وقت إعتراف العالم بالحق الفلسطيني في دولة على حدود الرابع من حزيران عام 1967م استناداً الى القرار 242 وما سبقه من قرارات. واتسمت مقاومتها منذ انطلاقتها الى اليوم بلون سياسي بحت، يخبؤ وراءه هدفاً سياسياً من شأنه أن يؤهلها لأن تكون لاعباً رئيسياً بالحل السياسي، ولتحصل على حصة الأسد في كعكة الكيان الفلسطيني الذي سيقوم. وبدأت بمشروع متطرف في نظر العالم يهدف الى إلغاء كيان قائم ودولة معترف بها وقيام دولة فلسطينية بالقوة بديلة لها على أرض فلسطين التاريخية وهو مشروع يصعب تحقيقه على أرض الواقع ولا يتناسب مع القدرة والزخم الفلسطيني في ظل معادلات القوة العسكرية والسياسية. فوصفها العالم بالتطرف وتناغمت مع التطرف الصهيوني لدولة الكيان الإسرائيلي وساعدت اليمين الإسرائيلي المتطرف على السيطرة على القرار الإسرائيلي وبالتالي أعانت اسرائيل على تأخير قيام الكيان الفلسطيني الذي استحق منذ زمن بعيد، وتسببت في هدر الدم الفلسطيني وهدر الزمن والوقت لتصل بنا الى نفس النتيجة التي وصلتها منظمة التحرير الفلسطينية. وكل ذلك من أجل استئثارها بنصيب الأسد في كعكة الكيان الفلسطيني الذي ربما سيقوم. ودليل ذلك دخولها الإنتخابات الفلسطينية ضمن ما يتنافى مع مبادئها وهو اتفاق أوسلو الذي أبرمته منظمة التحرير الفلسطينية والذي رفضته حماس واعتبرته عملاً تفريطياً بالحقوق الوطنية الفلسطينية ومن أجل نتائجه دخلت في صراعات بينية فلسطينية أدت الى الإنقسام الفلسطيني الجيوسياسي متمسكة بسلطتها على قطاع غزة.

ما يجب أن يدركه ويعيه المواطن الفلسطيني هو أن الهم الوطني الفلسطيني وتحقيق الطموحات الوطنية الفلسطينية المرحلية هو بؤرة العمل الفلسطيني المقاوم، وما يتخطى حدود الوطن من هموم عقائدية وإقليمية ودولية يجب أن يوظف للمصلحة الوطنية الفلسطينية داخل الحلم الفلسطيني في وطن على الأرض الفلسطينية على قاعدة المثل الشعبي الفلسطيني الذي يقول (على قد لحافك مد رجليك). وإن اصطدمت المسارات العقائدية والإقليمية والدولية مع المصلحة الوطنية فيجب نبذها وتنحيتها لصالح المصلحة الوطنية. ويجب تركيز العمل الفلسطيني المقاوم على كل الصعد لصالح الجغرافيا الفلسطينية المتاحة.

وكمواطن فلسطيني محايد ومتجرد من كل الشعارات إلا شعار الوطنية الفلسطينية، يهمني ويستقطبني من يستطيع أن يوفر لي وطناً فلسطينياً وهوية فلسطينية كانت ممحية من الخارطة الديمغرافية للعالم، وذلك على أرض فلسطينية ضمن الواقع المتاح وفقاً للقرارات الدولية التي تعيد لي جزءاً من أرض فلسطين، أقف عليه بأقدام راسخة متطلعاً الى استرداد حقوقي الكاملة بهمة الأجيال القادمة. ولا يعنيني من يشطح بخياله خارج حدود الواقع المتاح ليجرني من مذبحة الى مذبحة دون نتيجة متحققة على الأرض ويوهمني بالنصر بينما الحال الفلسطيني في تراجع. ولا يعنيني اللعب على هوامش إقليمية وخلط للأوراق وتقلب بين المحاور وتغيير في الولاءات والتحالفات طبقاً للمصلحة الشخصية والفئوية، وتوظيف للعقائد في خدمة الأهداف الشخصية والفئوية، فكلنا نحمل عقيدة ونؤمن بالله ونعبده، ولا ندعي أننا خلفاؤه على الأرض، ولا نمن بإسلامنا وإيماننا أو نتظاهر به، فالإيمان ما وقر بالقلب وصدقه العمل دون تعدد وتغيير في المسارات المسلكية بما يتنافى مع الشعارات المرفوعة والقناعات الداخلية للنفس الوطنية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت